منتدى الف توتة و حدوتة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الباب الرابع والعشرون والباب الخامس والعشرون

    avatar
    توتة
    Admin


    عدد المساهمات : 2017
    تاريخ التسجيل : 13/02/2014

    الباب الرابع والعشرون والباب الخامس والعشرون Empty الباب الرابع والعشرون والباب الخامس والعشرون

    مُساهمة من طرف توتة الأربعاء 10 مايو - 16:40

    الباب الرابع والعشرون والباب الخامس والعشرون Azkeya10

    بّسم الله الرّحمن الرّحيم
    مكتبة الثقافة الأدبية
    أالأذكياء لابن الجوزي
    الباب الرابع والعشرون والباب الخامس والعشرون 1410
    الباب الرابع والعشرون
    في ذكر طرف من أحوال الشعراء والمداحين

    قال يموت بن المزرع جلس الجماز يأكل على مائدة بين يدي جعفر بن القاسم وجعفر يأكل على مائدة أخرى وكانت الصفحة ترفع من بين يدي جعفر فتوضع بين يدي الجماز فربما كان عليها قليل وربما لم يكن شيء فقال الجماز أصلح الله الأمير ما نحن اليوم إلا عصبة فربما فضل لنا بعض المال وربما أخذه أهل السهام ولا يبقى لنا شيء. قال أبو الحسن السلامي الشاعر مدح الخالديان سيف الدولة بن حمدان بقصيدة أولها:
    تصدو دارها صدد ● وتوعده ولا تعد
    وقد قتلته ظالمة ● فلا عقل ولا أقود
    وقالا فيها في مدحه
    فوجه كله قمر ● وسائر جسمه أسد
    فلما أنشده إياها عجب بها سيف الدولة واستحسن هذا البيت منها وجعل يردد إنشاده فدخل عليه الشيميطي الشاعر فقال له اسمع هذا البيت وأنشده إياه فقال له الشيميطي أحمد ربك فقد جعلك من عجائب البحر. قال المصنف الخالديان رجلان وهما أبو بكر محمد وأبو عثمان سعيد ابنا هاشم كانا أخوين واتفقا في حسين الطبع ورقة الشعر وكثرة الأدب وكانا يشتركان في الشعر وينفردان فقال فيهما أبو اسحق الصابي:
    أرى الشاعرين الخالدين سيرا ● قصائد يفنى الدهر وهي تخلد
    تنــازع قــوم فيهمـا وتناقضـوا ● ومر جدال بينهم يتردد
    فطائفة قالت ســــعيد مقدم ● وطائفة قالت لهم بل محمد
    وصاروا إلى حكمي فأصلحت بينهم ● وما قلت إلا بأنني هي أرشد
    هما في اجتماع الفضل روح مؤلف ● ومعناها من حيث ثنيت مفرد
    ● خرج طاهر بن الحسن لقتال عيسى بن هامان فخرج وفي كمه دراهم يفرقها على الفقراء ثم سها وأسبل كمه فتبددت فتطير فقال له شاعر في ذلك:
    هذا تفرق جمعهم لا غيره ● وذهابه منا ذهاب الهم
    شيء يكون الهم نصف حروفه ● لا خير في إمساكه في الكم
    ● أحضر عبد الملك رجلاً يرى رأى الخوارج فأمر بقتله فقال الست القائل:
    ومنا سويد والبطين وقعنب ● ومنا أمير المؤمنين شبيب
    فقال إنما قلت ومنا أمير المؤمنين أردت يا أمير المؤمنين فحقن دمه ودرأ عن نفسه إذ صرف الأعراب عن الخبر إلى الخطاب. هجا بعض الشعراء أبا عثمان المازني فقال:
    وفتى من مازن ساد أهل البصرة ● أمه معرفة وأبوه نكرة
    ● ودخل عبد الملك بن صالح دار الرشيد فلقيه إسماعيل بن صبيح الحاجب فقال اعلم أنه ولد لأمير المؤمنين ابنان فعاش أحدهما ومات الآخر فيجب أن تخاطبه بحسب ما عرفتك فلما صار بين يديه قال سرك الله يا أمير المؤمنين فيما ساءك ولا ساءك فيما سرك وجعلها واحدة بواحدة تستوجب من الله زيادة الشاكرين وجزاء الصابرين. قال دخل جعفر الضبي على الفضل بن سهل فقال أيها الأمير أسكتني عن أوصافك تساوى أفعالك في السؤدد وحيرني فيها كثرة عددها فليس إلى ذكر جميعها سبيل فإن أردت وصف واحدة اعترضت أختها فلم تكن الأولى أحق بالذكر فلست أصفها إلا بإظهار العجز عن وصفها.
