منتدى الف توتة و حدوتة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    ختام الجزء الثانى من رحلة إبن بطوطة

    avatar
    توتة
    Admin


    عدد المساهمات : 2017
    تاريخ التسجيل : 13/02/2014

    ختام الجزء الثانى من رحلة إبن بطوطة Empty ختام الجزء الثانى من رحلة إبن بطوطة

    مُساهمة من طرف توتة الخميس 22 مايو - 10:30

    ختام الجزء الثانى من رحلة إبن بطوطة Batota11

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    رحلة إبن بطوطة
    الجزء الثانى
    ختام الجزء الثانى من رحلة إبن بطوطة
    وهو ختام الكتاب
    ختام الجزء الثانى من رحلة إبن بطوطة 1410
    ● [ ذكر سفري عن مالي ] ●

    وكان دخولي إليها في الرابع عشر لجمادى الأولى سنة ثلاث وخمسين، وخروجي عنها في الثاني والعشرين لمحرم سنة أربع وخمسين. ورافقني تاجر يعرف بأبي بكر ابن يعقوب. وقصدنا طريق ميمة. وكان لي جمل أركبه. لأن الخيل غالية الأثمان، يساوي أحدها مائة مثقال، فوصلنا إلى خليج كبير يخرج من النيل، لا يجاز إلا في المراكب. وذلك الموضع كثير البعوض، فلا يمر أحد به إلا بالليل. ووصلنا الخليج ثلث الليل، والليل مقمر.
    ● [ ذكر الخيل التي تكون بالنيل ] ●

