من طرف توتة الخميس 12 أبريل - 8:54
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ تابع أحداث شهر صفر سنة 1218 }
وفي يوم الخميس ثاني عشره عمل عثمان بك البرديسي عزومة بقصر العيني وحضر ابراهيم بك والامراء ومحمد علي ورفقاؤه وبعد انقضاء العزومة ألبسوا محمد علي ورفقاءه خلعا وقدموا لهم تقادم
وفي يوم الجمعة كذلك عملوا عزومة لابن أخي طاهر باشا المقيم بالقلعة وصحبته عابدى بك ورفقاؤهم بقصر العيني وخلعوا عليهم وقدموا لهم تقادم أيضا
وفي يوم الاحد خامس عشره نزل ابن أخي طاهر باشا من القلعة ومن معه من أكابر الارنؤد وأعيانهم وعساكرهم بعزالهم ومتاعهم وما جمعوه من المنهوبات وهو شيء كثير جدا وسلموا القلعة الى الامراء المصرلية وطلع أحمد بك الكلارجي الى باب الانكشارية وأقام به وعبد الرحمن بك ابراهيم الى باب العزب وسليم أغا مستحفظان الى القصر فعند ذلك اطمان الناس بنزولهم من القلعة فأنهم كانوا على تخوف من اقامتهم بها وكثر فيهم اللغظ بسبب ذلك فلم يزل الامراء يدبرون أمرهم حتى أنزلوهم منها وبقى بها طائفة من الارنؤد وعليهم كبير يقال له حسين قبطان
وفيه ورد الخبر أن محمد باشا لما قربت منه العساكر التي كان أرسلها له طاهر باشا ارتحل الى دمياط كما تقدم
وفي يوم الاثنين وردت مكاتبات من الديار الحجازية مؤرخة في منتصف محرم وفيها الاخبار باستيلاء الوهابيين على مكة في يوم عاشوراء وان الشريف غالب أحرق داره وارتحل الى جدة وان الحجاج أقاموا بمكة ثمانية أيام زيادة عن المعتاد بسبب الارتباك قبل حصول الوهابيين بمكة ومراعاة للشريف حتى نقل متاعه الى جدة ثم ارتحل الحجاج وخرجوا من مكة طالبين زيارة المدينة فدخل الوهابيون بعد ارتحال الحج بيومين
وفي يوم الاربعاء ثامن عشره أخرجوا باقي الانكشارية والدلاة والسجمان وكانوا مجتمعين بمصر القديمة فتضرر منهم المارة وأهل تلك الجهة بسبب قبائحهم وخطفهم أمتعة الناس بل وقتلهم وكان تجمعهم على ان يذهبوا الى جهة الصعيد ويلتفون على حسن باشا بجرجا وينضمون اليه والى من بناحية الصعيد من أجناسهم فذهب منهم من أخبر الامراء المصرلية بذلك فضبطوا عليهم الطرق واتفق ان جماعة منهم وقفوا لبعض الفلاحين المارين بالبطيخ والخضار فحجزوهم وطلبوا منهم دراهم فمر بهم بعض المماليك من أتباع البرديسي فأستجار بهم الفلاحون فكلموهم فتشاحنوا معهم وسحبوا على بعضهم السلاح فقتل مملوك منهم فذهبوا الى سيدهم واعلموه فأرسل الى ابراهيم بك فركب الى العرضى ناحية بولاق التكرور وترك مكانه بقصر الجيزة محمد بك بشتك وكيل الالفى وشركوا عليهم الطرق وأمروهم بالركوب والخروج من مصر الى جهة الشام واللحوق بجماعتهم فركبوا من هناك ومروا على ناحية الجبل من خلف القلعة الى جهة العادلية وامامهم وخلفهم بعض الامراء المصرلية ومعهم مدفعان وهم نحو الف وخمسامئة وازيد فلما خرجوا وتوسطوا البرية عروا الكثير منهم ومن المتخلفين والمتاخرين عنهم واخذوا أسلحتهم وقتلوا كثيرا منهم ورجع المماليك ومعهم الكثير من بنادقهم وسلاحهم يحملونه معهم ومع خدامهم فلما رجع المماليك بهذه الصورة ووقف العسكر الارنؤدية على ابواب المدينة انزعج الناس كعادتهم في كرشاتهم واغلقوا الدكاكين وعين للسفر معهم حسين كاشف الالفى يذهب معهم الى القنطرة ونودى في عصريته بالامان وخروج من تخلف من الانكشارية وكل من وجد منهم بعد ثلاثة أيام فدمه وماله مهدور
وفي يوم الخميس مر الوالي والمناداة أمامه على الاتراك الانكشارية والبشناق والسجمان بالخروج من مصر والتحذير لمن آواهم أو ثاواهم وكلما صادف في طريقة شخصا من الاتراك قبض عليه وسأله عن تخلفه فيقول أنا من المتسببين والمتأهلين من زمان بمصر فيطلب منه بينة على ذلك ويسلمه عسكر الارنؤد فيودعونه في مكان من امثاله حتى يتحققوا أمره
وفيه مر بعض المماليك بجهة الميدان ناحية باب الشعرية فصادفوا جماعة من العسكر المذكورين يحملون متاعا لهم فاشتكلوا بهم وأرادوا أخذ سلاحهم ومتاعهم فمانعوهم وتضاربوا معهم فقتل بينهم شخصان من الانكشارية وشخصان من المماليك أحدهما فرنساوى
وفيه حضر أيضا ثلاثة من المماليك الى وكالة الصاغة الى رجل رومي ططرى وسألوه عن جوارى سود عنده لمحمد باشا وانهم يطلبونهن لعثمان بك البرديسي فأنكر ذلك وشهد جيرانه أنهن ملكه واشتراهن ليتجر فيهن فلم يزالوا حتى أخذوا منه ثلاثة على سوم الشراء وذهب معهن فلما بعدوا عن الجهة فزعوا عليه وطردوه وذهبوا بالجوارى فذهب ذلك الططرى الى محمد علي فأرسل الى البرديسي ورقة بطلب الجوارى أو ثمنهن ففحص عنهن حتى ردهن الى صاحبهن
وفيه حضر أيضا جماعة من المماليك الى بيت عثمان أفندى بجوار ضريح الشيخ الشعراني وهو من كتبة ديوان محمد باشا فأخذوا خيله وسلاحه ومتاعه التي بأسفل الدار