    ● قال دخل أبو دلامة على المنصور فأنشده قصيدة فقال يا أبا دلامة إن أمير المؤمنين قد أمر لك بكذا وكذا من صله وكساك وجملك وأقطعك أربعمائة جريب مائتان عامر ومائتان غامر فقال أما ما ذكر أمير المؤمنين من الصلة فقد عرفته وعرفت العامر فما العامر قال الذي لا نبات فيه ولا شجر فقد أقطعت أمير المؤمنين أربعة آلاف جريب غامر قال ويحك أين قال ليما بين الحيرة والكوفة فضحك منه وسوغها إياه عامرة.
    ● قال المدايني دخل نصيب على عبد الملك بن مروان فتغدي معه ثم قال له هل لك فيما يتنادم عليه فقال لوني حائل وشعري مفلفل وخلقي مشوه ولم أبلغ ما بلغت من إكرامك إياي بشرف أب ولا أم وإنما بلغته بعقلي ولساني فأنشدك الله يا أمير المؤمنين أن تحول بيني وبين ما بلغت به هذه المنزلة فأعفاه. قال المدايني جلس نساء ظراف إلى بشار بن برد فتحدث وتحدثن ثم قلنا له لوددنا أنك أبونا قال على أني على دين كسرى. قال خالد الكاتب ارتج علي وعلى دعبل وواحد من الشعراء قد سماه ولم أحفظ اسمه نصف بيت قلنا جميعاً يا بديع الحسن ثم قلنا ليس لنا إلا جعيفران الموسوس فجئناه فقال ما تبغوني فقال خالد جئناك في حاجة فقال لا تؤذوني فإني جائع فبعثنا فاشترينا له طعاماً فلما شبع قال حاجتكم قلنا اختلفنا في نصف بيت فقال ما هو يا بديع الحسن فما تلعثم والله إن قال:
    يا بديع الحسن حاشا ● لك من هجر بديع
    فقال له دعبل زدني بيتاً فقال:
    وبحسن الوجه عوذ ● تك من سوء الصنيع
    فقال له الذي معنا ولي بيت فقال نعم وعزازة وكرامة.
    ومن النخوة يستعفيك ● لي ذل الخضوع
    فقلت استودعك الله فقال انتظروا أزدكم بيتاً آخر فقال:
    لا يعب بعضك بعضاً ● كن جميلاً في الجميع
    ومن الفطنة الكلام الموجه الذي يحتمل المدح والذم ومنه قول المتنبي:
    عدوك مذموم بكل لسان فإنه يحتمل المدح ويحتمل الذم ووجه الذم
    أن يكون المذكور دنيا ولا يعادي الدني إلا مثله وكذلك قوله.
    والله سر في علاك يحتمل المدح أي سر لا يطلع عليه في تقديم مثلك قال شاعر فأراد أن يكثر عليه فقال لأهل البلد:
    وتشابهت سور القرآن عليكمو ● فقرنتم الأنعام بالشعراء
    ومدح رجل رجلاً يقال له:
    يسير فقال في مدحه ● وفضل يسير في البلاد يسير
    فقيل له أنك قد مدحته وأنه لا يعطيك شيئاً فقال إن لم يعطني شيئاً قلت بيدي هكذا وضم أصابعه يعني أنه قليل. وبلغني من هذا الجنس قول رجل في رجل:
    تحلى بأسماء الشهور فكفه ● جمادى وما ضمت عليه المحرم
    وقال شاعر آخر
    وقائل لي ما الذي تشتهي ● من التي قد ضمها خدرها
    أوجهها حين بدا مقبلا ● أم شعرها الأسود أم ثغرها
    أم طرفها الأدعج أم كشحها ● أم منبت الرمان أم صدرها
    قلت له أعشق ذا كله ● ونصف حران وثلثي زها
    ● سئل جحظة عن دعوة حضرها فقال كل شيء كان منها بارد إلا الماء.
    وقدمت إلى أبي يعقوب الخزيمي سكباجه كبيرة العظام فقال هذه شطرنجية واتبعت بفالوذجة قليلة الحلاوة فقيل قد علمت هذه قبل أن يوحي ربك إلى النحل.
    قال شاعر لشاعر أنا أقول البيت واخاه وأنت تقول البيت وابن عمه.
    ● قال دخل بعض شعراء الهند على أمير فمدحه فقال له الأمير تقدم يا زوج القحبة فقال ما زوج القحبة فقال هذه بلغة العرب كناية عمن له قدر جليل ومحل كبير ومال ودواب وغلمان ومنزلة قال فأنت والله أيها الأمير أكبر زوجة قحبة في الدنيا فخجل وعلم أن مزاجه جر عليه شتمه. دخل بعض الأدباء على المأمون يسأله حاجة فلم يقضها فقال يا أمير المؤمنين إن لي شكر قال ومن يحتاج إلى شكرك فأنشأ يقول:
    فلو كان يستغني عن الشكر مالك ● لكثرة مال أو علو مكان
    لما ندب الله العباد لشكره ● وقال اشكروني أيها الثقلان
    فقال أحسنت وقضى حاجته.