    ولما وصلنا الخليج رأيت على ضفته ست عشرة دابة ضخمة الخلقة، فعجبت منها، وظننتها فيلة لكثرتها هنالك. ثم إني رأيتها دخلت في النهر. فقلت لأبي بكر ابن يعقوب: ما هذه الدواب ? فقال: هي خيل البحر، خرجت ترعى في البر، وهي أغلظ من الخيل. ولها أعراف وأذناب، ورؤوسها كرؤوس الخيل، وأرجلها كأرجل الفيلة. ورأيت هذه الخيل مرة أخرى لما ركبنا النيل من تنبكتو إلى كوكو، وهي تعوم في الماء، وترفع رؤوسها وتنفخ. وخاف منها أهل المركب فقربوا من البر لئلا تغرقهم. ولهم حيلة في صيدها حسنة، وذلك أن لهم رماحاً مثقوبة، قد جعل في ثقبها شرائط وثيقة، فيضربون الفرس منها. فإن صادفت الضربة رجله أو عنقه أنفذته، وجذبوه بالحبل حتى يصل إلى الساحل، فيقتلونه ويأكلون لحمه. ومن عظامها بالساحل كثير. وكان نزولنا عند هذا الخليج بقرية كبيرة، عليها حاكم من السودان حاج فاضل يسمى فربامغا " بفتح الميم والغين المعجم "، وهو ممن حج مع السلطان منسى موسى لما حج.
    حكاية
    أخبرني فربامغا أن منسى موسى لما وصل إلى هذا الخليج، كان معه قاض من البيضان يكنى بأبي العباس، ويعرف بالدكالي، فأحسن إليه بأربعة آلاف مثقال لنفقته. فلما وصلوا إلى ميمة، شكا إلى السلطان بأن الأربعة آلاف مثقال سرقت له من داره. فاستحضر السلطان أمير ميمة، وتوعده بالقتل إن لم يحضر من سرقها. وطلب الأمير السارق فلم يجد أحداً، ولا سارق يكون بتلك البلاد. فدخل دار القاضي، واشتد على خدامه، وهددهم. فقالت له إحدى جواريه: ما ضاع له شيء، وإنما دفنها بيده في ذلك الموضع، وأشارت له إلى الموضع. فأخرجها الأمير، وأتى بها السلطان، وعرفه الخبر، فغضب على القاضي، ونفاه إلى بلاد الكفار الذين يأكلون بني آدم، فأقام عندهم أربع سنين، ثم رده إلى بلده. وإنما لم يأكله الكفار لبياضه، لأنهم يقولون: إن أكل الأبيض مضر، لأنه لم ينضج. والأسود هو النضج بزعمهم.
    حكاية
    قدمت على السلطان منسى سليمان جماعة من هؤلاء السودان الذين يأكلون بني آدم، معهم أمير لهم. وعادتهم أن يجعلوا في آذانهم أقراطاً كباراً، وتكون فتحة القرط منها نصف شبر، ويلتحفون في ملاحف الحرير. وفي بلادهم يكون معدن الذهب. فأكرمهم السلطان وأعطاهم في الضيافة خادمة، فذبحوها وأكلوها، ولطخوا وجوههم وأيديهم بدمها، وأتوا السلطان شاكرين. وأخبرت أن عادتهم متى ما وفدوا عليه أن يفعلوا ذلك. وذكر لي عنهم أنهم يقولون إن أطيب ما في لحوم الآدميات الكف والثدي. ثم رحلنا من هذه القرية التي عند الخليج، فوصلنا إلى بلدة قري منسا، وقري " بضم القاف وكسر الراء "، ومات لي بها الجمل الذي كنت أركبه، فأخبرني راعيه بذلك، فخرجت لأنظر إليه، فوجدت السودان قد أكلوه كعادتهم في أكل الجيف. فبعثت غلامين كنت استأجرتهما على خدمتي ليشتريا لي جملاً بزاغري، وهي على مسيرة يومين. وأقام معي بعض أصحاب أبي بكر ابن يعقوب، وتوجه هو لينتظرنا بميمة. فأقمت سبعة أيام، أضافني فيها بعض الحجاج بهذه البلدة، حتى وصل الغلامان بالجمل.
    حكاية وفي أيام إقامتي بهذه البلدة رأيت ليلة فيما يرى النائم كأن إنساناً يقول لي: يا محمد بن بطوطة لماذا لا تقرأ سورة يس في كل يوم ? فمن يومئذ ما تركت قراءتها كل يوم، في سفر ولا حضر. ثم رحلت إلى بلدة ميمة " بكسر الميم الأول وفتح الثاني " فنزلنا على آبار بخارجها.