وفي يوم الجمعة نهبوا أيضا دار احمد أفندى الذى كان شهر حوالة وكاشف الشرقية في العام الماضي فأخذوا جميع ما عنده حتى ثيابه التي على بدنه وقتلوا خادمه على باب داره قتله الوالي زاعما انه هو الذى دل عليه العسكر فتحصنوا بها فلما حضر اليهم حسن بك أخو طاهر بك بالعساكر تحاربوا معهم وملكوا منهم فارسكور فنهبوها وأحرقوها وفسقوا بنسائها وفعلوا مالا خير فيه وقتل سليم كاشف المنوفية المذكور أيضا ثم ان بعض أكابر العسكر المنهزمين ارسل الى حسن بك يطلب منه امانا وكان ذلك خديعة منهم فأرسل لهم أمانا فحضروا اليه وانضموا لعسكره وسهلوا له امر محمد باشا وانه في قلة وضعف وهم مع ذلك يراسلون اصحابهم ويشيرون عليهم بالعود والتثبت الى ان عادوا وتأهبوا للحرب ثانيا وخرج اليهم حسن بك بعساكره وخلفه المنضافون اليه من اولئك فلما ان نشبت الحرب بينهم اخذوهم مواسطة فاثخنوهم ووقعت فيهم مقتلة عظيمة وانهزموا الى فارسكور فتلقاهم اهل البلدة وكملوا قتلهم ونزلوا عليهم بالنبابيت والمساوق والحجارة جزاء لما فعلوه معهم حتى اشتفوا منهم ولم ينج منهم الا من كان في عزوة او هرب الى جهة اخرى وحضر الكثير منهم الى مصر في أسوأ حال
وفي يوم السبت مر سليم أغا وأمامه المناداة على الاغراب الشوام والحلبية والرومية يجتمعون بالجمالية يوم تاريخه فلم يجتمع منهم أحد
وفي يوم الاحد حضر الشريف عبد الله ابن سرور وصحبته بعض أقاربه من شرفاء مكة وأتباعهم نحو ستين نفرا واخبروا انهم خرجوا من مكة مع الحجاج وان عبد العزيز بن مسعود الوهابي دخل الى مكة من غير حرب وولى الشريف عبد المعين أميرا على مكة والشيخ عقيلا قاضيا وأنه هدم قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة والابنية التي اعلى من الكعبة وذلك بعد ان عقد مجلسا بالحرم وباحثهم على ما الناس عليه من البدع والمحرمات المخالفة للكتاب والسنة واخبروا ان الشريف غالبا وشريف باشا ذهبا الى جدة وتحصنا بها وانهم فارقوا الحجاج في الجديدة
وفيه كتبوا عرضالحين أحدهما بصورة ما وقع لمحمد باشا مع العساكر ثم قيام الانكشارية وقتلهم لطاهر باشا ثم كرة الارنؤد على الانكشارية لما اثاروا الفتنة مع أحمد باشا حتى اختلت أحوال المدينة وكايعهما الخراب لولا قرب الامراء المصرلية وحضورهم فسكنوا الفتنة وكفوا ايدى المتعدين والثاني يتضمن رفع الاحداثات التي في ضمن الاوامر التي كانت مع الدفترادر التي تقدمت الاشارة اليها
وفيه عزم الامراء على التوجه الى جهة بحرى فقصد البرديسي وصحبته محمد بك تابع محمد بك المنفوخ جهة دمياط ومعهم محمد علي وعلي بك أيوب وغيرهم وصحبتهم الجم الكثير من العساكر والعربان ولم يتخلف الا ابراهيم بك واتباعه والحكام وسافر سليمان كاشف البواب الى جهة رشيد وصحبته عساكر ايضا
وفي يوم الثلاثاء عدى الكثير إلى البر الشرقي وفي يوم الاربعاء خامس عشرينه قدم جاويش الحجاج بمكاتيب العقبة واخبروا بموت الكثير من الناس بالحمى والاسهال وحصل لهم تعب شديد من الغلاء أيضا ذهابا وايابا ومات الشيخ أحمد العريشي الحنفي ودفن بنبط ومات أيضا محمد أفندى باش جاجرت ودفن بالينبع والشيخ علي الخياط الشافعي
وفيه عدى ابراهيم بك الى قصر العيني وركب مع البرديسي الى جهة الحلي وودعه ورجع الى قصر العيني فأقام به وجلس ابنه مرزوق بك في مضرب النشاب واستمر وكيل الالفي مقيما بقصر الجيزة
وفيه وردت الاخبار بأن محمد باشا لما ارتحل من المنصورة الى دمياط أبقي بفارسكور ابراهيم باشا ومملوكه سليم كاشف المنوفية بعدة من
وفي يوم الجمعة والسبت حضر الكثير من حجاج المغاربة وصحبتهم مصاروة وفلاحون كثيرة
وفيه حضرت مكاتبة من الديار الرومية على يد شخص يسمى صالح افندى الى سكندرية فأرسل خورشيد افندى حاكم الاسكندرية يستأذن في حضوره بمكاتبة على يد راشته قنصل النيمسا فذهب راشته الى ابراهيم بك وأخبره واطلعه على المكتوب الذى حضر له فبعد ساعة وصل الخبر بوصول صالح افندى المذكور الى بولاق فأرسل ابراهيم بك رضوان كتخدا واحمد بك الارنؤدى وأمرهما بان يأخذا ما معه من الاوراق ويأمراه بالرجوع بغير مهلة ولا يدعاه يطلع الى البر ففعلا ذلك ومضمون ما في تلك الاوراق خطاب لطاهر باشا وانه بلغنا ما حصل من محمد باشا من الجور والظلم وقطع علوفات العسكر وانهم قاموا عليه وأخرجوه وهذه عادة العساكر اذا انقطعت علوفاتهم واننا وجهنا له ولاية سنانيك وان طاهر باشا يستمر على المحافظة واحمد باشا قائمقام الى ان يأتي المتولي وخطاب لمحمد باشا بمعنى ذلك والسر في تقليد احمد باشا قائمقام دون طاهر باشا ان طاهر باشا ارنؤد وليس له الا طوخان ومن قواعدهم القديمة انهم لا يقلدون الارنؤد ثلاثة اطواخ ابدا
وفي يوم السبت المذكور دخل الكثير من الحجاج آخر النهار وفي الليل