    قال ابن الهبارية:
    قد قلت للشيخ الرئيس ● أخي السماح أبي المظفر
    ذكر معين الملك بي ● قال المؤنث لا يذكر
    ● روى أبو جعفر محمد بن موسى الموسوي قال دخلت على أبي نصر بن أبي زيد وعنده علوي مبرم فتأذى بطول جلوسه وكثرة كلامه فلما نهض قال لي أبو نصر بن عمك هذا خفيف على القلب فقلت نعم فقال ما أظنك فهمت ففكرت فعلمت أنه أراد خفيفاً مقلوباً وهو الثقيل وهذا المعنى الذي أراده أبو سعيد بن دوست:
    وأثقل مني زائري وكأنما ● يقلب في أجفان عيني وفي قلبي
    فقلت له لما برمت بقربه ● أراك على قلبي خفيفاً على القلب
    وصف لشاعر طيب خراسان فلما سافر إليها لم تعجبه فقال:
    تمينا خراسانا زمانا ● فلن نعط المنى والصبر عنها
    فلما أن أتيناها سراعاً ● وجدناها بحذف النصف منها

    الباب الخامس والعشرون
    في طرف من حيل المحاربين

    حدثنا زياد بن جبير رضي الله عنه قال أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجل من المشركين يقال له الهرمزان فأسلم فقال فإني مستشيرك في مغازي هذه فأشر علي فقال نعم يا أمير المؤمنين الأرض مثلها ومثل من فيها من الناس من عدو المسلمين مثل طائر له رأس وجناحان وله رجلان فإن انكسر أحد الجناحين نهضت الرجلان بجناح وبالرأس وإن انكسر الجناح الآخر نهضت الرجلان والرأس فإن انشدح الرأس ذهبت الرجلان والجناحان فالرأس كسرى والجناح قيصر والجناح الآخر فارس فمر المسلمين فلينفروا إلى كسرى.
    ● وقد روينا أن الإسكندر رأى في عسكره سمياً له لا يزال ينهزم فقال له أما أن تغير اسمك أو فعلك.
    وخرج يوماً في الحرب من صف أصحابه وأمر منادياً فنادى يا معشر الفرس قد علمتم ما كتبنا لكم من الأمانات فمن كان على الوفاء فليعتزل عن العسكر وله منا الوفاء بما ضمناه فاتهمت الفرس بعضها بعضاً وكان أول اضطراب حدث فيهم.
    وفي رواية أنه لما صاف 3 دارا أمر منادياً في عسكر دارا أيها الناس أما نحن فقد فعلنا ما اتفقنا عليه فكونوا من وراء ما ضمنتم فاستشعر دارا أن عسكره قد عزموا على تسليمه إلى الإسكندر وكان ذلك بسبب هزيمته. والما شخص عن فارس إلى الهند تلقاه ملكها في جمع عظيم ومعه ألف فيل عليها السلاح والرجال وفي خراطيمها السيوف والأغمدة فلم تقف لها دواب الإسكندر فهزم وعاد إلى مأمنه فأمر باتخاذ فيلة من نحاس مجوفة وربط خيله بين تلك التماثيل حتى ألفتها ثم أمر فملئت نفطاً وكبريتاً وألبسها الدروع وجرت على العجل إلى المعركة وبين تمثالين منها جماعة من أصحابه فلما نشبت الحرب أمر بإشعال النار في جوف التماثيل فلما حميت انكشف أصحابه عنها وغشيتها الفيلة فضربتها بخراطيمها فتشيطت وولت مدبرة راجعة على أصحابها وصارت الدائرة على ملك الهند. قال ونزل مرة على مدينة حصينة فتحصن أهلها منه فأخبر أن عندهم من الميرة قدر كفايتهم فدس تجاراً متنكرين وأمرهم بدخول المدينة ورحل عنها وأمدهم بمال ومتاع فباعوا ما معهم وابتاعوا الميرة فلما اكنزوا كتب أن أحرقوا ما عندكم من الميرة واهربوا ففعلوا، فزحف إلى المدينة فحاصرها أياماً يسيرة فأخذها وكان إذا أراد محاصرة بلد شرد من حولها من القرى فهربوا إليها فيسرعون في أكل الميرة فتقل فيحاصرهم فيفتحها.