    ثم سافرنا منها إلى مدينة تنبكتو " وضبط اسمها بضم التاء المعلوة وسكون النون وضم الباء الموحدة وسكون الكاف وضم التاء المعلوة الثانية وواو "، وبينها وبين النيل أربعة أميال. وأكثر سكانها مسوفة أهل اللثام، وحاكمها يسمى فربا موسى. حضرت عنده يوماً، وقد قدم أحد مسوفة أميراً على جماعة، فجعل عليه ثوبا وعمام وسروالاً، كلها مصبوغة، وأجلسه على درقة، ورفعه كبراء قبيلته على رؤوسهم. وبهذه البلدة قبر الشاعر المفلق أبي إسحاق الساحلي الغرناطي المعروف ببلده بالطويجن، وبها قبر سراج الدين بن الكويك، أحد كبار التجار من أهل الإسكندرية.
    حكاية
    كان السلطان منسى موسى لما حج، نزل بروض لسراج الدين هذا، ببركة الحبش خارج مصر، وبها ينزل السلطان. واحتاج إلى مال، فتسلفه من سراج الدين، وتسلف منه أمراؤه أيضاً. وبعث معهم سراج الدين وكيله يقتضى المال، فأقام بمالي. فتوجه سراج الدين بنفسه لاقتضاء ماله، ومعه ابن له. فلما وصل تنبكتو أضافه ابو إسحاق الساحلي، فكان من القدر موته تلك الليلة. فتكلم الناس في ذلك، واتهموا أنه سم. فقال لهم ولده: إني أكلت معه ذلك الطعام بعينه. فلو كان فيه سم لقتلنا جميعاً، لكنه انقضى أجله. ووصل الوالي إلى مالي، واقتضى ماله، وانصرف إلى ديار مصر. ومن تنبكتو ركبت النيل في مركب صغير منحوت من خشبة واحدة. وكنا ننزل كل ليلة بالقرى، فنشتري ما نحتاج إليه من الطعام والسمن، بالملح وبالعطريات وبحلي الزجاج. ثم وصلت إلى بلد أنسيت اسمه، له أمير فاضل حاج يسمى فربا سليمان، مشهور بالشجاعة والشدة. لا يتعاطى أحد النزع في قوسه، ولم أر في السودان أطول منه ولا أضخم جسماً، واحتجت بهذا البلدة إلى شيء من الذرة، فجئت إليه، وذلك يوم مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، وسألني عن مقدمي. وكان معه فقيه يكتب له. فأخذت لوحاً كان بين يديه، وكتبت فيه: يا فقيه، قل لهذا الأمير: إنا نحتاج إلى شيء من الذرة للزاد، والسلام. وناولت الفقيه اللوح يقرأ ما فيه سراً، ويكلم الأمير في ذلك بلسانه. فقرأه جهراً، وفهمه الأمير. فأخذ بيدي، وأدخلني إلى مشوره، وبه سلاح كثير من الدرق والقسي والرماح، ووجدت عنده كتاب المدهش لابن الجوزي، فجعلت أقرأ فيه.
    ثم أتي بمشروب لهم يسمى الدقنو " بفتح الدال المهمل وسكون القاف وضم النون وواو "، وهو ماء فيه جريش الذرة مخلوط بيسير عسل أو لبن، وهم يشربونه عوض الماء. لأنهم إن شربوا الماء خالصاً أضر بهم، وإن لم يجدوا الذرة خلطوه بالعسل أو اللبن. ثم أتي ببطيخ أخضر فأكلنا منه، ودخل غلام خماسي فدعاه وقال لي: هذا ضيافتك، واحفظه لئلا يفر. فأخذته وأردت الانصراف، فقال: أقم حتى يأتي الطعام. وجاءت إلينا جارية له دمشقية عربية، فكلمتني بالعربي. فبينما نحن في ذلك، إذ سمعنا صراخاً بداره. فوجه الجارية لتعرف خبر ذلك، فعادت إليه، فأعلمته أن بنتاً له قد توفيت، فقال: إني لا أحب البكاء، فتعال نمش إلى البحر، يعني النيل. وله على ساحله ديار. فأتي بالفرس فقال لي: إركب. فقلت: لا أركبه، وأنت ماش. فمشينا جميعاً، ووصلنا إلى دياره على النيل. وأتي بالطعام فأكلنا. وودعته وانصرفت.
    ولم أر في السودان أكرم منه ولا أفضل. والغلام الذي أعطانيه باقٍ عندي إلى الآن. ثم سرت إلى مدينة كوكو، وهي مدينة كبيرة على النيل، من أحسن مدن السودان وأكبرها وأخصبها. فيها الأرز الكثير واللبن والدجاج والسمك، وبها الفقوس العناني الذي لا نظير له. وتعامل أهلها في البيع والشراء بالودع، وكذلك أهل مالي. وأقمت بها نحو شهر. وأضافني بها محمد بن عمر، من أهل مكناسة، وكان ظريفاً مزاحاً فاضلاً، وتوفي بها بعد خروجي عنها. وأضافني بها الحاج محمد الوجدي التازي، وهو ممن دخل اليمن، والفقيه محمد الفيلالي إمام مسجد البيضان.
    ثم سافرت منها برسم تكدا في البر، مع قافلة كبيرة للغدامسيين. دليلهم ومقدمهم الحاج وجين " بضم الواو وتشديد الجيم المعقودة "، ومعناه الذئب بلسان السودان. وكان لي جمل لركوبي، وناقة لحمل الزاد. فلما رحلنا أول مرحلة وقفت الناقة. فأخذ الحاج وجين ما كان عليها، وقسمه على أصحابه، فتوزعوا حمله. وكان في الرفقة مغربي من أهل تادلي، فأبى أن يرفع من ذلك شيئاً كما فعل غيره. وعطش غلامي يوماً، فطلبت منه الماء، فلم يسمح به. ثم وصلنا إلى بلاد بردامة، وهي قبيلة من البربر " وضبطها بفتح الباء الموحدة وسكون الراء وفتح الدال المهمل وميم مفتوح وتاء تأنيث ". ولا تسير القوافل إلا في خفارتهم. والمرأة عندهم في ذلك أعظم شأناً من الرجل. وهم رحالة لا يقيمون، وبيوتهم غريبة الشكل، ويقيمون أعواداً من الخشب، ويضعون عليها الحصر، وفوق ذلك أعواد مشتبكة، وفوقها الجلود أو ثياب القطن. ونساؤهم أتم النساء جمالاً، وأبدعهن صوراً، مع البياض الناصع والسمن. ولم أر في البلاد من يبلغ مبلغهن في السمن. وطعامهن حليب البقر وجريش الذرة، يشربنه مخلوطاً بالماء غير مطبوخ، عند المساء والصباح. ومن أراد التزوج منهن، سكن بهن في أقراب البلاد إليهن، ولا يتجاوز بهن كوكو ولا أيوالاتن. وأصابني المرض في هذه البلاد، لاشتداد الحر وغلبة الصفراء. واجتهدنا في السير إلى أن وصلنا إلى مدينة تكدا " وضبطها بفتح التاء المعلوة والكاف المعقودة والدال المهمل مع تشديده ". ونزلت بها في جوار شيخ المغاربة سعيد بن علي الجزولي. وأضافني قاضيها أبو إبراهيم إسحاق الجاناتي، وهو من الأفاضل، وأضافني جعفر بن محمد المسوفي. وديار تكدا مبنية بالحجارة الحمر، وماؤها يجري على معادن النحاس، فيتغير لونه وطعمه بذلك، ولا زرع بها إلا يسير من القمح، يأكله التجار والغرباء. ويباع بحساب عشرين مداً من أمدادهم بمثقال ذهب، ومدهم ثلث المد ببلادنا. وتباع الذرة عندهم بحساب تسعين مداً بمثقال ذهب. وهي كثيرة العقارب. وعقاربها تقتل من كان صبياً لم يبلغ، وأما الرجال فقلما تقتلهم.
    ولقد لدغت يوماً وأنا بها ولداً للشيخ سعيد بن علي عند الصبح فمات لحينه، وحضرت جنازته. ولا شغل لأهل تكدا غير التجارة. يسافرون كل عام إلى مصر، ويجلبون من كل ما بها من حسان الثياب وسواها. ولأهلها رفاهية وسعة بال، ويتفاخرون بكثرة العبيد والخدم، وكذلك أهل مالي وأيوالاتن. ولا يبيعون المعلمات منهن إلا نادراً وبالثمن الكثير.
    حكاية
    أردت لما دخلت تكدا شراء خادم معلمة فلم أجدها، ثم بعث إلي القاضي أبو إبراهيم بخادم لبعض أصحابه، فاشتريتها بخمسة وعشرين مثقالاً. ثم إن صاحبها ندم ورغب في الإقالة، فقلت له: إن دللتني على سواها أقلتك. فدلني على خادم لعلي أغيول، وهو المغربي التادلي الذي أبى أن يرفع شيئاً من أسبابي حين وقعت ناقتي، وأبى أن يسقي غلامي الماء حين عطش. فاشتريتها منه، وكانت خيراً من الأولى، وأقلت صاحبي الأول. ثم ندم هذا المغربي على بيع الخادم، ورغب في الإقالة، وألح في ذلك. فأبيت الا أن أجازيه بسوء فعله، فكاد أن يجن أو يهلك أسفاً. ثم أقلته بعد.
    ● [ ذكر معدن النحاس ] ●