وفي يوم الاحد دخل الجم الغفير من الحجاج ومات الكثير من الداخلين في ذلك اليوم زكثير مرضى وحصل لهم مشقة عظيمة وشوب وغلاء وخصوصا بعد مجاوزتهم العقبة وبلغت الشربة الماء دينارا والبطيخة دينارين وكان حجاج كثير واكثرهم اوباش الناس من الفلاحين والنساء وغير ذلك وخرج سليم اغا مستحفظان وصحبته جماعة من الانكشارية والكشاف والاجناد والعسكر فاستلموا لمحمل من امير الحاج وامروه لا يدخل المدينة بل يقيم بالبركة حتى يحاسبوه ويسافر بمن معه من العسكر الى جهة الشام ثم رجعوا بالمحمل ودخلوا به المدينة وقت الظهر على خلاف العادة وحضر صحبة الحجاج كثير من اهل مكة هروبا من الوهابي ولغظ الناس في خبر الوهابي واختلفوا فيه فمنهم من يجعله خارجيا وكافرا وهم المكيون ومن تابعهم وصدق اقوالهم ومنهم من يقول بخلاف ذلك لخلو غرضه وارسل الى شيخ الركب المغربي كتابا ومعه اوراق تتضمن دعوته وعقيدته وصورتها
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيآت اعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادى له ونشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له ونشهد ان محمدا عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصى الله ورسوله فقد غوى ولا يضر الا نفسه ولن يضر الله شيئا وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا اما بعد فقد قال الله تعالى قل هذه سبيلي ادعوا الى الله على بصيرة انا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين وقال الله تعالى قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم وقال تعالى وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال تعالى اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا فأخبر سبحانه انه اكمل الدين واتمه على لسان رسوله صلى الله عليه و سلم وامرنا بلزوم ما انزل إلينا من ربنا وترك البدع والتفرق والاختلاف وقال تعالى اتبعوا ما أنزل اليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه اولياء قليلا ما تذكرون وقال تعالى وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون والرسول صلى الله عليه و سلم قد اخبرنا بأن امته تأخذ مأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع وثبت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه و سلم انه قال لتتبعن سنن من كان قبلكم حذوا القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى قال فمن واخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار الا واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال من كان على مثل ما انا عليه اليوم واصحابي اذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الامور التي اعظمها الاشراك بالله والتوجه الى الموتى وسؤالهم النصر على الاعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها الارب الارض والسموات وكذلك التقرب اليهم بالنذور وذبح القربان والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد الى غير ذلك من انواع العبادة التي لا تصلح الا لله وصرف شيء من انواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لانه سبحانه وتعالى اغنى الاغنياء عن الشرك ولا يقبل من العمل الا ما كان خالصا كما قال تعالى فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى ان الله يحكم بينهم فيما هم فيه يختلفون ان الله لا يهدى من هو كاذب كفار فأخبر سبحانه انه لا يرضى من الدين الا ما كان خالصا لوجهه وأخبر ان المشركين يدعون الملائكة والانبياء والصالحين ليقربوهم الى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده وأخبر أنه لا يهدى من هو كاذب كفار وقال تعالى ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل اتنبؤن الله بمالا يعلم في السموات ولا في الارض سبحانه وتعالى عما يشركون فأخبر انه من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله كما قال تعالى من ذا الذى يشفع عنده الا بأذنه وقال تعالى فيومئذ لا تنفع الذين ظلموا معذرتهم وقال تعالى يومئذ لا تنفع الشفاعة الا من أذن له الرحمن ورضى له قولا وهو سبحانه وتعالى لا يرضى الا التوحيد كما قال تعالى ولا يشفعون الا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا الا من الله كما قال تعاى وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا وقال تعالى ولا تدع من دون الله مالا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فأنك اذا من الظالمين فاذا كان الرسول صلى الله عليه و سلم وهو سيد الشفعاء وصاحب المقام المحمود وآدم فمن دونه تحت لوائه لا يشفع الا بأذن الله لا يشفع ابتداء بل يأتي فيخر لله ساجدا فيحمده بمحامد يعلمه اياها ثم يقال ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع ثم يحد له حدا فيدخلهم الجنة فكيف بغيره من الانبياء والاولياء وهذا الذى ذكرناه لا يخالف فيه احد من العلماء المسلمين بل قد اجمع عليه السلف الصالح من الاصحاب والتابعين والائمة الاربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على مناهجهم وأما ما حدث من سؤال الانبياء والاولياء من الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها وإسراجها والصلاة عندها واتخاذها أعيادا وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الامور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه و سلم أمته وحذر منها كما في الحديث عنه صلى الله عليه و سلم انه قال لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من امتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الاوثان وهو صلى الله عليه و سلم حمى جناب التوحيد اعظم حماية وسد كل طريق يؤدي الى الشرك فنهى ان يجصص القبر وان يبني عليه كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر وثبت فيه ايضا انه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره ان لا يدع قبرا مشرفا الا سواه ولا تمثالا الا طمسه ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القباب المبنية على القبور لانها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه و سلم فهذا هو الذى أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الامر الى ان كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم وهو الذى ندعو الناس اليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم واجماع السلف الصالح من الامة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان كما قال تعالى لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس وندعو الناس الى اقامة الصلوات في الجماعات على الوجه المشروع وايتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله الحرام ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر كما قال تعالى الذين ان مكناهم في الارض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر وللع عاقبة الامور فهذا هو الذى نعتقده وندين الله به فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له مالنا وعليه ما علينا ونعتقد أيضا ان أمة محمد صلى الله عليه و سلم المتبعين للسنة لا تجتمع على ضلالة وانه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي امر الله وهم على ذلك أقول ان كان كذلك فهذا ما ندين الله به ونحن أيضا وهو خلاصة لباب التوحيد وما علينا من المارقين والمتعصبين وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه اغاثة اللهفان والحافظ المقريزى في تجريد التوحيد والامام اليوسي في شرح الكبرى وشرح الحكم لابن عباد وكتاب جمع الفضائل وقمع الرذائل وكتاب مصايد يد الشيطان وغير ذلك انتهى
وفي ذلك اليوم نودى على المتخلفين من الانكشارية بالسفر صحبة امير الحاج وقبضوا على أنفار منهم وأخرجوهم ومنعوا ايضا حجاج المغاربة من الدخول الى المدينة ومن دخل منهم لاجل حاجة فليدخل من غير سلاح فذهبوا الى بولاق وأقاموا هناك
وفي يوم الاثنين مر الوالي بناحية الجمالية فوجد انسانا من أكابر غزة يسمى علي أغا شعبان حضر الى مصر من جملة من حضر مع العرضي وكان مهندسا في عمارة الباشا ثم عين لسد ترعة الفرعونية لمعرفته بأمور الهندسة فوجده جالسا على دكان يتنزه حصة وفرسه وخدمه وقوف امامه فطلبه وأمره بالركوب معه فركب وذهب صحبته فكان آخر العهد به وكان في جيبه الف دينار ذهبا باخبار اخيه خلاف الورق فأخذ ثيابه وفرسه وما معه وخنقه وأخفى أمره وأنكره وكان رجلا لا بأس به
{ أحداث شهر ربيع الاول سنة 1218 }
شهر ربيع الاول استهل بيوم الثلاثاء وفي يوم السبت خامسه أحمد باشا والعساكر الانكشارية الذين جمعوهم من المدينة وسافر صحبتهم من العساكر الذين كانوا صحبة أمير الحاج الجميع كانوا نحو الفين وخمسمائة وأما أمير الحاج فانهم عفوا عنه من السفر ودخل المدينة بخاصته
وفي هذا اليوم حضر علي كتخدا من جهة قبلي وهو كتخدا حسن باشا الى جرجا ومعه مكاتبة الى الامراء المصرلية وانه وصل الى اسيوط فكتبوا له أمانا بالحضور الى مصر بمن معه من العسكر ورجع علي كتخدا بذلك في ثاني يومه فقط
وفيه ورد الخبر بوصول أنجد بك الى ثغر دمياط بالريالة الى محمد باشا
وفي يوم الاربعاء تاسعه سافر الشريف عبد الله ابن سرور الى سكندرية متوجها الى اسلامبول وأنعم عليه ابراهيم بك بخمسين الف فضة
وفي يوم الجمعة كان المولد النبوى ونادوا بفتح الدكاكين ووقود القناديل فأوقدت الاسواق تلك الليلة التي قبلها ولكن دون ذلك واما الازبكية فلم يعمل وقدة الاقبالة بيت البكرى لاستيلاء الخراب عليها
وفي ثاني عشره سفروا جبخانة وجللا وبارودا الى جهه بحرى وأشيع بأن كثيرا من العسكر المصحوبين بالتجريدة ذهبوا الى محمد باشا وكذلك طائفة من الانكشارية المطرودين الذين خلصوا الى طريق دمياط
وفي يوم الاربعاء سادس عشره وردت مكاتبات من عثمان بك البرديسي بالخبر بوقوع الحرب بينهم وبين محمد باشا وعساكره