    ● وحكى عن كسرى بن هرمز أنه كان بعث الأصهد إلى الروم في جيش عظيم فأعطى من الظفر ما لم يعطه أحد قبله وأخذ الأصهد خزائن الروم ووجهها على هيئتها إلى كسرى ففطن كسرى أن مال الأصهد من الظفر وأن هذا يغيره عليه ويوجب له كبرا فبعث إليه رجلاً ليقتله وكان المبعوث عاقلاً فلما رأى الأصهد وتدبيره وعقله قال له ما يصلح قتل هذا بغير جرم ثم أخبره بالذي جاء له فأرسل الأصهد إلى قيصر أني أريد أن ألقاك قال إذ شئت فتلتقيا فقال لهم إن هذا الخبيث قد هم بقتلي ووجه إلي رجلاً بذلك وإني أريد هلاكه كالذي أراد مني والبادي أظلم فاجعل لي من نفسك ما اطمئن إليه وأعطيك من بيوت أمواله مثل الذي أصبت منك ومثل الذي أنت منفقه في مسيرك هذا فأعطاه من المواثيق ما اطمأن إليه وسار قيصر في أربعين ألفاً فنزل بكسرى فعلم كسرى كيف جرى الأمر فاحتال لفض جنود قيصر فدعا متنصر في دينه فقال إني كاتب معك كتاباً لطيفاً في حريرة لتبلغه الأصهد فلا تطلعن على ذلك أحداً وأعطاه ألف دينار وقد علم كسرى أن القس يوصل كتابه إلى قيصر لأنه تحته هلاك الروم وكان في الكتاب إلى الأصهد أني كتبت إليك وقد دنا مني قيصر فقد أحسن الله إلينا وأمكن منهم بتدبيرك لا عدمت صواب الرأي وقد فرقت عليهم وأنا ممهله حتى يقرب من المدائن ثم أغافله في يوم كذا فعره على من قتلك إياي فإني استأصلهم فخرج القس بالكتاب فأوصله إلى قيصر فقال قيصر هذا الحق وما أراد إلا هلاكنا فتولى منصرفاً واتبعه كسرى إياس بن قبيصة الطائي فقتل أصحابه ونجا قيصر في شرذمة قليلة.
    ● قال هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال كان جذيمة بن مالك ملكاً على الحيرة وما حولها من السواد ملك ستين سنة وكان به وضح وكان شديد السلطان يخافه القريب ويهابه البعيد فنهيت العرب أن يقولوا الأبرص فقالوا الأبرش فغزا مليح بن البرء وكان ملكاً على الحضر وهو الحاجز بين الروم والفرس وهو الذي ذكره عدي بن زيد في قصيدة منها هذا البيت:
    وأخو الحضر إذ بناه وإذ ● دجلة تجبى إليه والخابور
    فقتله جذيمة وطرد الزباء إلى الشام فلحقت بالروم وكانت عربية اللسان حسنة البيان شديدة السلطان كبيرة الهمة قال ابن الكلبي لم يكن في نساء عصرها أجمل منها وكان اسمها فارغة وكان لها شعر إذا مشت سحبته وراءها وإذا نشرته جللها فسميت الزباء قال الكلبي وبعث عيسى بن مريم عليه السلام بعد قتل أبيها فبلغت بها همتها أن جمعت الرجال وبذلت الأموال وعادت إلى ديار أبيها وملكتها فأزالت جذيمة الأبرش عنها وابتنت على الفرات مدينتين متقابلتين من شرقي الفرات ومن غربيه وجعلت بينهما نفقاً تحت الفرات وكان إذا راهقها الأعداء آوت إليه وتحصنت به وكانت قد اعتزلت الرجال فهي عذراء وكان بينها وبين جذيمة بعد الحرب مهادنة فحدث جذيمة نفسه بخطبتها فجمع خاصته فشاورهم في ذلك وكان له عبد يقال له قصير بن سعد وكان عاقلاً لبيباً وكان خازنه وصاحب أمره وعميد دولته فسكت القوم وتكلم قصير فقال أبيت اللعن أيها الملك أن الزباء امرأة قد حرمت الرجال فهي عذراء لا ترغب في مال ولا جمال ولها عندك ثار والدم لا ينام وإنما هي تاركتك رهبة وحذار دولة، الحقد دفين في سويداء القلب له كمون ككمون النار في الحجران اقتدحته أورى وإن تركته توارى وللملك في بنات الملوك الأكفاء متسع ولهن فيه منتفع وقد رفع الله قدرك عن الطمع فيمن دونك وعظم شأنك فما أحد فوقك فقال جذيمة يا قصير الرأي ما رأيت والحزم فيما قلته ولكن النفس تواقة إلى ما تحب وتهوى ولكا امرئ قدر لا مر له منه ولا وزر