    ومعدن النحاس بخارج تكدا يحفرون عليه في الأرض، ويأتون إلى البلد، فيسبكونه في دورهم. ويفعل ذلك عبيدهم وخدمهم. فإذا سبكوه نحاساً أحمر، صنعوا منه قضباناً في طول شبر ونصف، بعضها رقاق، وبعضها غلاظ. فتباع الغلاظ منها بحساب أربعمائة قضيب بمثقال ذهب، وتباع الرقاق بحساب ستمائة وسبعمائة مثقال. وهي صرفهم، يشترون برقاقها اللحم والحطب، ويشترون بغلاظها العبيد والخدم والذرة والسمن والقمح. ويحملون النحاس منها إلى مدينة كوبر من بلاد الكفار، وإلى زغاي، وإلى بلاد برنو، وهي على مسيرة أربعين يوماً من تكدا. وأهلها مسلمون، لهم ملك اسمه إدريس، لا يظهر للناس، ولا يكلمهم إلا من وراء حجاب.
    ومن هذه البلاد يؤتى بالجواري الحسان والفتيان وبالثياب المجسدة. ويحمل النحاس أيضاً منها إلى جوجرة وبلاد المورتيين وسواها.
    ● [ ذكر سلطان تكدا ] ●

    وفي أيام إقامتي بها، توجه القاضي أبو إبراهيم، والخطيب محمد، والمدرس أبو حفص، والشيخ سعيد بن علي، إلى سلطان تكدا، وهو بربري يسمى إزار " بكسر الهمزة وزاي والف وراء "، وكان على مسيرة يوم منها، ووقعت بينه وبين التكركري، وهو من سلاطين البربر أيضاً منازعة، فذهبوا إلى الإصلاح بينهما. فأردت أن ألقاه. فاكتريت دليلاً وتوجهت إليه، وأعلمه المذكورون بقدومي. فجاء إلي راكباً فرساً دون سرج، وتلك عادتهم.
    وقد جعل عوض السرج طنفسة حمراء بديعة، وعليه ملحفة وسراويل وعمامة، كلها زرق، ومعه أولاد أخته، وهم الذين يرثون ملكه. فقمنا إليه، وصافحناه. وسأل عن حالي ومقدمي، فأعلم بذلك. وأنزلني ببيت من بيوت اليناطبين، وهم كالوصفان عندنا. وبعث برأس غنم مشوي في السفود، وقعب من حليب البقر. وكان في جوارنا بيت أمه وأخته، فجاءتا إلينا، وسلمتا علينا. وكانت أمه تبعث لنا الحليب بعد العتمة، وهو وقت حلبهم، ويشربونه ذلك الوقت وبالغدو. وأما الطعام فلا يأكلونه ولا يعرفونه. واقمت عندهم ستة أيام. وفي كل يوم يبعث بكبشين مشويين، عند الصباح والمساء. وأحسن إلي بناقة وعشرة مثاقيل من الذهب، وانصرفت عنه، وعدت إلى تكدا.
    ● [ ذكر وصول الأمر الكريم إلي ] ●

    ولما عدت إلى تكدا، وصل غلام الحاج محمد بن سعيد السجلماسي، بأمر مولانا أمير المؤمنين وناصر الدين المتوكل على رب العالمين آمراً لي بالوصول إلى حضرته العلية. فقبلته وامتثلته على الفور.
    واشتريت جملين لركوبي بسبعة وثلاثين مثقالاً. وثلث، وقصدت السفر إلى توات. ورفعت زاد سبعين ليلة، إذ لا يوجد الطعام فيما بين تكدا وتوات، وإنما يوجد اللحم واللبن والسمن يشترى بالأثواب، وخرجت من تكدا يوم الخميس الحادي عشر لشعبان سنة أربع وخمسين، في رفقة كبيرة، فيهم جعفر التواني، وهو من الفضلاء، ومعنا الفقيه محمد بن عبد الله قاضي تكدا. وفي الرفقة نحو ستمائة خادم. فوصلنا إلى كاهر من بلاد السلطان الكركري، وهي أرض كثيرة الأعشاب، يشتري بها الناس من برابرها الغنم، ويقددون لحمها، ويحمله أهل توات إلى بلادهم. ودخلنا منها إلى برية لا عمارة بها ولا ماء، وهي مسيرة ثلاثة أيام.
    ثم سرنا بعد ذلك خمسة عشر يوماً في برية لا عمارة بها، ألا أن بها الماء. ووصلنا إلى الموضع الذي يفترق به طريق غات الآخذ إلى ديار مصر وطريق توات. وهنالك أحساء ماء يجري على الحديد، فإذا غسل به الثوب الأبيض اسود لونه.
    وسرنا من هنالك عشرة أيام، ووصلنا إلى بلاد هكار، وهم طائفة من البربر ملثمون لا خير عندهم، ولقينا أحد كبرائهم، فحبس القافلة حتى غرموا له أثواباً وسواها. وكان وصولنا إلى بلادهم في شهر رمضان. وهم لا يغبرون فيه ولا يعترضون القوافل، وإذا وجد سراقها المتاع بالطريق في رمضان لم يعرضوا له، وكذلك جميع من بهذه الطريق من البرابر. وسرنا في بلاد هكار شهراً، وهي قليلة النبات، كثيرة الحجارة، طريقها وعر. ووصلنا يوم عيد الفطر إلى بلاد برابر، أهل لثام كهؤلاء. فأخبرونا بأخبار بلادنا، وأعلمونا أن أولاد خراج وابن يغمور خالفوا، وسكنوا تسابيت من توات. فخاف أهل القافلة من ذلك. ثم وصلنا إلى بودا " بضم الباء الموحدة "، وهي من أكبر قرى توات، وأرضها رمال وسباخ، وثمرها كثير ليس بطيب، لكن أهلها يفضلونه على ثمر سجلماسة. ولا زرع بها ولا سمن ولا زيت، وإنما يجلب لها ذلك من بلاد المغرب. وأكل أهلها التمر والجراد، وهو كثير عندهم، يختزنونه كما يختزن التمر، ويقتاتون به، ويخرجون إلى صيده قبل طلوع الشمس، فإنه لا يطير إذ ذاك لأجل البرد. وأقمنا ببودا أياماً ثم سافرنا في قافلة، ووصلنا في أوسط ذي القعدة إلى مدينة سجلماسة. وخرجت منها في ثاني ذي الحجة، وذلك أوان البرد الشديد، ونزل بالطريق ثلج كثير. ولقد رأيت الطرق الصعبة والثلج الكثير ببخارى وسمرقند وخراسان وبلاد الأتراك، فلم أر أصعب من طريق أم جنيبة. ووصلنا ليلة عيد الأضحى إلى دار الطمع، فأقمت هنالك يوم عيد الأضحى، ثم خرجت، فوصلت إلى حضرة فاس، حضرة مولانا أمير المؤمنين أيده الله، فقبلت يده الكريمة وتيمنت بمشاهدة وجهه المبارك، وأقمت في كنف إحسانه بعد طول الرحلة. والله تعالى يشكر ما أولانيه من جزيل إحسانه، وسابغ امتنانه، ويديم أيامه، ويمتع المسلمين بطول بقائه. وههنا انتهت الرحلة المسماة تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. وكان الفراغ من تقييدها في ثالث ذي الحجة عام ستة وخمسين وسبعمائة.
    والحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى قال ابن جزي: انتهى ما لخصته من تقييد الشيخ أبي عبد الله محمد بن بطوطة، أكرمه الله. ولا يخفى على ذي عقل أن هذا الشيخ هو رحال العصر. ومن قال: رحال هذه الملة لم يبعد، ولم يجعل بلاد الدنيا للرحلة. واتخذ حضرة فاس مقراً ومستوطناً بعد طول جولانه، لما تحقق أن مولانا، أيده الله، أعظم ملوكها شأناً، وأعمهم فضائل، وأكرمهم إحساناً، وأشدهم بالواردين عليه عناية، وأتمهم بمن ينتمي إلى طلب العلم حماية. فيجب على مثلي أن يحمد الله تعالى، لأن وفقه في أول حاله وترحاله لاستيطان هذه الحضرة التي اختارها هذا الشيخ، بعد رحلة خمسة وعشرين عاماً. إنها لنعمة لا يقدر قدرها، ولا يوفى شكرها. والله تعالى يرزقنا الإعانة على خدمة مولانا أمير المؤمنين، ويبقي علينا ظل حرمته ورحمته، ويجزيه عنا معشر الغرباء المنقطعين إليه أفضل جزاء المحسنين. اللهم وكما فضلته على الملوك بفضيلتي العلم والدين، وخصصته بالحلم والعقل الرصين، فمد لملكه أسباب التأييد والتمكين، وعرفه عوارف النصر العزيز والفتح المبين، وأجعل الملك في عقبه إلى يوم الدين، وأره قرة العين في نفسه وبنيه وملكه ورعايته، يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا ومولانا محمد خاتم النبيين، وإمام المرسلين. والحمد لله رب العالمين.
    وكان الفراغ من تأليفها في شهر صفر عام سبعة وخمسين وسبعمائة
    ● [ تم بحمد الله الجزء الثانى ] ●
    وتم كتاب رحلة إبن بطوطة

    ختام الجزء الثانى من رحلة إبن بطوطة Fasel10

    والحمد لله رب العلمين
    والصلاة والسلام على رسول الله وآله
    منتدى توتة وحدوتة - البوابة
    ختام الجزء الثانى من رحلة إبن بطوطة E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 25 نوفمبر - 6:19