وفي يوم الاثنين رابع عشره وقع بين الفريقين مقتلة عظيمة وكانوا ملكوا منه متاريس القنطرة البيضاء قبل ذلك ثم هجم المصريون في ذلك اليوم عليهم هجمة عظيمة وكبسوا على دمياط بمخامرة بعض رؤساء عساكر الباشا وفتكوا في عسكر الباشا بالقتل وقتلت خواصه واتباعه وقتل حسين كتخدا شنن ومصطفى أغات التبديل ونهبوا دمياط وأسروا النساء وافتضوا الابكار وأخذوهم أسرى وصاروا يبيعونهم على بعضهم وفعلوا أفعالا شنيعة من الفسق والفجور واخذوا حتى ما على اجساد الناس من الثياب ونهبوا الخانات والبيوت والوكائل وجميع اسباب التجار التي بها من اصناف البضائع الشامية والرومية والمصرية وكان شيئا كثيرا يفوق الحصر وما بالمراكب حتى بيع الفرد الارز الذى هو نصف أردب بثلاثة عشر نصفا وقيمته ألف نصف والكيس الحرير الذى قيمته خمسمائة ريال بريالين الى غير ذلك والامر لله وحده والتجأ الباشا الى القرية وتترس بها فأحاطوا به من كل جهة فطلب الامان فأمنوه من القرية وحضر الى البرديسي وخطف عمامته بعض العسكر ولما رآه البرديسي ترجل عن مركوبه اليه وتمنى بالسلام عليه وألبسه عمامة وأنزله في خيمة بجانب خيمته متحفظا به ولما وصل الخبر بذلك الى مصر ضربوا مدافع كثيرة من قصر العيني والقلعة والجيزة ومصر العتيقة واستمر ذلك ثلاثة أيام بلياليها في كل وقت وفي عصريتها حضر جوخدار البرديسي وهو الذى قتل حسين اغا شنن وحكى بصورة الحال فألبسه ابراهيم بك فروة وأنعم عليه ببلاد المقتول وبيته وزوجته وأملاكه وجعله كاشف الغربية وذهب الى وكيل الالفي أيضا فخلع عليه فروة سمور وصار يبدر الذهب في حال ركوبه
وفي يوم الجمعة ذهب المذكور الى مقام الامام الشافعي وأرخى لحيته على عادتهم التي سنها السدنة ليعفيها بعد ذلك من الحلق
وفي ذلك اليوم عمل ابراهيم بك ديوانا ببيت ابنته بدرب الجماميز وحضر القاضي والمشايخ ولبس خلعة وتولى قائمقام مصر وضربت في بيته النوبة التركية
وفي عشرينه ورد الخبر بوصول علي باشا الطرابلسي الى اسكندرية واليا على مصر عوضا عن محمد باشا وحضر منه فرمان خطابا للامراء يعلمهم بوصوله ويذكر لهم انه متولي على الاقطار المصرية عوضا عن محمد باشا من اسكندرية الى اسوان ولم يبلغ الدولة موت طاهر باشا ولا دخولكم الى مصر ومعنا أوامر لطاهر باشا واحمد باشا انهم يتوجهون بالعساكر الى الحجاز بسبب الوهابيين فلما وصلنا الى اسكندرية بلغنا موت طاهر باشا وحضوركم الى المدينة بمعاونة الارنؤدية وقتل رجال الدولة والانكشارية وقتل من معهم واخراج من بقى على غير صورة الى غير ذلك وهذا غير مناسب ولا نرضى لكم بهذا على هذا الوجه فاننا نحب لكم الخير ولنا معكم عشرة سابقة ومحبة أكيدة ونطلب راحتكم في أوطانكم ونسعى لكم فيها على وجه جميل وكان المناسب ان لا تدخلوا المدينة الا بأذن الدولة فان تظاهركم بالخلاف والعصيان مما يوجب لكم عدم الراحة فان سيف السلطنة طويل فربما استعان السلطان عليكم ببعض المخالفين الذين لا طاقة لكم بهم ثم قال لهم في ضمن ذلك ان لنا معكم بعض كلام لا يحتمله الكتاب وعن قريب يأتيكم اثنان من طرفنا عاقلان تعلمون معهما مشاورة فكتبوا له جوابا حاصله ان محمد باشا لما كان متوليا لم نزل نترجى مراحمه وهو لا يزداد معنا الا قسوة ولا يسمح لنا بالاقامة بالقطر المصرى جملة وجرد علينا التجاريد والعساكر من كل جهة وينصرنا الله عليه في كل مرة الى ان حصل بينه وبين عساكره وحشة بسبب جماكيهم وعلوفاتهم فقاموا عليه وحاربوه وأخرجوه من مصر بمعونة طاهر باشا ثم قامت الانكشارية على طاهر باشا وقتلوه ظلما وقامت العساكر على بعضهم البعض وكنا حضرنا الى جهة الجيزة باستدعاء طاهر باشا فلما قتل طاهر باشا بقيت المدينة رعية من غير راع وخافت الرعية من جور العساكر وتعديهم فحضر الينا المشايخ والعلماء واختيارية الوجاقلية واستغاثوا بنا فأرسلنا من عندنا من ضبط العساكر ومن المدينة والرعية وأما محمد باشا فانه نزل الى دمياط وظلم البلاد والعباد وفرد عليها الفرد الشاقة وحرقها فتوحه عثمان بك البرديسي لتأمين اهالي القرى الى ان وصل الى ظاهر دمياط فأقام بمن معه خارج المدينة فما يشعر الا ومحمد باشا صدمهم ليلا وحاربهم فحاربوه فنصرهم الله عليه وانهزمت عساكره وقبض عليه وهو الآن عندنا في الاعزاز والاكرام ونحن الآن على ذلك حتى يأتينا العفو وأما قولكم اننا نخرج من مصر فهذا لا يمكن ولا تطاوعنا جماعتنا وعساكرنا على الخروج من اوطانهم بعد استقرارهم فيها وأما قولكم ان حضرة السلطان يستعين علينا ببعض المخالفين فاننا لا نستعين الا بالله واننا ارسلنا عرضحال نطلب العفو ونترجى الرضا ومنتظرون الجواب
وفي ثاني عشرينه حضر واحد اغا ومعه آخر فضربوا له مدافع وعملوا ديوانا وتكلم معهم وتكلم المشايخ الحاضرون في ظلم العثمانين وما احدثوه من المظالم والمكوس واتفقوا على كتابة عرضحال الى الباشا فكتبوا ذلك وامضوا عليه ونادوا في الاسواق برفع ما احدثه الفرنساوية والعثمانية من المظالم وزيادة المكوس ودفعوا الى الاغا الواصل الف ريال حق طريقه وسافر
وفيه وصل الخبر بأن سليمان كاشف لما وصل الى رشيد وبها جماعة من العثمانية وحاكمها ابراهيم افندى فلما بلغه وصول سليمان كاشف أخلى له البلد وتحصن في برج مغيزل فعبر سليمان كاشف الى البلد وخرج يحاصر ابراهيم افندى فهم على ذلك واذا بالسيد علي باشا القبطان وصل الى رشيد وأرسل الى سليمان كاشف يعلمه بحضوره وحضور علي باشا والي مصر ويقول ما هذا الحصار فقال له نحن نقاتل كل من كان من طرف حسين قبطان باشا وأما من كان من طرف الوزير يوسف باشا فلا نقاتله وارتحل من رشيد الى الرحمانية ودخل السيد على القبطان الى رشيد