فوجه إليها خاطباً وقال ائت الزباء فاذكر لها ما يرغبها فيه وتصبو إليه فجاءتها خطبته فلما سمعت كلامه وعرفت مراده قالت له انعم بك عيناً وبما جئت به وله وأظهرت له السرور به والرغبة فيه وأكرمت مقدمة ورفعت موضعه، وقالت قد كنت أضربت عن هذا الأمر خوفاً أن لا أجد كفؤاً والملك فوق قدري وأنا دون قدره وقد أجبت إلى ما سأل ورغبت فيما قال، ولولا أن السعي في مثل هذا الأمر بالرجال أجمل لسرت إليه ونزلت عليه وأهدت إليه هدية سنية ساقت العبيد والإماء والكراع والسلاح والأموال والإبل والغنم وحملت من الثياب والعين والورق فلما رجع إليه خطيبه أعجبه ما سمع من الجواب وأبهجه ما رأى من اللطف وظن أن ذلك لحصول رغبة فأعجبته نفسه وسار من فوره فيمن يثق به من خاصته وأهل مملكته وفيهم قصير خازنه واستحلف على مملكته ابن أخته عمرو بن عدي اللخمي وهو أول ملوك الحيرة من لخم وكان ملكه عشرين ومائة سنة وهو الذي اختطفته الجن وهو صبي وردته وقد شب ونبر فقالت أمه ألبسوه الطوق فقال خاله جذيمة شب عمرو عن الطوق فصارت مثلاً فاستخلفه وسار إلى الزباء فلما صار ببقة نزل وتصيد وأكل وشرب واستعاد المشورة والرأي من أصحابه فسكت القوم وافتتح الكلام قصير بن سعد قال أيها الملك كل عزم لا يؤيد بحزم قال لي أف ما يكون كونه فلا تثق بزخرف قول لا حصول له. ولا تعتقد الرأي بالهوى فيفسد ولا الحزم بالمنى فيبعد والرأي عندي للملك أن يعتقب أمره بالتثبت ويأخذ حذره بالتيقظ ولولا أن الأمور تجري بالمقدور لعزمت على الملك عزماً بتا أن لا يفعل فأقبل جذيمة على الجماعة فقال ما عندكم أنتم في هذا الأمر، فتكلموا بحسب ما عرفوا من رغبته في ذلك وصوبوا رأيه وقووا عزمه. فقال جذيمة الرأي للجماعة والصواب ما رأيتم. فقال قصير أرى القدر يسابق الحذر ولا يطاع لقصير أمر فأرسلها مثلاً. وسار جذيمة فلما قرب من ديار الزباء نزل وأرسل إليها يعلمها بمجيئه فرحبت وقربت وأظهرت السرور به والرغبة فيه وأمرت أن يحمل إليه الإنزال والعلوفات وقالت لجندها وخاصة أهل مملكتها وعامة أهل دولتها ورعيتها تلقوا سيدكم وملك دولتكم. وعاد الرسول إليه بالجواب بما رأى وسمع فلما أراد جذيمة أن يسير دعا قصيراً فقال أنت على رأيك قال نعم قد زادت بصيرتي فيه أفأنت على عزمك، قال نعم وقد زادت رغبتي فيه. فال قصير ليس للأمور بصاحب، من لم ينظر في العواقب وقد يستدرك الأمر قبل فواته وفي يد الملك بغية هو بها مسلط على استدراك الصواب فإن وثقت بأنك ذو ملك وعشيرة ومكان فإنك قد نزعت يدك من سلطانك وفارقت عشيرتك ومكانك وألقيتها في يدي من لست آمن عليك مكره وغدره فإن كنت ولا بد فاعلاً لهواك تابعاً فإن القوم أن تلقوك غداً فرقاً وساروا أمامك وجاء قوم وذهب قوم فالأمر بعده في يدك والرأي فيه إليك وأن تلقوك رزدقاً واحداً وأقاموا لك صفين حتى إذا توسطتهم انقضوا عليك من كل جانب فأحدقوا بك فقد ملكوك وصرت في قبضتهم وهذه العصا لا يشق غبارها، وكانت لجذيمة فرس تسبق الطير وتجاري الرايح يقال لها العصا فإذا كان كذلك فتملك ظهرها فهي ناحية بك أن ملكت ناصيتها، فسمع جذيمة ولم يرد جواباً وسار وكانت الزباء لما رجع رسول جذيمة من عندها قالت لجندها إذا أقبل جذيمة غداً فتلقوه بأجمعكم وقوموا له صفين عن يمينه وشماله فإذا توسط جمعكم فتعرضوا عليه من كل جانب حتى تحدقوا به وإياكم أن يفوتكم وسار جذيمة وقصير عن يمينه فلما لقيه القوم رزدقاً واحداً أقاموا له صفين فلما توسطهم انقضوا عليه من كل جانب انقضاض الأحدل على فريسته فأحدقوا به وعلم أنهم قد ملكوه. وكان قصير يسايره فأقبل عليه وقال صدقت يا قصير فقال قصير أيها الملك أبطأت بالجواب حتى فات الصواب. فأرسله مثلاً فقال كيف الرأي الآن قال هذه العصا فدونكنها لعلك تنجو بها فأنف جذيمة من ذلك وسارت به الجيوش. فلما رأى قصير أن جذيمة قد استسلم للأسر وأيقن بالقتل جمع نفسه فصار على ظهر العصا وأعطاها عنانها وزجرها فذهبت تهوي به هوى الريح فنظر إليه جذيمة وهي تطاول به وأشرفت الزباء من قصرها فقالت ما أحسنك من عروس تجلي عليّ وتزف إليّ حتى دخلوا به إلى الزباء ولم يكن معها في قصرها إلا جوار أبكار أتراب. وكانت جالسة على سريرها وحولها ألف وصيفة كل واحدة لا تشبه صاحبتها في خلق ولا زي وهي بينهن كأنها قمر قد حفت به النجوم تزهو فأمرت بالإنطاع فبسطت، وقالت لوصائفها خذوا بيد سيدكن وبعل مولاتكن فأخذن بيده فأجلسته على الالطلاع بحيث يراها وتراه وتسمع كلامه ويسمع كلامها، ثم أمرت الجواري فقطعن رواهشه ووضعت الطشت تحت يده فجعلت تشخب في الطشت فقطرت قطرة على النطع فقالت لجواريها ألا تضيعوا دم الملك فقال جذيمة لا يحزنك دم أراقه أهله، فلما مات قالت والله ما وهى دمك ولا شفى قتلك ولكنه غيض من فيض ثم أمرت به فدفن وكان جذيمة قد استخلف على مملكته ابن أخته عمرو بن عدي وكان يخرج كل يوم إلى ظهر الحيرة يطلب الخبر ويقتفي الأثر عن خاله فخرج ذات يوم فنظر إلى فارس قد أقبل يهوي به فرسه هوى الريح فقال أما الفرس ففرس جذيمة وأما الراكب فكالهيمة لأمر ما جاءت العصا فأشرف عليهم قصير فقالوا ما وراءك قال سعى المقدر بالملك إلى حتفه على الرغم من انفي وأنفه فاطلب بثأرك من الزباء فقال عمرو وأي ثأر يطلب من الزباء وهي أمنع من عقاب الجو فقال قصير قد علمت نصحي كان لخالك وكان الأجل رائده والله لا أنا عن الطلب بدمه ما لاح نجم وطلعت شمس أو أدرك يه ثأراً أو تخترم نفسي فاعذر، ثم إنه عمد إلى أنفه فجدعه ثم لحق بالزباء على صورة كأنه هارب من عمرو بن عدي فيل لها هذا قصير بن سعد عم جذيمة وخازنه وصاحب أمره قد جاءك فأذنت له فقالت ما الذي جاءك إلينا يا قصير وبيننا وبينك دم عظيم الخطر فقال يا ابنة الملوك العظام لقد أتيت فيما يؤتي مثلك في مثله ولقد كان دم الملك يطلبه حتى أدركه وقد جئتك مستجيراً بك من عمرو بن عدي فإنه اتهمني بخاله وبمشورتي عليه بالمسير إليك فجدع أنفي وأخذ مالي وحال بيني وبين عيالي وتهددني بالقتل وإني خشيت على نفسي فهربت منه إليك، أنا مستجير بك ومستند إلى كهف عزك فقالت أهلاً وسهلاً، لك حق الجوار وذمة المستجير وأمرت به فأنزل وأجرت له الإنزال ووصلته وكسته وأخدمته وزادت في إكرامه وأقام مدة لا يكلمها ولا تكلمه وهو يطلب الحيلة عليها وموضع الفرصة منها وكانت ممتنعة بقصر مشيد على باب النفق تعتصم به فلا يقدر أحد عليها فقال لها قصير يوماً إن لي بالعراق مالاً كثيراً وذخائر نفيسة مما يصلح للملوك وإن أذنت لي في الخروج إلى العراق وأعطيتني شيئاً أتعلل به في التجارة وأجعله سبباً للوصول إلى مالي أتيتك بما قدرت عليه من ذلك، فأذنت له وأعطته مالاً فقدم العراق وبلاد كسرى فأطرفها من طرائفه وزادها مالاً إلى مالها كثيراً وقدم عليها فأعجبها ذلك وسرها وترتب له عندها منزلة وعاد إلى العراق ثانية فقدم بأكثر من ذلك طرفاً من الجواهر والبز والخز والديباج فازداد مكانه منها وازدادت منزلته عندها ورغبتها فيه، ولم يزل قصير يتلطف حتى عرف موضع النفق الذي تحت الفرات والطريق إليه ثم خرج ثالثة فقدم بأكثر من الأولتين ظرائف ولطائف فبلغ مكانه منها وموضعه عندها إلى أن كانت تستعين به في مهماتها وملماتها واسترسلت إليه وعولت في أمورها عليه وكان قصير رجلاً حسن العقل والوجه حصيناً لبيباً أديباً فقالت له يوماً أريد أغزو البلد الفلاني من أرض الشام فاخرج إلى العراق فاتني بكذا وكذا من السلاح والكراع والعبيد والثياب، فقال قصير ولي في بلاد عمرو بن عدي ألف بعير وخزانة من السلاح والكراع والعبيد والثياب وفيها كذا وكذا وما يعلم عمرو بها ولو علمها لأخذها واستعان بها على حربك وكنت أتربص به المنون وأنا أخرج متنكراً من حيث لا يعلم فآتيك بها مع الذي سألت فأعطته من المال ما أراد وقالت يا قصير الملك يحسن لمثلك وعلى يد مثلك يصلح أمره.ئف فبلغ مكانه منها وموضعه عندها إلى أن كانت تستعين به في مهماتها وملماتها واسترسلت إليه وعولت في أمورها عليه وكان قصير رجلاً حسن العقل والوجه حصيناً لبيباً أديباً فقالت له يوماً أريد أغزو البلد الفلاني من أرض الشام فاخرج إلى العراق فاتني بكذا وكذا من السلاح والكراع والعبيد والثياب، فقال قصير ولي في بلاد عمرو بن عدي ألف بعير وخزانة من السلاح والكراع والعبيد والثياب وفيها كذا وكذا وما يعلم عمرو بها ولو علمها لأخذها واستعان بها على حربك وكنت أتربص به المنون وأنا أخرج متنكراً من حيث لا يعلم فآتيك بها مع الذي سألت فأعطته من المال ما أراد وقالت يا قصير الملك يحسن لمثلك وعلى يد مثلك يصلح أمره.
    ولقد بلغني أن أمر جذيمة كان إيراده وإصداره إليكم وما تقصر يدك عن شيء تناله ولا يقعد بك حال ينهض بي وسمع بها رجل من خاصة قومها فقال أسد خادر وليث ثائر قد تحفز للوثبة ولما رأى قصير مكانه منها وتمكنه من قلبها قال الآن طاب المصاع وخرج من عندها فأتى عمر بن عدي فقال قد أصبت الفرصة من الزباء فانهض فعجل الوثبة، فقال له عمر وقل أسمع ومر أفعل فأنت طبيب هذه القرحة فقال الرجال والأموال قال حكمك فيما عندنا مسلط فعمد إلى ألفي رجل من فتيان قومه وصناديد أهل مملكته فحملهم على ألف بعير في الغرائز السود وألبسهم السلاح والسيوف والحجف وأنزلهم في الغرائز وجعل رؤوس المسوح من أسفالها مربوطة من داخل وكان عمرو فيهم وساق الخيل والعبيد والكراع والسلاح والإبل محملة فجاءها البشير فقال قد جاء قصير ولما قرب من المدينة حمل الرجال في الغرائز متسلحين بالسيوف والحجف وقال إذا توسطت الإبل مدينة فالإمارة بيننا كذا وكذا فاخترطوا الربط. فلما قربت العير من مدينة الزباء في قصرها فرأت الإبل تتهادى بأحمالها فارتابت بها وقد كان شيء بقصير إليها وحذرت منه فقالت للواشي به إليه أن قصيراً اليوم منا وهو ربيب هذه النعمة وصنيعة هذه الدولة وإنما يبعثكم على ذلك الحسد ليس فيكم مثله فقدح ما رأت من كثرة الإبل وعظم أحمالها في نفسها مع ما عندها من قول الواشي به إليها فقالت:
    ما للجمال مشيها وئيداً ● أجند لا يحملن أو حديدا
    أم صرفاناً بارداً شديداً ● أم الرجال في المسوح سودا
    ثم أقبلت على جواريها فقالت أرى الموت الأحمر في الغرائز السود فذهبت مثلاً حتى إذا توسطت الإبل المدينة وتكاملت ألقوا إليهم الإمارة فاخترطوا رؤوس الغرائز فسقط إلى الأرض ألفا ذراع بألفي باتر طالب ثأر القتيل غدراً وخرجت الزباء تمصع تريد النفق فسبقها إليه قصير فحال بينهما وبينه فلما رأت أن فد أحيط بها وملكت التقمت خاتماً في يدها تحت فصه سم ساعة وقالت بيدي لا بيدك يا عمرو فأدركها عمرو وقصير فضرباها بالسيف حتى هلكت وملكا مملكتها واحتويا على نعمتها وخط قصير على جذيمة قبراً وكتب على قبره هذه الأبيات يقول:
    ملك تمتع بالعساكر والقنا ● والمشرفية عزه ما يوصف
    فسعت منيته إلى أعدائه ● وهو المتوج والحسام المرهف
    ● وقد روينا أن ملكاً كان يقال له شمر ذو الجناح سار إلى سمر قند فحاصرها فلم يظفر منها بشيء فطاف حولها بالحرس فأخذ رجلاً من أهلها فاستمال قلبه وسأله عن المدينة فقال أما ملكها فأحمق الناس ليس له هم إلا الشراب والأكل والجماع ولكن له بنت هي التي تقضي أمر الناس فبعث منه هدية وقال أخبرها أني لم أجيء لالتماس المال فإن معي من المال أربعة آلاف تابوت ذهباً وفضة دافعها إليها وأمضى إلى الصين فإن كانت لي الأرض كانت امرأتي وإن هلكت كان المال لها فلما بلغتها رسالته قالت قد أجبته فليبعث بالمال فأرسل إليها أربعة آلاف تابوت في كل تابوت وجعل شمر العلامة بينه وبينهم أن يضرب بالجلجل فلما صاروا في المدينة ضرب بالجلجل فخرجوا فأخذوا الأبواب ونهض شمر في الناس فدخل المدينة فقتل أهلها وحوى ما فيها ثم سار إلى الصين. وقد كان كسرى من الذكاء على غاية فروينا عنه أنه تم غليه رجل بصديق له فكتب كسرى للنام قد اخترنا نصحك وذممنا صاحبك لسوء اختباره الإخوان.
    ● قال منجمو كسرى إنك تقتل فقال لأقتلن من يقتلني فأمر بسم فخلط في أدوية ثم كتب عليه دواء الجماع مجرب من أخذ منه وزن كذا جامع كذا وكذا مرة فلما قتله ابنه شيرويه وفتش خزائنه مربه فقال في نفسه هذا الدواء الذي كان يقوي به على السراري فأخذ منه فقتله وهو ميت. روتاية أن شيرويه لما أراد قتل أبيه بعث إليه من يقتله فلما دخل عليه قال إني أدلك على شيء لوجوب حقك يكون فيه غناك قال وما هو قال الصندوق والفلاني فذهب الرجل إلى شيرويه فأخبره الخبر فأخرج الصندوق وفيه حق فيه حب وثم مكتوب من اخذ منه واحدة افتض عشرة أبكار فطمع شيرويه في صحة ذلك فأخذه وعوض الرجل منه ثم أخذ منه حبة فكان هلاكه وكان كسرى أول ميت أخذ بثأره من حي.
    ● هزم بعض الملوك فنثر طالبيه زجاجاً ملوناً شبيهاً بالجوهر الأحمر والأخضر ودنانير صفراً مطلية بالذهب فتشاغل طالبوه بلقطها فنجا علم بعض الملوك بسكر يطلبه فأخذ شعيراً فطبخه بالماء مع قضبان الدفلى ثم جففه ثم جربه في دابة قلما أكلته نفقت من يومها فخرج هو وعسكره ناحية ونثر الشعير والميرة فلما سار القوم إليه ترك ما في معسكره وتنحى فجاؤوا فأطلقوا دوابهم في الشعير فهلكت كلها.
    ● حارب قوم ومعهم فيلة فقهروا عدوهم فأشار على العدو رجل أن يحملوا خنزيراً وأن يضربوه فلما سمعت الفيلة صوته هربت. جاء رجل معه هر تحت حضنه ومشى بسيفه إلى الفيل فلما دنا منه رمى بالهر في وجهه فأدبر الفيل هارباً وتساقط من كان فوقه فكبر المسلمون وكان سبب الهزيمة. قيل لأسلم بن زراعة أن انهزمت من أصحاب مرداس بن أدية يغضب عليك الأمير عبيد الله بن زياد قال يغضب علي وأنا حي أحب من أن يرضى عني وأنا ميت. خرج أمير ومعه رجل فيه ذكاء فبينما هم على الغداء قال للأمير اركب فقد لحقنا القدو قال كيف وما يرى أحد قال اركب عاجلاً فإن الأمر أسرع مما تحسب فركب وركب الناس فلاحت الغبرة وطلع عليهم سرعان الخيل فعجب الأمير وقال كيف علمت قال أما رأيت الوحش مقبلة علينا ومن شأن الوحوش الهرب منا فعلمت أنها لم تدع عاداتها إلا لأمر قد دهمها والله الموفق.

    الباب الرابع والعشرون والباب الخامس والعشرون Fasel10

    كتاب : الأذكياء
    لابن الجوزي
    منتدى حُكماء رحُماء . البوابة

    الباب الرابع والعشرون والباب الخامس والعشرون E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس 21 نوفمبر - 22:16