وفي ثالث عشرينه سافر جوخدار البرديسي الى ولاية الغربية وكان شاهين كاشف المرادى هناك يجمع الفردة وتوجه الى طندتا وعمل على اولاد الخادم ثمانين الف ريال فحضروا الى مصر ومعهم مفاتيح مقام سيدي أحمد البدوى هاربين وتشكوا وتظلموا وقالوا لابراهيم بك لم يبق عندنا شيء فان الفرنساوية نهبونا وأخذوا اموالنا ثم ان محمد باشا ارسل المحروقي فحفر دارنا وأخذ منا نحو ثلمثائة الف ريال ولم يبق عندنا شيء جملة كافية
وفي يوم الاثنين تاسع عشرينه وصل محمد باشا الى ساحل بولاق وصحبته المحافظون عليه وهم جماعة من عسكر الارنؤد الذين كانوا سابقا في خدمته وجماعة من الاجناد المصرلية ولم يكن معه من اتباعه الا ست مماليك فقط فان مماليكه المختصين به اختار منهم البرديسي من اختاره واقتسم باقيهم الارنؤد ومنهم من يخدم الارنؤد المحافظين عليه ووافق ان ذلك اليوم كان جمع سيدى أحمد البدوى ببولاق على العادة فنصبوا له خيمة لطيفة بساحل البحر وطلع اليها فرأى جمع الناس فظن انهم اجتمعوا للفرجة عليه فقال ما هذا فأخبروه بصورة الحال وكان ابراهيم بك في ذلك بيوم حضر الى بولاق ودخل الى بيت السيد عمر نقيب الاشراف باستدعاء فجلس عنده ساعة ثم ركب الى ديوان بولاق فنزل هناك ساعة أيضا ثم ركب الى بيته بحارة عابدين فلما وصل الباشا كما ذكر حضر اليه سليم كاشف المحرمجي وأركبه حصانا وركب مماليكه حميرا وذهبوا به الى بيت ابراهيم بك بحارة عابدين فوجدوا ابراهيم بك طلع الى الحريم فلم ينزل اليه ولم يقابله فرجع به سليم كاشف الى بيت حسن كاشف جركس وهو بيت البرديسي فبات به فلما كان في الصباح ركب ابراهيم بك الى قصر العيني فركب المحرمجي واخذ معه الباشا وذهب به الى قصر العيني فقابل ابراهيم بك هناك وسلم عليه وحضر الالفى وباقي الامراء بجموعهم وخيولهم فترامحوا تحت القصر وتسابقوا ولعبوا بالجريد ثم طلع اكابرهم الى أعلى القصر فصاروا يقبلون يد ابراهيم بك والباشا جالس حتى تحلقوا حواليهما ثم ان ابراهيم بك قدم له حصانا وقام وركب مع المحرمجي الى بيت حسن كاشف بالناصرية فسبحان المعز المذل القهار
وفي ثاني يوم غايته ركب ابراهيم بك الالفي وذهبا الى الباشا وسلما عليه في بيت البرديسي وهادياه بثياب وأمتعة وبعد ان كانوا يترجون عفوه ويتمنون الرضا منه ويكونوا تحت حكمه صار هو يترجى عفوهم ويؤمل رفدهم واحسانهم وبقى تحت حكمهم فالعياذ بالله من زوال النعم وقهر الرجال
{ أحداث شهر ربيع الثاني سنة 1218 }
شهر ربيع الثاني استهل بيوم الاربعاء في ثانيه ضربت مدافع كثيرة بسبب اقامة بنديرة الانجليز بمصر
وفيه عدى البرديسي من المنصورة الى البر الغربي متوجها الى جهة رشيد
وفي يوم السبت رابعه وردت هجانة من ناحية الينبع وأخبروا ان الوهابيين جلوا عن جدة ومكة بسبب أنهم جاءتهم اخبار بان العجم زحفوا على بلادهم الدرعية وملكوا بعضها والاوراق فيها خطاب من شريف باشا وشريف مكة لطاهر باشا على ظن حياته
وفي يوم الاثنين نادى الاغا والوالي بالاسواق على العثمانية والاتراك والاغراب من الشوام والحلبية بالسفر والخروج من مصر فكل من وجد بعد ثلاثة أيام فدمه هدد وأمروا عثمان بك امير الحاج بالسفر على جهة الشام من البر ويسافر المنادى عليهم صحبته وكذلك ابراهيم باشا
وفي يوم الاربعاء خرج عثمان بك الى جهة العادلية وخرج الكثير من أعيان العثمانية معه وتتابع خروجهم في كل يوم وصاروا بيبعون متاعهم وثيابهم وهم خزايا حيارى في أسوأ حال واكثرهم متأهل ومتزوج ومنهم من نهب وسلب وصار لا يملك شيئا فلما تكامل خروجهم وسافروا في عاشره وهم زيادة عن ألفين وبقى منهم اناس التجؤا الى بعض المصرلية والانجليز وانتموا اليهم
وفيه وصلت الاخبار بان البرديسي وصل الى رشيد وان السيد علي باشا ريس القبطانية تحصن ببرج مغيزل وغالب أهلها جلا عنها خوفا من مثل حادثة دمياط ولما دخل عثمان بك البرديسي الى رشيد فرد على أهلها مبلغ دراهم يقال ثمانين الف ريال
وفي ثالث عشره حضر قنصل الفرنسيس فعملوا له شنكا ومدافع وأركبوه من بولاق بموكب جليل وقدامه آغات الانكشارية والوالي واكابر الكشاف وحسين كاشف المعروف بالافرنجي وعساكره الذين مثل عسكر الفرنسيس وهيئته لم يتقدم مثلها بين المسلمين ونصب بندريرته في بركة الازبكية من ناحية قنطرة الدكة على صارى طويل مرتفع في الهواء واجتمع اليه كثير من النصارى الشوام والاقباط وعملوا جمعيات وولائم وازدحموا على بابه وحضر صحبة كثير من الذين هربوا عند دخول المسلمين مع الوزير وكان المحتفل بذلك حسين كاشف الافرنجي
وفي ثامن عشره وصلت مكاتبة من البرديسي الى ابراهيم بك يخبر فيها انه لما وصل الى رشيد وتحصن السيد علي باشا بالبرج أرسل اليه فبعث له حسن بك قرابة علي باشا الطرابلسي الوالي فتكلم معه وقال له ما المراد ان كان حضرة الباشا واليا على مصر فليات على الشرط والقانون القديم ويقيم معنا على الرحب والسعة وان كان خلاف ذلك فاخبرونا به الى ان انتهى الكلام بيننا وبينه على مهلة ثلاثة أيام ورجع وانتظرنا بعد مضي الميعاد بساعتين فلم يأتنا منهم جواب فضربنا عليهم في يوم واحد مائة وخمسين قنطارا من البارود وأنكم ترسلون لنا أعظم ما يكون عندكم في البنب والمدافع والبارود فشهلوا المطلوب وأرسلوه في ثاني يوم صحبة حسين الافرنجي وتراسل الطلب خلفه ولحقوا به عدة أيام
وفي عشرينه وصل حسن باشا الذى كان والي جرجا الى مصر العتيقة فركب ابراهيم بك للسلام عليه وحضر الطبجية الى جبخانته فأخذوها وطلعوا بها الى القلعة وكذلك الجمال أخذها الجمالة والعسكر ذهبوا الى رفقائهم الذين بمصر وطولب بالمال واستمر بمصر العتيقة مستحفظا به من كل ناحية
وفي يوم السبت خامس عشرينه وقعت نادرة وهي ان محمد باشا طلب من سليم كاشف المحرمجي أن يأذن له في ان يركب الى خارج الناصرية بقصد التفسح فأرسل سليم كاشف يستأذن ابراهيم بك في ذلك فأذن له بان يركب ويعمل رماحة ثم يأتي اليه بقصر العيني فيتغدى عنده ثم يعود واوصى على ذبح اغنام ويعملون له كبابا وشواء فأركبه سليم كاشف بمماليكه وعدة من مماليك المحرمجي وصحبته ابراهيم باشا فلما ركب وخرج الى خارج الناصرية ارسل جواده ورمحه وتبعه مماليكه من خلفه فظن المماليك المصرلية انهم يعملون رماحة ومسابقة فلما غابوا عن اعينهم ساقوا خلفهم ولم يزالوا سائقين الى الازبكية وهو شاهر سيفه وكذلك بقية الطاردين والمطرودين فدخل الى احمد بك الارنؤدى وضرب بعض المماليك فرسه ببارودة فسقط وذلك عند وصوله الى بيت احمد بك المذكور ووصل الخبر الى سليم كاشف فركب على مثل ذلك بباقي اتباعه وهم شاهرون السيوف ورامحون الخيول واتصل الخبر بابراهيم بك فامر الكشاف بالركوب وأرسل الى البواقي بالطلوع الى القلعة وحفظ أطارف البلد فركب الجميع وتفرقوا رامحين وبأيديهم السيوف والبنادق فأنزعجت الناس وترامحوا وأغلقوا الحوانيت واختلف رواياتهم وظنوا وقوع الشقاق بين الارنؤد المصرلية وكذلك المماليك أيقنوا ذلك وطلع الكثير منهم الى القلعة ولما دخل محمد باشا عند احمد بك ومن معه من اكابر الارنؤد قاموا في وجهه ووبخوه بالكلام وقبضوا عليه وعلى مماليكه واخذوا ما وجدوه معهم من الدراهم وكان في جيب الباشا خاصة الف وخمسمائة دينار وحضر سليم كاشف المحرمجي عند ذلك فسلموه له فأركبه الباشا اكديشا لان فرسه اصيب ببارودة من بعض المماليك اللاحقين به عند وصوله الى بيت احمد بك وركب معه احمد بك أيضا واخذوه الى عند ابراهيم بك بقصر العيني فخلع ابراهيم بك على احمد بك فروة سمور وقدم له حصانا بسرجه وسكنت الفتنة ونعوذ بالله من الخذلان ومعاداة الزمان
وفي يوم الاحد سادس عشرينه وردت الاخبار ومكاتبة من البرديسي بنصرتهم على االعثمانية واستيلائهم على برج رشيد بعد ان حاربوا عليه نيفا وعشرين يوما واسروا السيد على القبطان واخرين معه وعدة كثيرة من العسكر وارسلوهم الى جهة الشرقية ليذهبوا على ناحية الشام بعد ان قتل منهم من قتل فعند ذلك عملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة وكذلك في ثاني يوم وثالث يوم
وفي يوم الاربعاء عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة وكان المنكسف تسعة اصابع وهو نحو الثلثين واظلم الجو وابتدأوه الساعة واحدة وثمان دقائق ونصف وتمام الانجلاء في ثالث ساعة وست عشرة دقيقة وكان ذلك في ايام زيادة النيل نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة
{ أحداث شهر جمادى الاولى سنة 1218 }
شهر جمادى الاولى استهل بيوم الجمعة في ثانيه الموافق لخامس عشر مسرى القبطي وفي النيل سبعة عشر ذراعا وكسر سد الخليج صبحها بحضرة ابراهيم بك قائمقام والقاضي وجرى الماء في الخليج على العادة
وفيه وردت الاخبار بان علي باشا كسر السد الذى ناحية أبي قير الحاجز على البحر المالح وهذا السد من قديم الزمان من السدود العظام المتينة السلطانية وتتفقده الدول على ممر الايام بالمرمة والعمارة اذا حصل به أدنى خلل فلما اختلت الاحوال وأهمل غالب الامور وأسباب العمارات انشرم منه شرم فسالت المياه المالحة على الاراضي والقرى التي بين رشيد وسكندرية وذلك من نحو ستة عشر عاما فلم يتدارك امره واستمر حاله يزيد وخرقه يتسع حتى انقطعت الطرق واستمر ذلك الى واقعة الفرنسيس فلما حضرت الانكليز والعثمانية شرموه أيضا من الناحية البحرية لاجل قطع الطرق على الفرنسيس فسالت المياه المالحة على الاراضي الى قريب دمنهور واختلطت بخليج الاشرفية وشرقت الاراضي وخربت القرى والبلاد وتلفت المزارع وانقطعت الطرق حول الاسكندرية من البر وامتنع وصول ماء النيل الى أهل الاسكندرية فلم يصل اليهم الا ما يصلهم من جهة البحر في النقاير او ما خزنوه من مياه الامطار بالصهاريج وبعض العيون المستعذبة فلما استقر العثمانيون بمصر حضر شخص من طرف الدولة يسمى صالح افندى معين لخصوص السد واحضر معه عدة مراكب بها أخشاب وآلات وبذل الهمة والاجتهاد في سد الجسر فأقام العمل في ذلك نحو سنة ونصف حتى قارب الاتمام وفرح الناس بذلك غاية الفرح واستبشر اهل القرى والنواحي فما هو الا وقد حصلت هذه الحوادث وحضر علي باشا الى الثغر وخرج الاجناد المصرلية وحاربوا السيد على باشا القبطان على برج وشيد فخاف حضورهم الى الاسكندرية ففتحه ثانيا ورجع التلف كما كان وذهب ما صنعه صالح افندى المذكور في الفارغ بعد ما صرف عليه اموالا عظيمة واما اهل سكندرية فانهم جلوا عنها ونزل البعض في المراكب وسافر الى ازمير وبعضهم الى قبرص ورودس والاضات وبعضهم اكترى بالايام واقاموا بها على الثغر ولم يبق بالبلدة الا الفقراء والعواجز والذين لا يجدون ما ينفقونه على الرحلة وهم ايضا مستوفزون وعم بها الغلاء لعدم الوارد وانقطاع الطرق وقيل ان علي باشا المذكور فرد عليهم مالا وقبض على ستة انفار من أغنياء المغاربة واتهمهم انهم كتبوا كتابا للبرديسي يعدونه انه اذا حضر يدلونه على جهة يملك منها البلد بمعونة عسكر المغاربة فأخذ منهم مائة وخمسين كيسا بشفاعة القبطان الذى في البيليك بالثغر واجتهد في حفر خندق حول البلد واستعملهم في ذلك الحفر وفي عزمه ان يطلق فيه ماء البحر المالح فان فعل ذلك حصل به ضرر عظيم فقد اخبر من له معرفة ودراية بالامور انه ربما خرب اقليم البحيرة بسبب ذلك واجتهدوا ايضا في تحصين المدينة زيادة عن فعل الفرنسيس والانكليز
وفي يوم السبت تاسعه وصل السيد علي القبطان الى مصر وطلع الى قصر العيني وقابل ابراهيم بك فخلع عليه فروة سمور وقدم له حصانا معددا واكرمه وعظمه وانزلوه عند علي بك ايوب واعطوه سرية بيضاء وجارية حبشية وجاريتين سوداوين للخدمة ورتبوا له ما يليق به وهو رجل جليل من عظماء الناس وعقلائهم وأخبر القادمون البرديسي والاجناد المصريين ارتحلوا من رشيد الى دمنهور قاصدين الذهاب الى سكندرية وأرسلوا بطلب ذخيرة وجبخانة ومماليك وعساكر
وفيه أرادوا عمل فردة وأشيع بين الناس ذلك فانزعجوا منه واستمر الرجاء والخوف أياما ثم انحط الرأى على قبض مال الجهات ورفع المظالم والتحرير من البلاد والميرى عن سنة تاريخه من الملتزمين ويؤخذ من القبط ألأف وأربعمائة كيس هذا مع توالي وتتابع الفرد والكلف على البلاد حتى خرب الكثير من القرى والبلاد وجلا أهلها عنها خصوصا اقليم البحيرة فانه خرب عن آخره ثم ان البرديسي استقر بدمنهور وبعدما أبقى برشيد مملوكه يحيى بك ومعه جملة من العساكر وكذلك بناحية البغاز وهم كانوا من وقت محاصرة البرج حتى منعوا عنه الامداد الذى اتاه من البحر وكان ما كان وشحن البرديسي برج مغيزل بالذخيرة والجبخانة وأنزلوا برشيد عدة فرد ومغارم وفتحوا بيوت الراحلين عنها ونهبوها وأخذوا أموالهم من الشوادر والحواصل والاخشاب والاحطاب والبن والارز وقلت الاقوات فيهم والعليق فعلفوا الدواب بشعير الارزبل والارز المبيض وغير ذلك مما لا تضبطه الاقلام ولا تحيط به الاوهام
وفي منتصف هذا الشهر في أيام النسىء نقص النيل نقصا فاحشا وانحدر من على الاراضي فأنزعج الناس وازدحموا على مشترى الغلال وزاد سعرها ثم استمر يزيد قيراطا وينقص قيراطين الى أيام الصليب وانكبت الخلائق على شراء الغلال ومنع الغنى من شراء ما زاد على الاردب ونصف اردب والفقير لا يأخذ الاويبة فأقل ويمنعون الكيل بعد ساعتين فتذهب الناس الى ساحل بولاق ومصر القديمة ويرجعون من غير شيء واستمر سليم اغا مستحفظان ينزل الى بولاق في كل يوم صار الامراء يأخذون الغلال القادمة بمراكبها قهرا عن اصحابها ويخزنوها لانفسهم حتى قلت الغلة وعز وجودها في العرصات والسواحل وقل الخبز من الاسواق والطوابين وداخل الناس وهم عظيم وخصوصنا مع خراب البلاد بتوالي الفرد والمغارم وعز وجود الشعير والتبن وبيعت الدواب والبهائم بالسعر الرخيص بسبب قلة العلف واجتمع بعض المشايخ وتشاوروا في الخروج الى الاستسقاء فلم يمكنهم ذلك لفقد شروطها وذهبوا الى ابراهيم بك وتكلموا معه في ذلك فقال لهم وأنا أحب ذلك فقالوا له وأين الشروط التي من جملتها رفع المظالم وردها والتوبة والاقلاع عن الذنوب وغير ذلك فقال لهم هذا أمر لا يمكن ولا يتصور ولا أقدر عليه ولا أحكم الا على نفسي فقالوا اذا نهاجر من مصر فقال وأنا معكم ثم قاموا وذهبوا
وفي أواخره وردت الاخبار برجوع البرديسي ومن معه من العساكر وقد كان أشيع انهم متوجهون الى الاسكندرية ثم ثنى عزمه عن ذلك لامور الاول وجود القحط فيهم وعدم الذخيرة والعلف والثاني الحاح العسكر بطلب جماكيهم المنكسرة وما يأخذونه من المنهوبات لا يدخل في حساب جماكيهم والثالث العجز عن أخذ الاسكندرية لوعر الطريق وانقطاع الطرق بالمياه المالحة فلو وصلوها وطال عليهم الحصار لا يجدون ما يأكلون ولا ما يشربون
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة