بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مختصر موسوعة المفاهيم العربية والإسلامية
الصادرة عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية
باق حرف الفاء
وحرف القاف حتى القرآن الكريم
مفهوم : الفُسْطاط
أول عواصم مصر الإسلامية اختطها الفاتح العربى المسلم عمرو بن العاص سنة 20هـ-642م لتكون مقرا لولاة مصر المسلمين. تقع على الجانب الشرقى للنيل فى الفضاء المجاور لحصن بابليون ، عند رأس الدلتا فى نقطة التقائها بجنوب الوادى. وقد ظلت العواصم المصرية تدورفى هذا الموقع وتنتقل فيه من موقع إلى آخر (ممفيس ، بابليون ، ثم العسكر ، القطائع ، القاهرة) ولكنها لم تخرج عنه إلا فى فترات عابرة فى التاريخ القومى (طيبة - الإسكندرية).
وفى بداية عهدها ضمت الفسطاط مسجدا جامعا يعرف بالجامع العتيق وتاج الجوامع ، وجامع عمرو هو أول جامع ينشأ فى إفريقيا، واختطت القبائل العربية التى تألف منها جيش القائد الفاتح حول الجامع ودار الإمارة، فاختير لكل جماعة "خطة" تنزل بها.
وعندما بنى العباسيون مدينة "العسكر" سنة 132هـ/750م ثم أحمد بن طولون مدينة "القطائع" سنة 254هـ-868م إلى الشمال من "فسطاط عمرو" أصبح مجموع المدن الثلاث يمثل مدينة مصر ، الفساط ، وأصبح
هذا التجمع العمرانى أكثر وضوحا بعد بناء مدينة "القاهرة" الفاطمية سنة 358هـ-969م.
كانت الفسطاط تنقسم جغرافيا إلى قسمين: "عمل أسفل" و "عمل فوق"، وكان بكل منها مسجد جامع: جامع عمرو فى عمل أسفل وسمى لذلك بـ "الجامع السفلانى" وجامع ابن طولون فى عمل فوق وسمى لذلك بـ "الجامع الفوقانى". كان عمل أسفل يمثل المنطقة الجنوبية الغربية للفسطاط ، ورغم كونه أكثر رطوبة، فإنه كان يحوى أغلب مبانى المدينة الهامة، ففيه كان المسجد الجامع ودار الضرب والأسواق والقياسر، وظل هذا الحى الغربى للمدينة شاهدا على الأحداث الأليمة التى عرفتها الفسطاط طوال تاريخها.
أما الجزء الآخر للمدينة فكان يشمل مساحة كبيرة فى اتجاه الشرق ويمتد حتى المقابر القديمة فى سفح المقطم ، وتمثل بركة الحبش الحد الطبيعى الجنوبى لهذا القسم من المدينة حيث توجد اليوم ضاحية القاهرة الجنوبية: البساتين ، بينما لم يكن لهذا القسم حد معين؟ ففى ذروة ازدهار ونمو الفسطاط خلال القرنين الرابع والخامس للهجرة/العاشر والحادى عشر للميلاد كان هذا القسم يمتد إلى ما يلى الخليج المصرى فى منطقة يصعب تحديدها تعادل ميدان السيدة زينب الحالى فيما وراء جبل يشكر، حيث يوجد منذ القرن الثالث الهجرى/التاسع الميلادى جامع ابن طولون. كان هذا القسم فى الأساس حيا سكنيا رغم حرمانه من المراكز التجارية والحرفية التى كانت مركزة كلها فى القسم الآخر للمدينة القريب من مجرى النيل.
ورغم أن القسم الغربى للمدينة أو عمل أسفل قد دمر أكثر من مرة، إلا أنه كان يعاد بناؤه دائما ولم يفقد أهميته الاقتصادية والتجارية، وظل حتى نهاية العصر المملوكى حيث كان يعتبر المدينة الثانية للإقليم بعد القاهرة بسبب قربه من النيل. أما القسم الشرقى للمدينة أو عمل فوق فقد دمر تماما منذ النصف الثانى للقرن الخامس الهجرى /الحادى عشر الميلادى ولم يعاود سكنه بعد ذلك بسبب الأوبئة والمجاعات والاضطرابات التى اجتاحت مصر كلها فى هذه الفترة.
وبسبب ذلك فقد تخرب القسم الشرقى كله فيما عدا منطقة المشاهد بين المشهد النفيسى وباب زويله التى تمثل الضاحية الجنوبية للقاهرة الفاطمية.
وطوال العصر الفاطمى (358-567هـ /969-1171م) كانت الفسطاط تعد مدينة مصر الرئيسية ومركز نشاطها الاقتصادى والصناعى والعلمى ، بينما كانت القاهرة هى مقر الحكومة الفاطمية ومركز الدولة الإدارى والسياسى والمعقل الرئيسى لنشر الدعوة الإسماعيلية، ويكون مجموع المدينتين العاصمة المصرية فى العصر الفاطمى.
وقرب نهاية العصر الفاطمى اجتاح الفسطاط حريق متعمد فى سنة 564هـ/1168م ، بناء على أوامر الوزير شاور السعدى، استمر أكثر من أربعة وخمسين يوما وأتى على أغلب المواضع الواقعة حول جامع عمرو، وعلى المناطق الشمالية الغربية المعروفة بالحقروات ، بينما كانت المناطق الشرقية قد تخربت كلية منذ أزمة منتصف القرن الخامس الهجرى/الحادى عشر الميلادى. ولم يأت عام (572هـ /1176م) إلا وكانت هذه الأقسام قد أعيد بناؤها كما يذكر ابن جبير فى رحلته.
ورغم أن القاهرة فقدت مكانتها كمركز للحكم فى العصرالأيوبى، بعد بناء قلعة الجبل ، وأخذت الأنشطة التجارية والحرفية تتسرب إليها، فإن قوة جذب الفسطاط كمركز صناعى واقتصادى ظلت كما هى حتى نهاية القرن السابع الهجرى/الثالث عشر الميلادى، بسبب قربها من مجرى النيل حيث كانت تلتقى عندها طرو التجارة القادمة من الإسكندرية والبحر الأحمر وداخل إفريقيا.
ولكن القاهرة بلغت أقصى ازدهارها كمركز تجارى وعلمى فى العصر المملوكى وخاصة فى زمن الناصر محمد بن قلاوون ، وحلت تدريجيا محل الفسطاط التى لم يبق منها فى مطلع القرن التاسع الهجرى /الخامس مجر الميلادى إلا ما بساحل النيل وما جاوره إلى ما يلى جامع عمرو وما قرب منه ، ودثرت أكثر خططها القديمة وتغيرت معالمها. ولم تجر أية محاولة للنهوض بالمدينة وإحياء دورها بسبب تحول طاقة التجارة المصرية ابتداء من عصر السلطان برسباى (825-742هـ /1421-1438م) واعتمادها على تجارة البحر المتوسط بعد أن كانت حتى هذا الوقت تعتمد على تجارة البحر الأحمر عبر الطريق التقليدى (عيذاب - قوص - الفسطاط) وعلى الأخص بعد تخرب ميناء عيذاب نهائيا فى أواسط القرن التاسع الهجرى /الخامس عشر الميلادى.
وقد أدى ذلك بالضرورة إلى فقدان الفسطاط لأهميتها الاقتصادية وهجر الناس لها وتخربها نهائيا فى نهاية القرن التاسع الهجرى، وبالطبع لم يكن هذا ممكنا إلا بعد إنشاء ميناء آخر للعاصمة فى طرفها الشمالى الغربى هو ميناء (بولاق) الذى بدأ فى الظهور اعتبارا من سنة 713هـ-1313م ولكنه لم يلعب دورا فى الحياة الاقتصادية للمدينة إلا ابتداء من القرن التاسع الهجرى/الخامس عشر الميلادى.
أ.د/ أيمن فؤاد سيد
مفهوم : الفرض
لغة: ما أوجبه الله عزوجل على عباده كما فى الوسيط، وهو ما يثاب الإنسان على فعله ويعاقب تاركه ، ويأتى الفرض بمعنى الإلزام أو التقدير كما فى اللسان.
واصطلاحا: ذهب جمهور الفقهاء على أنه لا فرق بين الفرض والواجب إلا فى الحج فقط.
وأما الحنفية فإنهم يعرفون الفرض بأنه ما عرف وجوبه بدليل قطعى موجب للعلم والعمل قطعا، أما ما عرف وجوبه بدليل ظنى فإنه يطلق عليه الواجب.
وهذا الاختلاف الواقع بين جمهور الفقهاء والحنفية فى المراد بالفرض والواجب خلاف لفظى. لأن الفرض والواجب يدلان على معنى الثبوت والتقدير، وكلاهما يثاب على فعله ويعاقب على تركه.
وينقسم الفرض باعتبار المكلف به إلى فرض عين وفرض كفاية، وثمة فروق بينهما هى:
1- فرض العين هو ما يطالب به كل إنسان بعينه ولا يجوز أن يؤديه بدلا منه أحد، ولا يسقط عن المكلف إلا بأداء ما فرض عليه كالصلاة والصيام والزكاة والحج. أما فرض الكفاية فهو مايطلب حصوله دون النظر إلى فاعله ، لكنه يسقط بفعل البعض، ويأثم الكل إن تركوه جميعا، إما إذا قام به البعض ولم يقم به الآخر، فإن من فعله يثاب ، وأما تاركه فإنه لايعاقب لسقوطه بفعل الغير، وذلك كصلاة الجنائز، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الثابت بقوله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} آل عمران:104 ، وكذلك تعليم الحرف وتعلمها فإنها من فروض الكفاية ،لأنه ليس مطلوبا من الناس جميعا تعلم حرفة واحدة.
2- فرض العين لايمكن أن يتحول إلى فرض كفاية، لأنه متعلق بعين الإنسان ذاته. أما فرض الكفاية فإنه يتحول من كفاية إلى فرض عين ، وذلك إذا تعين ، مثال ذلك: صلاة الجنازة فهى فرض كفاية، ولكن إذا لم يوجد غير مسلم واحد فى المكان الذى مات فيه مسلم تحول فرض الكفاية إلى فرض العين ، لعدم وجود من يقوم بالفعل سواه.
3- والفقهاء متفقون على أن فرض العين أقوى من فرض الكفاية، وإن اختلفوا فى أفضلية أحدهما على الآخر، لأن من ترك فرض العين أجبرعلى فعله كما فعل سيدنا أبو بكر رضى الله عنه مع مانعى الزكاة فإنه قاتلهم على تركها، وأجمع الصحابة على فعل أبى بكر دون إنكار. أما فرض الكفاية فإن الإنسان لا يجبر على فعله إلا إذا تعين فى حقه دون غيره.
4- وفرض العين إذا شرع الإنسان فى فعله ، فإن الواجب عليه أن يتم هذا الفعل ، إلا إذا طرأ عليه عذر يمنعه من إتمام هذا الفعل ، كمن صام نهار رمضان ، واشتد به المرض فله أن يقطع الصيام بسبب المرض. أما فرض الكفاية إذا قام به الإنسان ، فله أن يقطعه ، ولا يستمر فى أدائه ، كمن أراد أن يتعلم حرفة معينة ووجد أن غيره قد قام بتعلم هذه الحرفة، فله أن يقطع هذا الفعل لقيام غيره ، ولا إثم عليه.
5- نقل العطار فى حاشيته: إن قطع الطواف المفروض لصلاة الجنازة مكروه ، لأنه لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية، فإذا تزاحم فرض الكفاية وفرض العين فى وقت واحد، وكان الوقت لايسع إلا واحدا منهما، وجب تقديم فرض العين إلا إذا كان له بدل ، كما فى سقوط صلاة الجمعة عن إنسان له قريب يمرضه ولايوجد سواه يقوم بتمريضه والنظر فى مصالحه ورعايته.
6- ونرى أن لفرض الكفاية أمورا تتعلق بها مصالح دينية كصلاة الجنازة وغيرها، ومصالح دنيوية كتعلم الحرف وعلم الطب ونحو ذلك ، وهذه الأمور قد قصد الشرع الحكيم تحصيلها لما لها من أثرطيب فى حياة الفرد والمجتمع ، وهو فى نفس الوقت لم يكلف آحاد الناس بتحقيق هذه الأمور، وترك الأمر لكل إنسان على حسب رغبته فى تحصيل الخير، وتحقيق النفع العام لنفسه ولأبناء مجتمعه الذى يعيش فيه ، وذلك يختلف تماما عن فرض العين الذى كلف الشرع الحكيم كل إنسان بالقيام به ، وكلما حقق الإنسان فرض العين وأتى به ممتثلا لأمر ربه عز وجل ، كلما نال الأجر والثواب من الله تعالى، فكان الغرض من فرض العين هو الخضوع والامتثال لأمر رب العالمين ،وذلك بخلاف فرض الكفاية فإنه فى الغالب لايتكرر.
د/ صبرى عبدالرؤوف محمد
مفهوم : الفن
تعنى كلمة (الفن) مجمل الوسائل ، و المبادىء التى يقوم الإنسان بواسطتها بإنجاز عمل يعبر عن مشاعره وأفكاره ،فالعمل الفنى تجسيد لفكرة ما بأحد الأشكال التعبيرية.
والتعبير الفنى قائم بالفطرة الإنسانية منذ بدء الخليقة، فأقدم نموذج عرفة التاريخ هو تمثال لامرأة عارية من الحجر الجيرى ، عثر عليه فى النمسا، ويعرف باسم "فينوس ويللندوروف" ويرجع تاريخه إلى خمس وعشرين أو خمس وثلاثين ألف سنة، وهى الفترة التى يطلق عليها العصر الحجرى، أو ما قبل التاريخ ، والتى تنتهى مع بدايات التقويم الحالى، فقد كان الفن هو اللغة السائدة بين البشر قبل أن يعرف الإنسان الكتابة ويستخدمها فى التعبير.
والفن وثيق الارتباط بالتقدم الاجتماعى و بالعقل الإنسانى الذى كلما تقدم باتساع معرفته ، تأثر نتاجه بنفس هذا التقدم والأتساع.
ومن هنا كان الارتباط للفن بالحضارات إذ أنه يمثل مختلف قيمها ورقيها الفكرى والتعبيرى، وبالتالى أصبح لكل حضارة فنها الذى يحمل سماتها المميزة، لأنه يمثل الشكل الذى أضفاه الإنسان على تطلعاته ومشكلاته عبر مشواره الطويل فى البحث عن المعرفة والسيطرة والتعبير عن أحلامه ومخاوفه ،لذلك نجد أن الفن يمثل فى كل مجتمع إنسانى عنصرا أساسيا من العناصر المكونة للعقائد والطقوس ، والأعراف الأخلاقيه والاجتماعية، فهو يقع فى مفترق الطرق بين الفكر العلمى والفكر الفطرى، بين عالم الشهادة وعالم الغيب ، وبين الواقع والأمل ، لذلك لايمكن فهم وإدراك الفن بعيدا عن إطاره الاجتماعى وبيئته الزمانية.
وانطلاقا من ارتباط الفن بالحضارات يتم تقسيم تاريخ الفن وفقا لحقبات تطورها إجمالا، حيث إن التطورالإنسانى لا يخضع للتقويم الدقيق وإنما لمراحل إنجازاته وتآثيرها على المجتمع.
وقد جرى العرف على تقسيم الحضارات بفنونها على النحو التالى:
أوروبا الغربية من عصرما قبل التاريخ إلى الفن السلى. الشرق القديم ، مصر القديمة، كريت ، اليونان ، الفن الفارسى (وقد ضمت هذه الحقبة عصر جوستينيان ومعركة الايقونات (تحريم التصوير) بين اليهودية والمسيحية) فن الاستب ، الفن الأتروسكى، الفن الرومانى، الفن المسيحى القديم ، الفن االبيزنطى، الفن الإسلامى، الفن الأوروبى القديم ، الفن القوطى، الفن فيما بين القرن الثالث عشروحتى المدرسة التكلفية،الفن الباروكى والروكوكو، من الكلاسيكية الجديدة إلى أواخر القرن التاسع عشر مرورا بمذاهب الانتكائية والرومانسية والواقعية والتأثيرية والرمزية والفن الجديد وما بعد التأثيرية والتعبيرية.
أما الفن فى القرن العشرين فقد بدأ بأزمة انعكست على الفن بفصل الشكل عن المضمون ، وعرف هذا الاتجاه بالفن الحديث أو الفن التجريدى،وتنعكس هذه الأزمة على مئات المذاهب الفنية والتيارات التى تشابكت وتكررت بأسماء مختلفة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الحوشية والدادية والتكعيبية والتأليفية والمستقبلية والسريالية واللافن واللاشكل. وفن الكولاج (اللصق) وفن القمامة وفن الخردة وما إلى ذلك.
وينتهى هذا التقسيم الإجمالى للفن بالفنون الشعبية والفن الأفريقى والفن الهندى والفن فى جنوب شرق آسيا وفى الصين و فى كل من فيتنام وكوريا وفى اليابان و الفنون فى أوتيانيا، لينتهى بالفن لدى هنود الأمريكتين.
لقد قام الفن الكريتى واليونانى على أسس وانجازات الفن المصرى القديم و كامتداد له. كما يعتبرالفن الإسلامى وحضارته هو همزة الوصل نين العالم القديم والعالم الغرربى الحديث وتميز بتنوع شديد فى أساليبه و تفاصيله وتعرض لمختلف المجالات الفنية سواء أكانت من الفنون الأساسية أو من الفنون التطبيقية.
ويتسم الفن الإسلامى إجمالا ناتجاهين أساسيين رغم تباعدهما شكلا، وهما الاتجاه القائم على الفنون لممارسة فى الأقطار والحضارات التى امتد إليها الإسلام حيث أثر الإسلام فى تلك الفنون دون إلغائها،
والاتجاه القائم على الأشكال المجردة النباتية أو الهندسية، وهو خط جديد مرتبط بالرؤية الكلية للمسلمين للإنسان والكون والحياة، متأثرا بالفلسفة الإسلامية، وبأفكار المتصوفة المسلمين ويمكن تلخيصه بعبارة (المركز فى الإشعاع) إشارة إلى الخالق والمخلوق ، وهو كلا يمثل فرقا جوهريا بين المدارس التجريدية فى الغرب التى تفرض العبث والضياع ولبين التجريد فى الفن الإسلامى القائم على الربط بين الإنسان وخالقه ، لأن استبعاد المضمون عن الفن هو فى الواقع استبعاد للوجود الإنسانى برمته.
وأهم ما يميز الفن الإسلامى فى الفنون الأساسية هو: العمارة الدينية المتمثلة فى المساجد والمدارس والأسبلة، وكل ما يتعلق بهذا الجانب ، والعمارة المدنية من قصور ومنشأت عامة وأسواق وحمامات ومدافن ،والعمارة العسكرية من قلاع وحصون وأسوار. ووصلت براعة الفنان فى النقوش والزخارف التى تكسوها إلى درجة مذهلة سواء فى دقة تناوله ومعالجته الفنية للمواد الصلبة كالرخام والحجز أو فى فن الفسيفساء ولوحاته الجدارية التى وصلت ألوان بعضها إلى تسعة وعشرين لونا مختلفا، وهو رقم غير مسبوق انذاك.
ومن أهم إنجازاف الفن الإسلامى وإسهاماته فن الخط العربى بإمكانيات تشكيلاته اللانهائية، وفن المنمنمات ، وفن الكتب والأغلفة ، والمصاحف وزخارفها ، ويمثل فن الخزف والأوانى ذات البريق المعدنى، وفن الزجاج ملمحا متميزا إلى جانب فن المعادن والعاج والحلى والأحجار الكريمة والنسجيات بمجالاتها المختلفة من سجاد وملبوسات.
أ.د /زينب عبد العزيز
مفهوم : الفىء
لغة: مصدر فاء يفىء بمعنى رجع ، فالفىء هو الرجوع كما فى المعجم الوسيط.
واصطلاحا: ما يرجع من أموال الكافرين إلى المسلمين بدون قتال ولا ركوب خيل ، وقد ذكره الله فى كتابه: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شىء قدير}الحشر:16 ، وذلك مثل الأموال المبعوثة مع رسول إلى إمام المسلمين ،والأموال المأخوذة على موادعة أهل الحرب والفرقي بينه وبين الغنيمة من جهتين:
1- أن الغنيمة تكون بالحرب وإيجاف الخيل ، والفىء يكون بدون ذلك.
2- أن تقسيم الغنيمة يختلف عن تقسيم الفىء، مع أن الجميع من أموال الكافرين.
وقد شرعه الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته قال تعالى {ما أفاء الله على رسوله من أهل
القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} الحشر:7 ، وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وكانت للنبى خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقى يجعله فى الكراع والسلاح. وقد اختلف الفقهاء فى قسمة الفىء فقال قوم: أن الفىء لجميع المسلمين ، الفقير والغنى، وإن الإمام يعطى منه للمقاتلة وللحكام وللولاة، وينفق منه فى النوائب التى تنوب المسلمين ، كبناء القناطر وإصلاح المساجد، وغيرذلك ، ولا خمس فى شىء منه ، وبه قال الجمهور-عدا الشافعى- وهو الثابت عن أبى بكر وعمر وهذا هو المعنى العام للآية الكريمة، حيث بينت أنه لله وللرسول ، فما لله فهو لمصالح المسلمين ، وما للرسول فهو لنفقته صلى الله عليه وسلم فى حياته ، ثم لمصالح المسلمين بعد مماته ،
وكذلك ذووا القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، فلم يبق أحد من المسلمين إلا وله حق فى مال الفىء.
أما الشافعى فيرى أن الفىء يخمس أى يقسم على خمسة أسهم: سهم منها يقسم على المذكورين فى آية الفىء وهم أنفسهم المذكورون فى آية الغنيمة، وأربعة أخماس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، واجتهاد الإمام بعده ، ينفق منه على نفسه وعلى عياله ومن يري.
والصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو قول الشافعى فى القديم: أن الفىء لا يخمس وإنما كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذكروا معه فى قوله {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان..} الحشر:10.
فيكون عاما لجميع المسلمين بناء على اجتهاد الإمام ، قال ابن المنذر: ولا نحفظ من أحد قبل الشافعى فى الفىء الخمس كخمس الغنيمة وقد روى أن عمر لما قرأ آية الفىء قال: "استوعبت هذه الآية الناس ، فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فى هذا المال حق".
وعلى قول الشافعى يقسم الفىء على خمسة أسهم:
الأول: لله وللرسول صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وأهله وما فضله جعله فى سائر المصالح.
الثانى: لذوى القربى (بنى هاشم وبنى المطلب).
الثالث: لليتامى.
الرابع: للمساكين.
الخامس: لأبناء السبيل.
والأخماس الأربعة الباقية بعد تقسيم الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى حياته ، ولمصالح المسلمين بعد مماته توضع فى بيت المال ويصرف فى مصالح العامة.
والخلاف بين الشافعى والجمهور بسيط لأن كليهما يعود إلى مصالح المسلمين فى حياته وبعد مماته صلى الله عليه وسلم كما رأينا.
وقد ذكر البهوتى من الحنابلة ما يؤكد ذلك فى بيانه لمعنى الفىء وموارده ومصارفه فى الفقرة التالية: وموارد الفىء عديدة منها:
1- ما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب كما سبق.
2- الجزية.
3- الخراج.
4- زكاة نصارى تغلب.
5- عشر مال تجارة الحربى.
6- نصف العشر من تجارة الذمى.
7- ما تركه الكافرون فزعا وهربا.
8- خمس خمس الغنائم.
9- مال من مات منهم ولا وارث له.
10- مال المرتد إذا مات على ردته.
ويصرف كل ذلك الفىء فى مصالح المسلمين للآيتين ، ولهذا لما قرأ عمر الآيات (7-10) من سورة الحشر قال: " هذه استوعبت المسلمين "، وقال: أيضا " ما من أحد من المسلمين إلا له فى هذا المال نصيب إلا العبيد ".
وذكر أحمد الفىء فقال: فيه حق لكل المسلمين ، وهو بين الغنى والفقير، ولأن المصالح نفعها عام ،
والحاجة داعية إلى فعلها تحصيلا لها، ويبدأ بالأهم فالأهم من المصالح العامة.
أ.د/ محمد نبيل غنايم
مفهوم : القِبلة
لغة: الجهة، يقال: ما لكلامه قبلة. جهة. وأين جهتك.
واصطلاحا: التوجه إلى الكعبة فى الصلاة، لأن المسلمين يستقبلونها فى صلاتهم. وقد جعل الله التوجه إليها شرطا يجب على المصلى الإتيان به وإلا بطلت صلاته قال تعالى {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} البقرة:144.
والحاضر بالمسجد الحرام يجب عليه أن يستقبل الكعبة ذاتها والذى يقيم بعيدا عنها عليه أن يستقبل جهتها لأن هذا هو المستطاع له ، وقد يسر الله على عبادة كل ما يتصل بعبادتهم فعن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما بين المشرق والمغرب قبلة" وهذا بالنسبة لأهل المدينة ومن جرى مجراهم كأهل الشام والجزيرة والعراق.
وأما أهل مصر فقبلتهم بين الشرق والجنوب ، وأما أهل اليمن فالمشرق عن يمين المصلى والمغرب عن يساره ، وأهل الهند، المشرق يكون خلف المصلى والمغرب أمامه وهكذا ، ويستعان فى معرفة الاتجاه نحو الكعبة فى كل مكان ببيت الإبرة (البوصلة)، وإذا لم يتمكن المصلى من تحديد الاتجاه الصحيح نحو الكعبة بسبب غيم مثلا فعليه أن يسأل ويجتهد، فإذا فعل ذلك وأخطأ، فلا يعيد صلاته ، وإذا تبين الخطأ أثناء الصلاة صار إلى الصواب وهو فى صلاته ولا يقطعها، فعن بن عمر رضى الله عنهما قال: بينما الناس بقباء فى صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة ولا يسقط شرط استقبال القبلة الا فى الحالات الآتية:
1- صلاة النفل للراكب فقبلته حيث اتجهت وسيلة سفره من دابة أو سيارة أو طائرة فعن عامر بن ربيعة قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته حيث توجهت به ". رواه البخارى ومسلم ، وزاد البخارى: يومى، والترمذى: ولم يكن يضيف فى المكتوبة وعن أحمد ومسلم والترمذى: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى على راحلته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت به ، وفيه نزلت {فأينما
تولوا فثم وجه الله} البقرة:115.
2- صلاة المكره والمريض والخائف ، إذا عجروا عن استقبال القبلة لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا أمرتكم بأمرفأتوا منه ما استطعتم " وفى قوله تعالى {فإن خفتم فرجالا أوركبانا} البقرة:239.
قال ابن عمر رضى الله عنهما: مستقبلى القبلة، أوغيرمستقبلها.(رواه البخارى).
وإذا كان التوجه إلى القبلة يحقق للأمة هذا التوحد، فإنه يحقق لها. أيضا هذا التواصل مع أنبياء الله ورسله حيث كانوا يتوجهون إلى الكعبة المشرفة، ولذلك لما أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالتوجه إلى بيت المقدس كان منه السمع والطاعة وكانت اختبارا للناس فى حسن الاستجابة لأمر الله عز وجل فى سائر الأحوال ، وعلى السمع والطاعة من النبى صلى الله عليه وسلم و المؤمنين.
كانت الرغبة مع الرجاء فى أن يحقق الله لهم التوجه إلى أول بيت وضع للناس ،فاستجاب الله وحقق الرجاء، وأمر بالتوجه إلى القبلة التى يرضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصار الحال إلى ماحكاه ابن عباس ، وذكره البغوى: "البيت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة أهل المشرق والمغرب" وهو قول مالك رحمه الله.
وفى الصحيحين عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة" فأنزل الله عز وجل: {نرى تقلب وجهك فى السماء} البقرة:144. فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس {ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها} البقرة:142.
فقال الله تعالى {قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم} البقرة:142.
أ.د/ محمد رأفت سعيد
مفهوم : القبة
لغة: مفرد قباب ، وهى بناء مستدير، أو خيمة صغيرة أعلاها مستدير(كما في اللسان).
واصطلاحا: عنصر إنشائى كروى يغطى مساحة معينة من المبنى ليزيد من ارتفاع فراغها الداخلى.
وقد ظهرت القبة فى المبانى قبلي ظهور الإسلام وبعده ، كما ظهرت فى عمارة المسلمين وفى عمارة غير المسلمين ، وهى ليست بالضرورة عنصرا مميزا فى العمارة الإسلامية على الرغم من انتشارها فى تراث هذه العمارة.
وقد اشتهرت العمارة البيزنطية باستعمال القباب فى تغطية مساحات كبيرة من المبانى ثم انتقل استعمالها الى العمارة الإسلامية فى تركيا والعراق ومصر والشام.
وتبنى القباب إما بالطوب اللبن أو الحجر أو بنظم الإنشاء الحديدية أو من الخرسانة المسلحة، ومنها ما هومسمط ، ومنها ما تفتح فيها النوافذ للإنارة والتهوية.
وينتقل الشكل النصف كروى بالقبة إلى الشكل المربع عن طريق مثلثات كروية تعلوها مقرنصات جصية أو حجرية، وقد تتزايد هذه المقرنصات بإسراف فى بعض المبانى والقصورمثل قصرالحمراء بغرناطة،
وقد تختفى كما فى بعض مساجد القاهرة.
وتتخذ القبة أشكالا مختلفة: منها ما هو تام التكور، ومنها ماهو مدبب ، ومنها ما هو فى شكل بصلى كما فى العمارة الهندية، ومنها ما هو مخروطى الشكل.
وتزين القباب من الداخل والخارج فى بناء المساجد، وعادة ماتعلو القبة بيت الصلاة فى المساجد أو تعلو قاعات الاحتفالات الكبرى ، وأشهر القباب فى تاريخ العمارة الإسلامية:
القبة الخضراء على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقبة الصخرة عند المسجد الأقصى الذى بارك الله حوله.
وبناء القباب على الأضرحة والقبور يتنافى مع العقيدة الإسلامية باستثناء قبة المسجد النبوى الشريف.
د.م/ عبدالباقى إبراهيم
مفهوم : القصر
لغة: يدور حول معنيين: الحبس ، وألا يبلغ الشىء مداه ونهايته ، كما فى اللسان ، ومن الأول قوله تعالى {وعندهم قاصرات الطرف عين} الصافات:48.
ومن الثانى: قوله تعالى {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} النساء:101 ، ودلالة القصر، والحصر، والاختصاص متقاربة.
واصطلاحا: دلالة: قريبة من معنى الحبس اللغوى، لأنه تخصيص شىء بشىء بطريقة مخصوصة.
فجملة القصر المكونة من موصوف وصفة، تنتظم حكمين ، إثبات الحكم للمقصور عليه ، ونفيه عن غيره ، فهى تنحل إلى جملتين فى المعنى، وتغنى غناءهما، وتداخل النفى والإثبات فى القصر، يجعله مركزا ذا إشعاع
وظلال وقوة حسم لأنه من أقوى طرق التوكيد.
وينقسم القصر إلى:
أولا: القصر الحقيقى، والإضافى: وهذا التقسيم راجع إلى اعتقاد المتكلم ، وواقعه النفسى وإلى الواقع الخارجى، فالقصر إثبات شىء لشىء لايتعداه إلى غيره ، وهذا الغير المنفى: إذا كان عاما فى الواقع كان القصر حقيقيا وإن كان خاصا معينا كان قصرا إضافيا.
فالحقيقى كقوله تعالى {والهكم إله واحد لا إله إلا هو} البقرة:163. بقصر الألوهية على الله تعالى، بمعنى نفى كل فرد من الآلهة ثم حصرذلك المعنى فيه تبارك وتعالى.
والقصر الإضافى: تخصيص شىء بشىء دون غيره أومكانه.
وينقسم الإضافى إلى قصر قلب ، وإفراد وتعيين ، حسب حال المخاطب واعتقاده.
فقصر القلب إنما يكون فى المتقابلات فى الصفات ، والموصوفات: إذا كان المخاطب يعتقد عكس مايثبته المتكلم. كموقف المشركين من القرآن الكريم كما سجل القرآن على ألسنتهم قال تعالى {إن هذا إلا قول البشر} المدثر:25، وقوله: {إن هذا إلا أساطير الأولين} المؤمنون:83 ، وقوله تعالى {إن هذا إلا اختلاق} ص:7، دلالة الحيرة والاضطراب والكذب بأنه غير حق.
أما قصر الإفراد، فالمخاطب يعتقد إشتراك الموصوف فى صفتين أو قيام الصفة بموصوفين ، فيكون أسلوب القصر إفرادا لأحدهما ونفيا للثانى، كقولة تعالى {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر} الغاشية:21-22 ، والصفة المنفية الإكراه والإجبار.
وقصر التعيين حين يكون عند المخاطب إيهام وتردد كقولنا: إنما التحلل من القيم داء الأمم ، لمن يسوى أو يتردد بين آثار التخلق بالقيم والتحلل منها.
ثانيا: وينقسم باعتبار الطرفين: إلى قصر صفة على موصوف ، وقصر موصوف على صفة، والصفة مطلق المعنى القائم بالغير، وليس الصفة النحوية. والموصوف وما قام بنفسه ، سواء كان ذاتا أو معنى موصوفا.
فمن قصرالصفة على الموصوف قوله تعالى {ياك نعبد وإياك نستعين} الفاتحة:5. وهو قصر حقيقى إخلاصا فى العبادة، وطلب الإعانة.
ومن قصرالموصوف على الصفة قوله تعالى {وماتسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين} يوسف:104. وهو قصر إضافى،أما قصر الموصوف على الصفة قصرا حقيقيا، دون غيرها من الصفات ، فقالوا إنه لايكاد يوجد لتعذر الإحاطة بالصفات ، إلا بضرب من المبالغة. كقولك: ماشوقى إلا شاعر. فقد بلغ فى الشعر المدى حتى كأنه لاصفة له إلا الشعر ، وهذا كثير فى اللغة والاستعمال البليغ وإثبات صفة. دون سواها ، أو موصوف دون غيره فى القصر، إنما هو تحييد وتحديد يلتقط ما له خطر، ويدفع المنفى تمييزا وإظهارا للمعنى.
والطرفان من صفة أو موصوف قد يطول أحدهما استيفاء للمعنى وهو كثير فى القرآن الكريم قال تعالى {وماتكون فى شأن ، وماتتلوا منه من قرآن ولاتعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} يونس:61. وهو قصر لهذه الحالات الثلاث على كونها مشهودة مراقبة من الله تعالى غرسا للمراقبة فى أعماق الإنسان.
وطرق القصر كثيرة وهى الوسائل التى تحدث فى الأسلوب هذه الخصوصية ،ومنها: ضمير الفصل كقوله تعالى عن المتقين {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} البقرة:5. ومنها تعريف الطرفين كقوله تعالى {إننى أنا الله لا إله إلا أنا} طه:14.
وأشهر هذه الطرق أربعة:
1- النفى والاستثناء ويكون غالبا فى المقامات القوية الجهيرة، كقوله تعالى {وإن من شىء إلا عندنا خزائنه وماننزله إلا بقدر معلوم} الحجر:21، والمقصور عليه: المؤخر.
2- " إنما " -حملا على النفى والاستثناء- فى المقامات الجلية أو المنزلة منزلتها، وكثيرا ما تفيد التعريض -باقتضاء المقام- كقوله تعالى {إنما يستجيب الذين يسمعون}الأنعام:36 والمقصور عليه المؤخر.
3- تقديم ماحقه التأخيركقول تعالى {لكم دينكم ولى دين} الكافرون:6. وقوله تعالى {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير} الممتحنة:4. والمقصورعليه المقدم.
4- العطف ب " بل " و" لكن " و " لا "،ويشترط فى بل ولكن تقدم نفى، ومن شواهد هذا الطريق قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لاتشعرون} البقرة:154. وقول عز وجل {وماظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون} آل عمران:117 ، والواو لثانية لا تمنع القصر عند كثير من العلماء وتقول فى العطف بلا: شوقى شاعر لاخطيب.
لغة: الجهة، يقال: ما لكلامة قبلة، جهة.
أ.د/ صبّاح عبيد دراز
مفهوم : القراءات
لغة: جمع قراءة ، وهى مصدر سماعى لقرأ كما فى اللسان. ويراد بها الفعل الذى يفعله القارئ ويراد بها الأثر المترتبه على الفعل ، وهو الحروف والكلمات بمعانيها ، وهو المقروء، وهما متلازمان.
والمقروء هو القرآن إذا كان القارئ ينطق بكلام الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فحينئذ تكون القراءة والمقروء والقرآن شيئا واحد.
واصطلاحا: مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراءة مخالفا به غيره فى النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه ، سواء أكانت هذه المخالفة فى نطق الحروف أم فى نطق هيئاتها.
وتذكر القراءة والرواية والطريق والوجه ، فيراد بالقراءة ما ينسب إلى إمام من السبعة أو العشرة أو الأربعة عشرة أو غيرهم كفتح سين {مرساها}هود:41 ، لعاصم ، والرواية: ما ينسب إلى الراوى عند الإمام كإمالة {مجراها}هود:41 ، لحفص عن عاصم ، والطريق ما ينسبه إلى من دون الراوى كإدغام {إركب معنا}هود:42 ، من طريق الشاطبية، أو للهاشمى عن حفص عن عاصم، أما الوجه فلا ينسب إلى أحد، إذ هو مخير فيه عند الجميع ، كالوقف على {نستعين}الفاتحة:5 ، بالسكون ، أو الروم وهو الإتيان ببعض الحركة، أو الإشمام وهو هنا الإشارة إلى ضمة النون بضم الشفتين من غير صوت.
وإضافة القراءات إلى الشخص إضافة ملازمة واعتناء واختيار من بين القراءات الواردة، حسب ظروفه لا لأنه اخترعها.
وقولهم: قراءة النبى صلى الله عليه وسلم يعنون أن أهل الحديث نقلوها عنه ولم يدونها القراء من طرقهم ، وهو اصطلاح للمفسرين ومن تبعهم ، وإلا فجميع القراءات المعمول بها قراءة النبى صلى الله عليه وسلم .
وقراءات القرآن: مركب إضافى، والغريب فيه أنه من إضافة الأجزاء المخصوصة إلى الكل.
وقد ظهرت القراءات بعد الهجرة بظهور الأحرف السبعة التى نزل القرآن عليها، إذ هى فروع من الأحرف. وزاد عدد الفروع عن الأحرف لأمرين.
الأول: أن الأحرف كانت تتيح سبع ختمات ، ثم تداخلت إذ جاز أن تقرأ سورة البقرة مثلا على حرف وبقية الختمة على غيره ، لقوله صلى الله عليه وسلم (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) فنتجت ختمة ثامنة بقراءة ليست على حرف واحد من السبعة ولا خارجة عنها إلى حرف ثامن ، وعلى هذا النحو من التركيب الجائز واختلاف مواضعه فى القرآن تكثر القراءات.
الأمر الثانى: أن الأحرف السبعة لغات سبع ، واللغة الواحدة تسمح بنطقين أو أكثر فى اللفظ ، فتكون القراءات أكثر عددا من اللغات ، مثال ذلك لفظ (جبريل) قرئ فى العشر بكسر الجيم والراء وإثبات الياء وحذف الهمزة، وبفتح الجيم وكسر الراء وإثبات الياء وحذف الهمزة، وبفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة وياء مد، وبفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة غير ممدودة.
فالقراءتان الأوليان على لغة لا تهمز كأهل الحجاز ، والأخريان على لغة تهمز كتميم.
والقراءات توقيفية تلقينا أو إذنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الأدلة على ذلك: قوله تعالى: {وهذا لسان عربى مبين} النحل:103. مع ما عرف من أن لسان العرب نهج منهج تعدد وجوه النطق ،وهو مناهج البيان العربى، وبيان القرآن معجز، وقراءاته من محاسن وجوه إعجازه.
ومنها: أن أسانيد القراء على اختلاف قراءاتهم متصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتفصيلها فى الكتب المختصة.
ومنها الأحاديثه المروية فى نحو كتاب المستدرك للحاكم المتضمنة لقراءاته صلى الله عليه وسلم {مالك} بالألف الفاتحة:4 ، و {ملك} بدونها {وما كان لنبى أن يغل} آل عمران:161 ، بفتح الياء وضم الغين ، وبضم
الياء وفتح الغين {إنه عمل غير صالح} هود:46 (عمل) بفتح الميم والتنوين والرفع ،(غير) بالرفع ، و (عمل) بفتح اللام وكسر الميم فعلا ماضيا ، و (غير) بالنصب و {أيحسب} البلد:5،7 بفتح السين وكسرها ، وتواتر فى الأحاديث قراءة البسملة فى الصلاة، وتواتر ترك قراءتها أيضا.
ومنها إجماع أئمة الدين على أن الله تعالى أباح للصحابة رضى الله عنهم القراءة على لغتهم بشرط الأخذ عن النبى صلى الله عليه وسلم ومنها العقل ، فإن الضرورة قاضية بقراءة لتبليغ القرآن ، ولو كانت واحدة وما عداها ليس من البلاغ النبوى لكانت ملتبسة علينا بغيرها، ومحال أن يلتبس لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم بغيره والأمة أحرص ما تكون على متابعته حتى فى عادته التى لا يظهر لهم أن فيها تعبدا، مع خشيتهم الابتداع وائتمارهم بأن يقرءوا كما علموا، وتلاحيهم إذا سمعوا ما لم يسمعوه منه فالقراءات المعمول بها متساوية وتوقيفية.
وتنقسم القراءات -عموما- إلى متواترة، وشاذة. فالمتواترة هى القراءات المعمول بها من طرقها المعينة عن القراء العشرة، المعروفة فى الفن ، والشاذة ما عداها فى الفن ، والشاذة ما عداها.
أ.د/ عبد الغفور محمود مصطفى
القرآن الكريم
لغة: مصدر للفعل " قرأ " بمعنى تلا، ثم نقل من هذا المعنى المصدرى وجعل اسما لكلام الله تعالى.
واصطلاحا: هو كلام الله تعالى المعجز المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب فى المصاحف ، المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته.
وللقرآن الكريم أسماء كثيرة من أشهرها:
(أ) الفرقان: وسمى بذلك لتفرقته بين الحق والباطل ، قال تعالى {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نديرا} الفرقان:1.
(ب) الكتاب: كما فى قوله تعالى {الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا} الكهف:1.
(ج) الذكر: كما فى قوله عز وجل {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} الزخرف:44.
(د) التنزيل: كما فى قوله تعالى {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربى مبين} الشعراء:192-195.
هذه أشهر أسماء القرآن الكريم ، وقد ذكر له بعض العلماء أسماء أخرى إلا أنها فى الحقيقة صفات للقرآن الكريم وليست أسماء له.
وقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لمقاصد سامية من أهمها:
(أ) المقصد الأول ، أن يكون هداية للناس، يهديهم إلى ما يسعدهم فى دنياهم وفى آخرتهم.
وتمتاز هداية القرآن بتمامها وعمومها ووضوحها:
تمتاز بتمامها لأنها اشتملت على جميع ما تحتاج إليه البشرية فى عقائدها وعباداتها ومعاملاتها ، وسلوكها ، وآدابها ، وأخلاقها ،ومطالبها الروحية والمادية.
وتمتاز بعمومها، لأنها شملت الإنس والجن فى كل زمان ومكان ، لأن رسالة النبى صلى الله عليه وسلم الذى نزل القرآن على قلبه من ربه كانت رحمة للعالمين.
وتمتاز بوضوحها ، حيث يدركها الإنسان الذى رسخ فى ألوان العلوم والمعارف ، كما يدرك منها الأمى الذى لا يعرف القراءة والكتابة ما ينفعه ويصلحه.
(ب) المقصد الثانى: الذى من أجله أنزل الله تعالى القرآن الكريم أن يكون معجزة ناطقة فى فم الدنيا بصدق النبى صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه وشاهدة بأن هذا القرآن ليس من كلام مخلوق ، وإنما هو من كلام الخالق عز وجل ، والدليل الساطع على أن هذا القرآن هو المعجزة الكبرى للرسول صلى الله عليه وسلم التى تحدى الناس جميعا أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فنكصوا على أعقابهم وانقلبوا خاسرين. قال تعالى {وان كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ،وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} البقرة:23-24.
وإذا كانا العرب وهم أرسخ الناس قدما فى البلاغة والفصاحة والبيان ، قد عجروا عن أن يأتوا بسورة من مثل القرآن الكريم ، فغيرهم أشد عجزا، ولو أن أحدا أتى بمثل سورة واحدة من القرآن ، لنشرها أعداء الإسلام ، ولكننا لم نقرأ ولم نسمع بأن أحدا قد أتى بمثل هذه السورة، ومادام الأمر كذلك ، فقد ثبت أن هذا القرآن من عند الله: {ولو كان من عند غيرالله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} النساء:82.
(ج)المقصد الثالث: الذى من أجله أنزل الله القرآن الكريم ، هو التقرب إليه سبحانه بتلاوته بمعنى أن قراءة القرآن ، ترفع درجات المسلم ، وتزيد فى ثوابه وفى تهذيب أخلاقه ، وفى تنقية عقيدته وسلوكه ونطقه من كل ما لا يليق. قال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية. يرجون تجارة لن تبور} فاطر:29.
وفى الصحيحين عن عاتشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذى يقرأ القرآن وهو ماهر به -أى: يقروه قراءة صحيحة- مع الكرام البررة والذى يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له آجران عند الله تعالى).
وفى صحيح البخارى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
والقول الصحيح: إن أول ما نزل من القرآن ،هو صدر سورة "اقرأ" بدليل الأحاديث التى ،وردت فى ذلك.
وأما آخر ما نزل من القرآن فهو قوله {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ، ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لا يظلمون} البقرة:281. وهذا هو الرأى الراجح بين المحققين من لعلماء، لأن هذه الآية قد نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته بتسع ليال ،كما جاء فى بعض الروايات.
أما الآية التى يقول الله تعالى فيها: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة:3. فقد نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فى حجة الوداع ، وفى السنة لعاشرة من الهجرة، وكان نزولها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأكثر من شهرين. والمراد بإكمال الدين فى الآية الكريمة: إتمام النعمة، وإكمال تشريعاته التى تتعلق بالعبادات والمعاملات وغير ذلك من الأحكام. ولاشك أن الإسلام فى حجة الوداع ، كان قد ظهرتف شوكته ، وعلت كلمته.
والقرآن ينقسم إلى مكى ومدنى:
فالقرآن المكى: هو الذى نزل على لرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ولو كان نزوله فى غير مكة.
والقرآن المدنى: هو الذى نزل على لرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة ولو كان نزوله فى غير المدينة.
والسور المكية الخالصة عددها اثنتان وثمانون سورة، والسور المدنية الخالصة عددها عشرون سورة،
وهناك اثنتا عشرة سورة منها ما يغلب عليه النزول قبل الهجرة، وبذلك يكون عدد سور القرآن الكريم مائة وأربع عشرة سورة.
والسور المكية نراها فى الأعم الأغلب تفصل الحديث عن الأدلة على وحدانية الله وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ،وعلى أن يوم القيامة حق.
أما السور المدنية فنراها فى الأعم الأغلب تفصل الحديث عن الأدلة التى تتعلق بسمو الشريعة الإسلامية، فى معاملاتها ، وفى عباداتها ، وفى تنظيمها للأسرة وللعلاقات بين المسلمين وغيرهم.
ومن المتفق عليه بين المسلمين أن نزول القرآن الكريم على النبى صلى الله عليه وسلم استغرق مدة تزيد على عشرين سنه ، وقد ذكر العلماء حكما وأسرارا لنزول القرآن مفرقا من أهمها:
1- تثبيت قلب النبى صلى الله عليه وسلم وتسليته عما أصابه من قومه عن طريق قصص الأنبياء السابقين.
2- التدرج فى تربية الأمة دينيا وأخلاقيا وثقافيا واجتماعيا وعقليا.
3- الإجابة على أسئلة السائلين الذين كانوا يسألون النبى صلى الله عليه وسلم أسئلة معينة، فينزل القرآن بالإجابة عليها.
4- لفت أنظار المؤمنين إلى ما وقعوا فيه من أخطاء حتى لا يعودوا إليها مرة أخرى.
5- تيسير حفظ القرآن فقد كان الصحابة كلما نزلت آية أو آيات حفظوها عن النبى صلى الله عليه وسلم. وأكثر سور القرآن وآياته نزلت للهداية والسعادة الإنسانية فى حاضرها ومستقبلها ،ومنه ما نزل لبيان ما هو حق فى أحداث خاصة حدثت بين المسلمين فيما بينهم ، أو حدثت بينهم وبين غيرهم ، كالآيات التى نزلت فى أعقاب حديث الإفك ، الذى أشاعه المنافقون عن السيدة عائشة رضى الله عنها وكالآيات التى نزلت فى أعقاب ما حدث من حاطب بن أبى بلتعة عندما أخبر أهل مكة بأن المسلمين يعدون العدة لفتح مكة.
والتفسير معناه: التوضيح والتبيين لشىء يحتاج إلى ذلك ، وقد عرف العلماء علم التفسير للقرآن: بأنه علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى فى كلامه بقدر الطاقة البشرية.
ويعد علم التفسيرمن العلوم التى لايستغنى عنها، فعن طريقه يستطيع المسلم أن يعرف ما إشتمل عليه القرآن من هدايات وتوجيهات.
وكتب التفسير للقرآن الكريم كثيرة ومتنوعة، منها القديم ومنها الحديثه ، ومنها الكبير، ومنها المتوسط ، ومنها الوجيز، ومنها التفسير بالمأثور، كتفسير ابن جرير الطبرى المتوفى سنة 310هـ ، وتفسير" الدر المنثور فى
التفسير بالمأثور " للسيوطى المتوفى سنة 911هـ ، ومنها تفسير الإمام ابن كثير المتوفى سنة 774هـ ، ومنها التفسير بالرأى: كتفسير "البيضاوى" وتفسير الفخر الرازى، وتفسير الكشاف ، وتفسير الألوسى وغيرهم. ولكل تفسير من هذه التفاسير مزاياه التى قد لا توجد فى غيره.
أ.د/ محمد سيد طنطاوى
منتديات الرسالة الخاتمة
أول عواصم مصر الإسلامية اختطها الفاتح العربى المسلم عمرو بن العاص سنة 20هـ-642م لتكون مقرا لولاة مصر المسلمين. تقع على الجانب الشرقى للنيل فى الفضاء المجاور لحصن بابليون ، عند رأس الدلتا فى نقطة التقائها بجنوب الوادى. وقد ظلت العواصم المصرية تدورفى هذا الموقع وتنتقل فيه من موقع إلى آخر (ممفيس ، بابليون ، ثم العسكر ، القطائع ، القاهرة) ولكنها لم تخرج عنه إلا فى فترات عابرة فى التاريخ القومى (طيبة - الإسكندرية).
وفى بداية عهدها ضمت الفسطاط مسجدا جامعا يعرف بالجامع العتيق وتاج الجوامع ، وجامع عمرو هو أول جامع ينشأ فى إفريقيا، واختطت القبائل العربية التى تألف منها جيش القائد الفاتح حول الجامع ودار الإمارة، فاختير لكل جماعة "خطة" تنزل بها.
وعندما بنى العباسيون مدينة "العسكر" سنة 132هـ/750م ثم أحمد بن طولون مدينة "القطائع" سنة 254هـ-868م إلى الشمال من "فسطاط عمرو" أصبح مجموع المدن الثلاث يمثل مدينة مصر ، الفساط ، وأصبح
هذا التجمع العمرانى أكثر وضوحا بعد بناء مدينة "القاهرة" الفاطمية سنة 358هـ-969م.
كانت الفسطاط تنقسم جغرافيا إلى قسمين: "عمل أسفل" و "عمل فوق"، وكان بكل منها مسجد جامع: جامع عمرو فى عمل أسفل وسمى لذلك بـ "الجامع السفلانى" وجامع ابن طولون فى عمل فوق وسمى لذلك بـ "الجامع الفوقانى". كان عمل أسفل يمثل المنطقة الجنوبية الغربية للفسطاط ، ورغم كونه أكثر رطوبة، فإنه كان يحوى أغلب مبانى المدينة الهامة، ففيه كان المسجد الجامع ودار الضرب والأسواق والقياسر، وظل هذا الحى الغربى للمدينة شاهدا على الأحداث الأليمة التى عرفتها الفسطاط طوال تاريخها.
أما الجزء الآخر للمدينة فكان يشمل مساحة كبيرة فى اتجاه الشرق ويمتد حتى المقابر القديمة فى سفح المقطم ، وتمثل بركة الحبش الحد الطبيعى الجنوبى لهذا القسم من المدينة حيث توجد اليوم ضاحية القاهرة الجنوبية: البساتين ، بينما لم يكن لهذا القسم حد معين؟ ففى ذروة ازدهار ونمو الفسطاط خلال القرنين الرابع والخامس للهجرة/العاشر والحادى عشر للميلاد كان هذا القسم يمتد إلى ما يلى الخليج المصرى فى منطقة يصعب تحديدها تعادل ميدان السيدة زينب الحالى فيما وراء جبل يشكر، حيث يوجد منذ القرن الثالث الهجرى/التاسع الميلادى جامع ابن طولون. كان هذا القسم فى الأساس حيا سكنيا رغم حرمانه من المراكز التجارية والحرفية التى كانت مركزة كلها فى القسم الآخر للمدينة القريب من مجرى النيل.
ورغم أن القسم الغربى للمدينة أو عمل أسفل قد دمر أكثر من مرة، إلا أنه كان يعاد بناؤه دائما ولم يفقد أهميته الاقتصادية والتجارية، وظل حتى نهاية العصر المملوكى حيث كان يعتبر المدينة الثانية للإقليم بعد القاهرة بسبب قربه من النيل. أما القسم الشرقى للمدينة أو عمل فوق فقد دمر تماما منذ النصف الثانى للقرن الخامس الهجرى /الحادى عشر الميلادى ولم يعاود سكنه بعد ذلك بسبب الأوبئة والمجاعات والاضطرابات التى اجتاحت مصر كلها فى هذه الفترة.
وبسبب ذلك فقد تخرب القسم الشرقى كله فيما عدا منطقة المشاهد بين المشهد النفيسى وباب زويله التى تمثل الضاحية الجنوبية للقاهرة الفاطمية.
وطوال العصر الفاطمى (358-567هـ /969-1171م) كانت الفسطاط تعد مدينة مصر الرئيسية ومركز نشاطها الاقتصادى والصناعى والعلمى ، بينما كانت القاهرة هى مقر الحكومة الفاطمية ومركز الدولة الإدارى والسياسى والمعقل الرئيسى لنشر الدعوة الإسماعيلية، ويكون مجموع المدينتين العاصمة المصرية فى العصر الفاطمى.
وقرب نهاية العصر الفاطمى اجتاح الفسطاط حريق متعمد فى سنة 564هـ/1168م ، بناء على أوامر الوزير شاور السعدى، استمر أكثر من أربعة وخمسين يوما وأتى على أغلب المواضع الواقعة حول جامع عمرو، وعلى المناطق الشمالية الغربية المعروفة بالحقروات ، بينما كانت المناطق الشرقية قد تخربت كلية منذ أزمة منتصف القرن الخامس الهجرى/الحادى عشر الميلادى. ولم يأت عام (572هـ /1176م) إلا وكانت هذه الأقسام قد أعيد بناؤها كما يذكر ابن جبير فى رحلته.
ورغم أن القاهرة فقدت مكانتها كمركز للحكم فى العصرالأيوبى، بعد بناء قلعة الجبل ، وأخذت الأنشطة التجارية والحرفية تتسرب إليها، فإن قوة جذب الفسطاط كمركز صناعى واقتصادى ظلت كما هى حتى نهاية القرن السابع الهجرى/الثالث عشر الميلادى، بسبب قربها من مجرى النيل حيث كانت تلتقى عندها طرو التجارة القادمة من الإسكندرية والبحر الأحمر وداخل إفريقيا.
ولكن القاهرة بلغت أقصى ازدهارها كمركز تجارى وعلمى فى العصر المملوكى وخاصة فى زمن الناصر محمد بن قلاوون ، وحلت تدريجيا محل الفسطاط التى لم يبق منها فى مطلع القرن التاسع الهجرى /الخامس مجر الميلادى إلا ما بساحل النيل وما جاوره إلى ما يلى جامع عمرو وما قرب منه ، ودثرت أكثر خططها القديمة وتغيرت معالمها. ولم تجر أية محاولة للنهوض بالمدينة وإحياء دورها بسبب تحول طاقة التجارة المصرية ابتداء من عصر السلطان برسباى (825-742هـ /1421-1438م) واعتمادها على تجارة البحر المتوسط بعد أن كانت حتى هذا الوقت تعتمد على تجارة البحر الأحمر عبر الطريق التقليدى (عيذاب - قوص - الفسطاط) وعلى الأخص بعد تخرب ميناء عيذاب نهائيا فى أواسط القرن التاسع الهجرى /الخامس عشر الميلادى.
وقد أدى ذلك بالضرورة إلى فقدان الفسطاط لأهميتها الاقتصادية وهجر الناس لها وتخربها نهائيا فى نهاية القرن التاسع الهجرى، وبالطبع لم يكن هذا ممكنا إلا بعد إنشاء ميناء آخر للعاصمة فى طرفها الشمالى الغربى هو ميناء (بولاق) الذى بدأ فى الظهور اعتبارا من سنة 713هـ-1313م ولكنه لم يلعب دورا فى الحياة الاقتصادية للمدينة إلا ابتداء من القرن التاسع الهجرى/الخامس عشر الميلادى.
أ.د/ أيمن فؤاد سيد
مفهوم : الفرض
لغة: ما أوجبه الله عزوجل على عباده كما فى الوسيط، وهو ما يثاب الإنسان على فعله ويعاقب تاركه ، ويأتى الفرض بمعنى الإلزام أو التقدير كما فى اللسان.
واصطلاحا: ذهب جمهور الفقهاء على أنه لا فرق بين الفرض والواجب إلا فى الحج فقط.
وأما الحنفية فإنهم يعرفون الفرض بأنه ما عرف وجوبه بدليل قطعى موجب للعلم والعمل قطعا، أما ما عرف وجوبه بدليل ظنى فإنه يطلق عليه الواجب.
وهذا الاختلاف الواقع بين جمهور الفقهاء والحنفية فى المراد بالفرض والواجب خلاف لفظى. لأن الفرض والواجب يدلان على معنى الثبوت والتقدير، وكلاهما يثاب على فعله ويعاقب على تركه.
وينقسم الفرض باعتبار المكلف به إلى فرض عين وفرض كفاية، وثمة فروق بينهما هى:
1- فرض العين هو ما يطالب به كل إنسان بعينه ولا يجوز أن يؤديه بدلا منه أحد، ولا يسقط عن المكلف إلا بأداء ما فرض عليه كالصلاة والصيام والزكاة والحج. أما فرض الكفاية فهو مايطلب حصوله دون النظر إلى فاعله ، لكنه يسقط بفعل البعض، ويأثم الكل إن تركوه جميعا، إما إذا قام به البعض ولم يقم به الآخر، فإن من فعله يثاب ، وأما تاركه فإنه لايعاقب لسقوطه بفعل الغير، وذلك كصلاة الجنائز، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الثابت بقوله تعالى {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} آل عمران:104 ، وكذلك تعليم الحرف وتعلمها فإنها من فروض الكفاية ،لأنه ليس مطلوبا من الناس جميعا تعلم حرفة واحدة.
2- فرض العين لايمكن أن يتحول إلى فرض كفاية، لأنه متعلق بعين الإنسان ذاته. أما فرض الكفاية فإنه يتحول من كفاية إلى فرض عين ، وذلك إذا تعين ، مثال ذلك: صلاة الجنازة فهى فرض كفاية، ولكن إذا لم يوجد غير مسلم واحد فى المكان الذى مات فيه مسلم تحول فرض الكفاية إلى فرض العين ، لعدم وجود من يقوم بالفعل سواه.
3- والفقهاء متفقون على أن فرض العين أقوى من فرض الكفاية، وإن اختلفوا فى أفضلية أحدهما على الآخر، لأن من ترك فرض العين أجبرعلى فعله كما فعل سيدنا أبو بكر رضى الله عنه مع مانعى الزكاة فإنه قاتلهم على تركها، وأجمع الصحابة على فعل أبى بكر دون إنكار. أما فرض الكفاية فإن الإنسان لا يجبر على فعله إلا إذا تعين فى حقه دون غيره.
4- وفرض العين إذا شرع الإنسان فى فعله ، فإن الواجب عليه أن يتم هذا الفعل ، إلا إذا طرأ عليه عذر يمنعه من إتمام هذا الفعل ، كمن صام نهار رمضان ، واشتد به المرض فله أن يقطع الصيام بسبب المرض. أما فرض الكفاية إذا قام به الإنسان ، فله أن يقطعه ، ولا يستمر فى أدائه ، كمن أراد أن يتعلم حرفة معينة ووجد أن غيره قد قام بتعلم هذه الحرفة، فله أن يقطع هذا الفعل لقيام غيره ، ولا إثم عليه.
5- نقل العطار فى حاشيته: إن قطع الطواف المفروض لصلاة الجنازة مكروه ، لأنه لا يحسن ترك فرض العين لفرض الكفاية، فإذا تزاحم فرض الكفاية وفرض العين فى وقت واحد، وكان الوقت لايسع إلا واحدا منهما، وجب تقديم فرض العين إلا إذا كان له بدل ، كما فى سقوط صلاة الجمعة عن إنسان له قريب يمرضه ولايوجد سواه يقوم بتمريضه والنظر فى مصالحه ورعايته.
6- ونرى أن لفرض الكفاية أمورا تتعلق بها مصالح دينية كصلاة الجنازة وغيرها، ومصالح دنيوية كتعلم الحرف وعلم الطب ونحو ذلك ، وهذه الأمور قد قصد الشرع الحكيم تحصيلها لما لها من أثرطيب فى حياة الفرد والمجتمع ، وهو فى نفس الوقت لم يكلف آحاد الناس بتحقيق هذه الأمور، وترك الأمر لكل إنسان على حسب رغبته فى تحصيل الخير، وتحقيق النفع العام لنفسه ولأبناء مجتمعه الذى يعيش فيه ، وذلك يختلف تماما عن فرض العين الذى كلف الشرع الحكيم كل إنسان بالقيام به ، وكلما حقق الإنسان فرض العين وأتى به ممتثلا لأمر ربه عز وجل ، كلما نال الأجر والثواب من الله تعالى، فكان الغرض من فرض العين هو الخضوع والامتثال لأمر رب العالمين ،وذلك بخلاف فرض الكفاية فإنه فى الغالب لايتكرر.
د/ صبرى عبدالرؤوف محمد
مفهوم : الفن
تعنى كلمة (الفن) مجمل الوسائل ، و المبادىء التى يقوم الإنسان بواسطتها بإنجاز عمل يعبر عن مشاعره وأفكاره ،فالعمل الفنى تجسيد لفكرة ما بأحد الأشكال التعبيرية.
والتعبير الفنى قائم بالفطرة الإنسانية منذ بدء الخليقة، فأقدم نموذج عرفة التاريخ هو تمثال لامرأة عارية من الحجر الجيرى ، عثر عليه فى النمسا، ويعرف باسم "فينوس ويللندوروف" ويرجع تاريخه إلى خمس وعشرين أو خمس وثلاثين ألف سنة، وهى الفترة التى يطلق عليها العصر الحجرى، أو ما قبل التاريخ ، والتى تنتهى مع بدايات التقويم الحالى، فقد كان الفن هو اللغة السائدة بين البشر قبل أن يعرف الإنسان الكتابة ويستخدمها فى التعبير.
والفن وثيق الارتباط بالتقدم الاجتماعى و بالعقل الإنسانى الذى كلما تقدم باتساع معرفته ، تأثر نتاجه بنفس هذا التقدم والأتساع.
ومن هنا كان الارتباط للفن بالحضارات إذ أنه يمثل مختلف قيمها ورقيها الفكرى والتعبيرى، وبالتالى أصبح لكل حضارة فنها الذى يحمل سماتها المميزة، لأنه يمثل الشكل الذى أضفاه الإنسان على تطلعاته ومشكلاته عبر مشواره الطويل فى البحث عن المعرفة والسيطرة والتعبير عن أحلامه ومخاوفه ،لذلك نجد أن الفن يمثل فى كل مجتمع إنسانى عنصرا أساسيا من العناصر المكونة للعقائد والطقوس ، والأعراف الأخلاقيه والاجتماعية، فهو يقع فى مفترق الطرق بين الفكر العلمى والفكر الفطرى، بين عالم الشهادة وعالم الغيب ، وبين الواقع والأمل ، لذلك لايمكن فهم وإدراك الفن بعيدا عن إطاره الاجتماعى وبيئته الزمانية.
وانطلاقا من ارتباط الفن بالحضارات يتم تقسيم تاريخ الفن وفقا لحقبات تطورها إجمالا، حيث إن التطورالإنسانى لا يخضع للتقويم الدقيق وإنما لمراحل إنجازاته وتآثيرها على المجتمع.
وقد جرى العرف على تقسيم الحضارات بفنونها على النحو التالى:
أوروبا الغربية من عصرما قبل التاريخ إلى الفن السلى. الشرق القديم ، مصر القديمة، كريت ، اليونان ، الفن الفارسى (وقد ضمت هذه الحقبة عصر جوستينيان ومعركة الايقونات (تحريم التصوير) بين اليهودية والمسيحية) فن الاستب ، الفن الأتروسكى، الفن الرومانى، الفن المسيحى القديم ، الفن االبيزنطى، الفن الإسلامى، الفن الأوروبى القديم ، الفن القوطى، الفن فيما بين القرن الثالث عشروحتى المدرسة التكلفية،الفن الباروكى والروكوكو، من الكلاسيكية الجديدة إلى أواخر القرن التاسع عشر مرورا بمذاهب الانتكائية والرومانسية والواقعية والتأثيرية والرمزية والفن الجديد وما بعد التأثيرية والتعبيرية.
أما الفن فى القرن العشرين فقد بدأ بأزمة انعكست على الفن بفصل الشكل عن المضمون ، وعرف هذا الاتجاه بالفن الحديث أو الفن التجريدى،وتنعكس هذه الأزمة على مئات المذاهب الفنية والتيارات التى تشابكت وتكررت بأسماء مختلفة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: الحوشية والدادية والتكعيبية والتأليفية والمستقبلية والسريالية واللافن واللاشكل. وفن الكولاج (اللصق) وفن القمامة وفن الخردة وما إلى ذلك.
وينتهى هذا التقسيم الإجمالى للفن بالفنون الشعبية والفن الأفريقى والفن الهندى والفن فى جنوب شرق آسيا وفى الصين و فى كل من فيتنام وكوريا وفى اليابان و الفنون فى أوتيانيا، لينتهى بالفن لدى هنود الأمريكتين.
لقد قام الفن الكريتى واليونانى على أسس وانجازات الفن المصرى القديم و كامتداد له. كما يعتبرالفن الإسلامى وحضارته هو همزة الوصل نين العالم القديم والعالم الغرربى الحديث وتميز بتنوع شديد فى أساليبه و تفاصيله وتعرض لمختلف المجالات الفنية سواء أكانت من الفنون الأساسية أو من الفنون التطبيقية.
ويتسم الفن الإسلامى إجمالا ناتجاهين أساسيين رغم تباعدهما شكلا، وهما الاتجاه القائم على الفنون لممارسة فى الأقطار والحضارات التى امتد إليها الإسلام حيث أثر الإسلام فى تلك الفنون دون إلغائها،
والاتجاه القائم على الأشكال المجردة النباتية أو الهندسية، وهو خط جديد مرتبط بالرؤية الكلية للمسلمين للإنسان والكون والحياة، متأثرا بالفلسفة الإسلامية، وبأفكار المتصوفة المسلمين ويمكن تلخيصه بعبارة (المركز فى الإشعاع) إشارة إلى الخالق والمخلوق ، وهو كلا يمثل فرقا جوهريا بين المدارس التجريدية فى الغرب التى تفرض العبث والضياع ولبين التجريد فى الفن الإسلامى القائم على الربط بين الإنسان وخالقه ، لأن استبعاد المضمون عن الفن هو فى الواقع استبعاد للوجود الإنسانى برمته.
وأهم ما يميز الفن الإسلامى فى الفنون الأساسية هو: العمارة الدينية المتمثلة فى المساجد والمدارس والأسبلة، وكل ما يتعلق بهذا الجانب ، والعمارة المدنية من قصور ومنشأت عامة وأسواق وحمامات ومدافن ،والعمارة العسكرية من قلاع وحصون وأسوار. ووصلت براعة الفنان فى النقوش والزخارف التى تكسوها إلى درجة مذهلة سواء فى دقة تناوله ومعالجته الفنية للمواد الصلبة كالرخام والحجز أو فى فن الفسيفساء ولوحاته الجدارية التى وصلت ألوان بعضها إلى تسعة وعشرين لونا مختلفا، وهو رقم غير مسبوق انذاك.
ومن أهم إنجازاف الفن الإسلامى وإسهاماته فن الخط العربى بإمكانيات تشكيلاته اللانهائية، وفن المنمنمات ، وفن الكتب والأغلفة ، والمصاحف وزخارفها ، ويمثل فن الخزف والأوانى ذات البريق المعدنى، وفن الزجاج ملمحا متميزا إلى جانب فن المعادن والعاج والحلى والأحجار الكريمة والنسجيات بمجالاتها المختلفة من سجاد وملبوسات.
أ.د /زينب عبد العزيز
مفهوم : الفىء
لغة: مصدر فاء يفىء بمعنى رجع ، فالفىء هو الرجوع كما فى المعجم الوسيط.
واصطلاحا: ما يرجع من أموال الكافرين إلى المسلمين بدون قتال ولا ركوب خيل ، وقد ذكره الله فى كتابه: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شىء قدير}الحشر:16 ، وذلك مثل الأموال المبعوثة مع رسول إلى إمام المسلمين ،والأموال المأخوذة على موادعة أهل الحرب والفرقي بينه وبين الغنيمة من جهتين:
1- أن الغنيمة تكون بالحرب وإيجاف الخيل ، والفىء يكون بدون ذلك.
2- أن تقسيم الغنيمة يختلف عن تقسيم الفىء، مع أن الجميع من أموال الكافرين.
وقد شرعه الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته قال تعالى {ما أفاء الله على رسوله من أهل
القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم} الحشر:7 ، وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قال: كانت أموال بنى النضير مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وكانت للنبى خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة، وما بقى يجعله فى الكراع والسلاح. وقد اختلف الفقهاء فى قسمة الفىء فقال قوم: أن الفىء لجميع المسلمين ، الفقير والغنى، وإن الإمام يعطى منه للمقاتلة وللحكام وللولاة، وينفق منه فى النوائب التى تنوب المسلمين ، كبناء القناطر وإصلاح المساجد، وغيرذلك ، ولا خمس فى شىء منه ، وبه قال الجمهور-عدا الشافعى- وهو الثابت عن أبى بكر وعمر وهذا هو المعنى العام للآية الكريمة، حيث بينت أنه لله وللرسول ، فما لله فهو لمصالح المسلمين ، وما للرسول فهو لنفقته صلى الله عليه وسلم فى حياته ، ثم لمصالح المسلمين بعد مماته ،
وكذلك ذووا القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، فلم يبق أحد من المسلمين إلا وله حق فى مال الفىء.
أما الشافعى فيرى أن الفىء يخمس أى يقسم على خمسة أسهم: سهم منها يقسم على المذكورين فى آية الفىء وهم أنفسهم المذكورون فى آية الغنيمة، وأربعة أخماس لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، واجتهاد الإمام بعده ، ينفق منه على نفسه وعلى عياله ومن يري.
والصحيح ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والحنابلة، وهو قول الشافعى فى القديم: أن الفىء لا يخمس وإنما كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذكروا معه فى قوله {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان..} الحشر:10.
فيكون عاما لجميع المسلمين بناء على اجتهاد الإمام ، قال ابن المنذر: ولا نحفظ من أحد قبل الشافعى فى الفىء الخمس كخمس الغنيمة وقد روى أن عمر لما قرأ آية الفىء قال: "استوعبت هذه الآية الناس ، فلم يبق أحد من المسلمين إلا له فى هذا المال حق".
وعلى قول الشافعى يقسم الفىء على خمسة أسهم:
الأول: لله وللرسول صلى الله عليه وسلم ينفق منه على نفسه وأهله وما فضله جعله فى سائر المصالح.
الثانى: لذوى القربى (بنى هاشم وبنى المطلب).
الثالث: لليتامى.
الرابع: للمساكين.
الخامس: لأبناء السبيل.
والأخماس الأربعة الباقية بعد تقسيم الخمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فى حياته ، ولمصالح المسلمين بعد مماته توضع فى بيت المال ويصرف فى مصالح العامة.
والخلاف بين الشافعى والجمهور بسيط لأن كليهما يعود إلى مصالح المسلمين فى حياته وبعد مماته صلى الله عليه وسلم كما رأينا.
وقد ذكر البهوتى من الحنابلة ما يؤكد ذلك فى بيانه لمعنى الفىء وموارده ومصارفه فى الفقرة التالية: وموارد الفىء عديدة منها:
1- ما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب كما سبق.
2- الجزية.
3- الخراج.
4- زكاة نصارى تغلب.
5- عشر مال تجارة الحربى.
6- نصف العشر من تجارة الذمى.
7- ما تركه الكافرون فزعا وهربا.
8- خمس خمس الغنائم.
9- مال من مات منهم ولا وارث له.
10- مال المرتد إذا مات على ردته.
ويصرف كل ذلك الفىء فى مصالح المسلمين للآيتين ، ولهذا لما قرأ عمر الآيات (7-10) من سورة الحشر قال: " هذه استوعبت المسلمين "، وقال: أيضا " ما من أحد من المسلمين إلا له فى هذا المال نصيب إلا العبيد ".
وذكر أحمد الفىء فقال: فيه حق لكل المسلمين ، وهو بين الغنى والفقير، ولأن المصالح نفعها عام ،
والحاجة داعية إلى فعلها تحصيلا لها، ويبدأ بالأهم فالأهم من المصالح العامة.
أ.د/ محمد نبيل غنايم
مفهوم : القِبلة
لغة: الجهة، يقال: ما لكلامه قبلة. جهة. وأين جهتك.
واصطلاحا: التوجه إلى الكعبة فى الصلاة، لأن المسلمين يستقبلونها فى صلاتهم. وقد جعل الله التوجه إليها شرطا يجب على المصلى الإتيان به وإلا بطلت صلاته قال تعالى {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} البقرة:144.
والحاضر بالمسجد الحرام يجب عليه أن يستقبل الكعبة ذاتها والذى يقيم بعيدا عنها عليه أن يستقبل جهتها لأن هذا هو المستطاع له ، وقد يسر الله على عبادة كل ما يتصل بعبادتهم فعن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال "ما بين المشرق والمغرب قبلة" وهذا بالنسبة لأهل المدينة ومن جرى مجراهم كأهل الشام والجزيرة والعراق.
وأما أهل مصر فقبلتهم بين الشرق والجنوب ، وأما أهل اليمن فالمشرق عن يمين المصلى والمغرب عن يساره ، وأهل الهند، المشرق يكون خلف المصلى والمغرب أمامه وهكذا ، ويستعان فى معرفة الاتجاه نحو الكعبة فى كل مكان ببيت الإبرة (البوصلة)، وإذا لم يتمكن المصلى من تحديد الاتجاه الصحيح نحو الكعبة بسبب غيم مثلا فعليه أن يسأل ويجتهد، فإذا فعل ذلك وأخطأ، فلا يعيد صلاته ، وإذا تبين الخطأ أثناء الصلاة صار إلى الصواب وهو فى صلاته ولا يقطعها، فعن بن عمر رضى الله عنهما قال: بينما الناس بقباء فى صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبى صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة، فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة ولا يسقط شرط استقبال القبلة الا فى الحالات الآتية:
1- صلاة النفل للراكب فقبلته حيث اتجهت وسيلة سفره من دابة أو سيارة أو طائرة فعن عامر بن ربيعة قال: " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى على راحلته حيث توجهت به ". رواه البخارى ومسلم ، وزاد البخارى: يومى، والترمذى: ولم يكن يضيف فى المكتوبة وعن أحمد ومسلم والترمذى: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى على راحلته وهو مقبل من مكة إلى المدينة حيثما توجهت به ، وفيه نزلت {فأينما
تولوا فثم وجه الله} البقرة:115.
2- صلاة المكره والمريض والخائف ، إذا عجروا عن استقبال القبلة لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال " إذا أمرتكم بأمرفأتوا منه ما استطعتم " وفى قوله تعالى {فإن خفتم فرجالا أوركبانا} البقرة:239.
قال ابن عمر رضى الله عنهما: مستقبلى القبلة، أوغيرمستقبلها.(رواه البخارى).
وإذا كان التوجه إلى القبلة يحقق للأمة هذا التوحد، فإنه يحقق لها. أيضا هذا التواصل مع أنبياء الله ورسله حيث كانوا يتوجهون إلى الكعبة المشرفة، ولذلك لما أمر النبى صلى الله عليه وسلم بالتوجه إلى بيت المقدس كان منه السمع والطاعة وكانت اختبارا للناس فى حسن الاستجابة لأمر الله عز وجل فى سائر الأحوال ، وعلى السمع والطاعة من النبى صلى الله عليه وسلم و المؤمنين.
كانت الرغبة مع الرجاء فى أن يحقق الله لهم التوجه إلى أول بيت وضع للناس ،فاستجاب الله وحقق الرجاء، وأمر بالتوجه إلى القبلة التى يرضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصار الحال إلى ماحكاه ابن عباس ، وذكره البغوى: "البيت قبلة لأهل المسجد ، والمسجد قبلة لأهل الحرم ، والحرم قبلة أهل المشرق والمغرب" وهو قول مالك رحمه الله.
وفى الصحيحين عن البراء بن عازب رضى الله عنه قال "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا وكان يحب أن يوجه إلى الكعبة" فأنزل الله عز وجل: {نرى تقلب وجهك فى السماء} البقرة:144. فتوجه نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس {ما ولاهم عن قبلتهم التى كانوا عليها} البقرة:142.
فقال الله تعالى {قل لله المشرق والمغرب يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم} البقرة:142.
أ.د/ محمد رأفت سعيد
مفهوم : القبة
لغة: مفرد قباب ، وهى بناء مستدير، أو خيمة صغيرة أعلاها مستدير(كما في اللسان).
واصطلاحا: عنصر إنشائى كروى يغطى مساحة معينة من المبنى ليزيد من ارتفاع فراغها الداخلى.
وقد ظهرت القبة فى المبانى قبلي ظهور الإسلام وبعده ، كما ظهرت فى عمارة المسلمين وفى عمارة غير المسلمين ، وهى ليست بالضرورة عنصرا مميزا فى العمارة الإسلامية على الرغم من انتشارها فى تراث هذه العمارة.
وقد اشتهرت العمارة البيزنطية باستعمال القباب فى تغطية مساحات كبيرة من المبانى ثم انتقل استعمالها الى العمارة الإسلامية فى تركيا والعراق ومصر والشام.
وتبنى القباب إما بالطوب اللبن أو الحجر أو بنظم الإنشاء الحديدية أو من الخرسانة المسلحة، ومنها ما هومسمط ، ومنها ما تفتح فيها النوافذ للإنارة والتهوية.
وينتقل الشكل النصف كروى بالقبة إلى الشكل المربع عن طريق مثلثات كروية تعلوها مقرنصات جصية أو حجرية، وقد تتزايد هذه المقرنصات بإسراف فى بعض المبانى والقصورمثل قصرالحمراء بغرناطة،
وقد تختفى كما فى بعض مساجد القاهرة.
وتتخذ القبة أشكالا مختلفة: منها ما هو تام التكور، ومنها ماهو مدبب ، ومنها ما هو فى شكل بصلى كما فى العمارة الهندية، ومنها ما هو مخروطى الشكل.
وتزين القباب من الداخل والخارج فى بناء المساجد، وعادة ماتعلو القبة بيت الصلاة فى المساجد أو تعلو قاعات الاحتفالات الكبرى ، وأشهر القباب فى تاريخ العمارة الإسلامية:
القبة الخضراء على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقبة الصخرة عند المسجد الأقصى الذى بارك الله حوله.
وبناء القباب على الأضرحة والقبور يتنافى مع العقيدة الإسلامية باستثناء قبة المسجد النبوى الشريف.
د.م/ عبدالباقى إبراهيم
مفهوم : القصر
لغة: يدور حول معنيين: الحبس ، وألا يبلغ الشىء مداه ونهايته ، كما فى اللسان ، ومن الأول قوله تعالى {وعندهم قاصرات الطرف عين} الصافات:48.
ومن الثانى: قوله تعالى {فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة} النساء:101 ، ودلالة القصر، والحصر، والاختصاص متقاربة.
واصطلاحا: دلالة: قريبة من معنى الحبس اللغوى، لأنه تخصيص شىء بشىء بطريقة مخصوصة.
فجملة القصر المكونة من موصوف وصفة، تنتظم حكمين ، إثبات الحكم للمقصور عليه ، ونفيه عن غيره ، فهى تنحل إلى جملتين فى المعنى، وتغنى غناءهما، وتداخل النفى والإثبات فى القصر، يجعله مركزا ذا إشعاع
وظلال وقوة حسم لأنه من أقوى طرق التوكيد.
وينقسم القصر إلى:
أولا: القصر الحقيقى، والإضافى: وهذا التقسيم راجع إلى اعتقاد المتكلم ، وواقعه النفسى وإلى الواقع الخارجى، فالقصر إثبات شىء لشىء لايتعداه إلى غيره ، وهذا الغير المنفى: إذا كان عاما فى الواقع كان القصر حقيقيا وإن كان خاصا معينا كان قصرا إضافيا.
فالحقيقى كقوله تعالى {والهكم إله واحد لا إله إلا هو} البقرة:163. بقصر الألوهية على الله تعالى، بمعنى نفى كل فرد من الآلهة ثم حصرذلك المعنى فيه تبارك وتعالى.
والقصر الإضافى: تخصيص شىء بشىء دون غيره أومكانه.
وينقسم الإضافى إلى قصر قلب ، وإفراد وتعيين ، حسب حال المخاطب واعتقاده.
فقصر القلب إنما يكون فى المتقابلات فى الصفات ، والموصوفات: إذا كان المخاطب يعتقد عكس مايثبته المتكلم. كموقف المشركين من القرآن الكريم كما سجل القرآن على ألسنتهم قال تعالى {إن هذا إلا قول البشر} المدثر:25، وقوله: {إن هذا إلا أساطير الأولين} المؤمنون:83 ، وقوله تعالى {إن هذا إلا اختلاق} ص:7، دلالة الحيرة والاضطراب والكذب بأنه غير حق.
أما قصر الإفراد، فالمخاطب يعتقد إشتراك الموصوف فى صفتين أو قيام الصفة بموصوفين ، فيكون أسلوب القصر إفرادا لأحدهما ونفيا للثانى، كقولة تعالى {فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر} الغاشية:21-22 ، والصفة المنفية الإكراه والإجبار.
وقصر التعيين حين يكون عند المخاطب إيهام وتردد كقولنا: إنما التحلل من القيم داء الأمم ، لمن يسوى أو يتردد بين آثار التخلق بالقيم والتحلل منها.
ثانيا: وينقسم باعتبار الطرفين: إلى قصر صفة على موصوف ، وقصر موصوف على صفة، والصفة مطلق المعنى القائم بالغير، وليس الصفة النحوية. والموصوف وما قام بنفسه ، سواء كان ذاتا أو معنى موصوفا.
فمن قصرالصفة على الموصوف قوله تعالى {ياك نعبد وإياك نستعين} الفاتحة:5. وهو قصر حقيقى إخلاصا فى العبادة، وطلب الإعانة.
ومن قصرالموصوف على الصفة قوله تعالى {وماتسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين} يوسف:104. وهو قصر إضافى،أما قصر الموصوف على الصفة قصرا حقيقيا، دون غيرها من الصفات ، فقالوا إنه لايكاد يوجد لتعذر الإحاطة بالصفات ، إلا بضرب من المبالغة. كقولك: ماشوقى إلا شاعر. فقد بلغ فى الشعر المدى حتى كأنه لاصفة له إلا الشعر ، وهذا كثير فى اللغة والاستعمال البليغ وإثبات صفة. دون سواها ، أو موصوف دون غيره فى القصر، إنما هو تحييد وتحديد يلتقط ما له خطر، ويدفع المنفى تمييزا وإظهارا للمعنى.
والطرفان من صفة أو موصوف قد يطول أحدهما استيفاء للمعنى وهو كثير فى القرآن الكريم قال تعالى {وماتكون فى شأن ، وماتتلوا منه من قرآن ولاتعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه} يونس:61. وهو قصر لهذه الحالات الثلاث على كونها مشهودة مراقبة من الله تعالى غرسا للمراقبة فى أعماق الإنسان.
وطرق القصر كثيرة وهى الوسائل التى تحدث فى الأسلوب هذه الخصوصية ،ومنها: ضمير الفصل كقوله تعالى عن المتقين {أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون} البقرة:5. ومنها تعريف الطرفين كقوله تعالى {إننى أنا الله لا إله إلا أنا} طه:14.
وأشهر هذه الطرق أربعة:
1- النفى والاستثناء ويكون غالبا فى المقامات القوية الجهيرة، كقوله تعالى {وإن من شىء إلا عندنا خزائنه وماننزله إلا بقدر معلوم} الحجر:21، والمقصور عليه: المؤخر.
2- " إنما " -حملا على النفى والاستثناء- فى المقامات الجلية أو المنزلة منزلتها، وكثيرا ما تفيد التعريض -باقتضاء المقام- كقوله تعالى {إنما يستجيب الذين يسمعون}الأنعام:36 والمقصور عليه المؤخر.
3- تقديم ماحقه التأخيركقول تعالى {لكم دينكم ولى دين} الكافرون:6. وقوله تعالى {ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا واليك المصير} الممتحنة:4. والمقصورعليه المقدم.
4- العطف ب " بل " و" لكن " و " لا "،ويشترط فى بل ولكن تقدم نفى، ومن شواهد هذا الطريق قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لاتشعرون} البقرة:154. وقول عز وجل {وماظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون} آل عمران:117 ، والواو لثانية لا تمنع القصر عند كثير من العلماء وتقول فى العطف بلا: شوقى شاعر لاخطيب.
لغة: الجهة، يقال: ما لكلامة قبلة، جهة.
أ.د/ صبّاح عبيد دراز
مفهوم : القراءات
لغة: جمع قراءة ، وهى مصدر سماعى لقرأ كما فى اللسان. ويراد بها الفعل الذى يفعله القارئ ويراد بها الأثر المترتبه على الفعل ، وهو الحروف والكلمات بمعانيها ، وهو المقروء، وهما متلازمان.
والمقروء هو القرآن إذا كان القارئ ينطق بكلام الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم فحينئذ تكون القراءة والمقروء والقرآن شيئا واحد.
واصطلاحا: مذهب يذهب إليه إمام من أئمة القراءة مخالفا به غيره فى النطق بالقرآن الكريم مع اتفاق الروايات والطرق عنه ، سواء أكانت هذه المخالفة فى نطق الحروف أم فى نطق هيئاتها.
وتذكر القراءة والرواية والطريق والوجه ، فيراد بالقراءة ما ينسب إلى إمام من السبعة أو العشرة أو الأربعة عشرة أو غيرهم كفتح سين {مرساها}هود:41 ، لعاصم ، والرواية: ما ينسب إلى الراوى عند الإمام كإمالة {مجراها}هود:41 ، لحفص عن عاصم ، والطريق ما ينسبه إلى من دون الراوى كإدغام {إركب معنا}هود:42 ، من طريق الشاطبية، أو للهاشمى عن حفص عن عاصم، أما الوجه فلا ينسب إلى أحد، إذ هو مخير فيه عند الجميع ، كالوقف على {نستعين}الفاتحة:5 ، بالسكون ، أو الروم وهو الإتيان ببعض الحركة، أو الإشمام وهو هنا الإشارة إلى ضمة النون بضم الشفتين من غير صوت.
وإضافة القراءات إلى الشخص إضافة ملازمة واعتناء واختيار من بين القراءات الواردة، حسب ظروفه لا لأنه اخترعها.
وقولهم: قراءة النبى صلى الله عليه وسلم يعنون أن أهل الحديث نقلوها عنه ولم يدونها القراء من طرقهم ، وهو اصطلاح للمفسرين ومن تبعهم ، وإلا فجميع القراءات المعمول بها قراءة النبى صلى الله عليه وسلم .
وقراءات القرآن: مركب إضافى، والغريب فيه أنه من إضافة الأجزاء المخصوصة إلى الكل.
وقد ظهرت القراءات بعد الهجرة بظهور الأحرف السبعة التى نزل القرآن عليها، إذ هى فروع من الأحرف. وزاد عدد الفروع عن الأحرف لأمرين.
الأول: أن الأحرف كانت تتيح سبع ختمات ، ثم تداخلت إذ جاز أن تقرأ سورة البقرة مثلا على حرف وبقية الختمة على غيره ، لقوله صلى الله عليه وسلم (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه) فنتجت ختمة ثامنة بقراءة ليست على حرف واحد من السبعة ولا خارجة عنها إلى حرف ثامن ، وعلى هذا النحو من التركيب الجائز واختلاف مواضعه فى القرآن تكثر القراءات.
الأمر الثانى: أن الأحرف السبعة لغات سبع ، واللغة الواحدة تسمح بنطقين أو أكثر فى اللفظ ، فتكون القراءات أكثر عددا من اللغات ، مثال ذلك لفظ (جبريل) قرئ فى العشر بكسر الجيم والراء وإثبات الياء وحذف الهمزة، وبفتح الجيم وكسر الراء وإثبات الياء وحذف الهمزة، وبفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة وياء مد، وبفتح الجيم والراء وهمزة مكسورة غير ممدودة.
فالقراءتان الأوليان على لغة لا تهمز كأهل الحجاز ، والأخريان على لغة تهمز كتميم.
والقراءات توقيفية تلقينا أو إذنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الأدلة على ذلك: قوله تعالى: {وهذا لسان عربى مبين} النحل:103. مع ما عرف من أن لسان العرب نهج منهج تعدد وجوه النطق ،وهو مناهج البيان العربى، وبيان القرآن معجز، وقراءاته من محاسن وجوه إعجازه.
ومنها: أن أسانيد القراء على اختلاف قراءاتهم متصلة برسول الله صلى الله عليه وسلم وتفصيلها فى الكتب المختصة.
ومنها الأحاديثه المروية فى نحو كتاب المستدرك للحاكم المتضمنة لقراءاته صلى الله عليه وسلم {مالك} بالألف الفاتحة:4 ، و {ملك} بدونها {وما كان لنبى أن يغل} آل عمران:161 ، بفتح الياء وضم الغين ، وبضم
الياء وفتح الغين {إنه عمل غير صالح} هود:46 (عمل) بفتح الميم والتنوين والرفع ،(غير) بالرفع ، و (عمل) بفتح اللام وكسر الميم فعلا ماضيا ، و (غير) بالنصب و {أيحسب} البلد:5،7 بفتح السين وكسرها ، وتواتر فى الأحاديث قراءة البسملة فى الصلاة، وتواتر ترك قراءتها أيضا.
ومنها إجماع أئمة الدين على أن الله تعالى أباح للصحابة رضى الله عنهم القراءة على لغتهم بشرط الأخذ عن النبى صلى الله عليه وسلم ومنها العقل ، فإن الضرورة قاضية بقراءة لتبليغ القرآن ، ولو كانت واحدة وما عداها ليس من البلاغ النبوى لكانت ملتبسة علينا بغيرها، ومحال أن يلتبس لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم بغيره والأمة أحرص ما تكون على متابعته حتى فى عادته التى لا يظهر لهم أن فيها تعبدا، مع خشيتهم الابتداع وائتمارهم بأن يقرءوا كما علموا، وتلاحيهم إذا سمعوا ما لم يسمعوه منه فالقراءات المعمول بها متساوية وتوقيفية.
وتنقسم القراءات -عموما- إلى متواترة، وشاذة. فالمتواترة هى القراءات المعمول بها من طرقها المعينة عن القراء العشرة، المعروفة فى الفن ، والشاذة ما عداها فى الفن ، والشاذة ما عداها.
أ.د/ عبد الغفور محمود مصطفى
القرآن الكريم
لغة: مصدر للفعل " قرأ " بمعنى تلا، ثم نقل من هذا المعنى المصدرى وجعل اسما لكلام الله تعالى.
واصطلاحا: هو كلام الله تعالى المعجز المنزل على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم المكتوب فى المصاحف ، المنقول بالتواتر ، المتعبد بتلاوته.
وللقرآن الكريم أسماء كثيرة من أشهرها:
(أ) الفرقان: وسمى بذلك لتفرقته بين الحق والباطل ، قال تعالى {تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نديرا} الفرقان:1.
(ب) الكتاب: كما فى قوله تعالى {الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا} الكهف:1.
(ج) الذكر: كما فى قوله عز وجل {وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} الزخرف:44.
(د) التنزيل: كما فى قوله تعالى {وإنه لتنزيل رب العالمين. نزل به الروح الأمين. على قلبك لتكون من المنذرين. بلسان عربى مبين} الشعراء:192-195.
هذه أشهر أسماء القرآن الكريم ، وقد ذكر له بعض العلماء أسماء أخرى إلا أنها فى الحقيقة صفات للقرآن الكريم وليست أسماء له.
وقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم لمقاصد سامية من أهمها:
(أ) المقصد الأول ، أن يكون هداية للناس، يهديهم إلى ما يسعدهم فى دنياهم وفى آخرتهم.
وتمتاز هداية القرآن بتمامها وعمومها ووضوحها:
تمتاز بتمامها لأنها اشتملت على جميع ما تحتاج إليه البشرية فى عقائدها وعباداتها ومعاملاتها ، وسلوكها ، وآدابها ، وأخلاقها ،ومطالبها الروحية والمادية.
وتمتاز بعمومها، لأنها شملت الإنس والجن فى كل زمان ومكان ، لأن رسالة النبى صلى الله عليه وسلم الذى نزل القرآن على قلبه من ربه كانت رحمة للعالمين.
وتمتاز بوضوحها ، حيث يدركها الإنسان الذى رسخ فى ألوان العلوم والمعارف ، كما يدرك منها الأمى الذى لا يعرف القراءة والكتابة ما ينفعه ويصلحه.
(ب) المقصد الثانى: الذى من أجله أنزل الله تعالى القرآن الكريم أن يكون معجزة ناطقة فى فم الدنيا بصدق النبى صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه وشاهدة بأن هذا القرآن ليس من كلام مخلوق ، وإنما هو من كلام الخالق عز وجل ، والدليل الساطع على أن هذا القرآن هو المعجزة الكبرى للرسول صلى الله عليه وسلم التى تحدى الناس جميعا أن يأتوا بمثله فعجزوا، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة من مثله فنكصوا على أعقابهم وانقلبوا خاسرين. قال تعالى {وان كنتم فى ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ،وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين. فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التى وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين} البقرة:23-24.
وإذا كانا العرب وهم أرسخ الناس قدما فى البلاغة والفصاحة والبيان ، قد عجروا عن أن يأتوا بسورة من مثل القرآن الكريم ، فغيرهم أشد عجزا، ولو أن أحدا أتى بمثل سورة واحدة من القرآن ، لنشرها أعداء الإسلام ، ولكننا لم نقرأ ولم نسمع بأن أحدا قد أتى بمثل هذه السورة، ومادام الأمر كذلك ، فقد ثبت أن هذا القرآن من عند الله: {ولو كان من عند غيرالله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} النساء:82.
(ج)المقصد الثالث: الذى من أجله أنزل الله القرآن الكريم ، هو التقرب إليه سبحانه بتلاوته بمعنى أن قراءة القرآن ، ترفع درجات المسلم ، وتزيد فى ثوابه وفى تهذيب أخلاقه ، وفى تنقية عقيدته وسلوكه ونطقه من كل ما لا يليق. قال تعالى: {إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية. يرجون تجارة لن تبور} فاطر:29.
وفى الصحيحين عن عاتشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الذى يقرأ القرآن وهو ماهر به -أى: يقروه قراءة صحيحة- مع الكرام البررة والذى يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له آجران عند الله تعالى).
وفى صحيح البخارى عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه).
والقول الصحيح: إن أول ما نزل من القرآن ،هو صدر سورة "اقرأ" بدليل الأحاديث التى ،وردت فى ذلك.
وأما آخر ما نزل من القرآن فهو قوله {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله ، ثم توفى كل نفس ماكسبت وهم لا يظلمون} البقرة:281. وهذا هو الرأى الراجح بين المحققين من لعلماء، لأن هذه الآية قد نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته بتسع ليال ،كما جاء فى بعض الروايات.
أما الآية التى يقول الله تعالى فيها: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة:3. فقد نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فى حجة الوداع ، وفى السنة لعاشرة من الهجرة، وكان نزولها قبل وفاته صلى الله عليه وسلم بأكثر من شهرين. والمراد بإكمال الدين فى الآية الكريمة: إتمام النعمة، وإكمال تشريعاته التى تتعلق بالعبادات والمعاملات وغير ذلك من الأحكام. ولاشك أن الإسلام فى حجة الوداع ، كان قد ظهرتف شوكته ، وعلت كلمته.
والقرآن ينقسم إلى مكى ومدنى:
فالقرآن المكى: هو الذى نزل على لرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ولو كان نزوله فى غير مكة.
والقرآن المدنى: هو الذى نزل على لرسول صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة ولو كان نزوله فى غير المدينة.
والسور المكية الخالصة عددها اثنتان وثمانون سورة، والسور المدنية الخالصة عددها عشرون سورة،
وهناك اثنتا عشرة سورة منها ما يغلب عليه النزول قبل الهجرة، وبذلك يكون عدد سور القرآن الكريم مائة وأربع عشرة سورة.
والسور المكية نراها فى الأعم الأغلب تفصل الحديث عن الأدلة على وحدانية الله وعلى صدق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه ،وعلى أن يوم القيامة حق.
أما السور المدنية فنراها فى الأعم الأغلب تفصل الحديث عن الأدلة التى تتعلق بسمو الشريعة الإسلامية، فى معاملاتها ، وفى عباداتها ، وفى تنظيمها للأسرة وللعلاقات بين المسلمين وغيرهم.
ومن المتفق عليه بين المسلمين أن نزول القرآن الكريم على النبى صلى الله عليه وسلم استغرق مدة تزيد على عشرين سنه ، وقد ذكر العلماء حكما وأسرارا لنزول القرآن مفرقا من أهمها:
1- تثبيت قلب النبى صلى الله عليه وسلم وتسليته عما أصابه من قومه عن طريق قصص الأنبياء السابقين.
2- التدرج فى تربية الأمة دينيا وأخلاقيا وثقافيا واجتماعيا وعقليا.
3- الإجابة على أسئلة السائلين الذين كانوا يسألون النبى صلى الله عليه وسلم أسئلة معينة، فينزل القرآن بالإجابة عليها.
4- لفت أنظار المؤمنين إلى ما وقعوا فيه من أخطاء حتى لا يعودوا إليها مرة أخرى.
5- تيسير حفظ القرآن فقد كان الصحابة كلما نزلت آية أو آيات حفظوها عن النبى صلى الله عليه وسلم. وأكثر سور القرآن وآياته نزلت للهداية والسعادة الإنسانية فى حاضرها ومستقبلها ،ومنه ما نزل لبيان ما هو حق فى أحداث خاصة حدثت بين المسلمين فيما بينهم ، أو حدثت بينهم وبين غيرهم ، كالآيات التى نزلت فى أعقاب حديث الإفك ، الذى أشاعه المنافقون عن السيدة عائشة رضى الله عنها وكالآيات التى نزلت فى أعقاب ما حدث من حاطب بن أبى بلتعة عندما أخبر أهل مكة بأن المسلمين يعدون العدة لفتح مكة.
والتفسير معناه: التوضيح والتبيين لشىء يحتاج إلى ذلك ، وقد عرف العلماء علم التفسير للقرآن: بأنه علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى فى كلامه بقدر الطاقة البشرية.
ويعد علم التفسيرمن العلوم التى لايستغنى عنها، فعن طريقه يستطيع المسلم أن يعرف ما إشتمل عليه القرآن من هدايات وتوجيهات.
وكتب التفسير للقرآن الكريم كثيرة ومتنوعة، منها القديم ومنها الحديثه ، ومنها الكبير، ومنها المتوسط ، ومنها الوجيز، ومنها التفسير بالمأثور، كتفسير ابن جرير الطبرى المتوفى سنة 310هـ ، وتفسير" الدر المنثور فى
التفسير بالمأثور " للسيوطى المتوفى سنة 911هـ ، ومنها تفسير الإمام ابن كثير المتوفى سنة 774هـ ، ومنها التفسير بالرأى: كتفسير "البيضاوى" وتفسير الفخر الرازى، وتفسير الكشاف ، وتفسير الألوسى وغيرهم. ولكل تفسير من هذه التفاسير مزاياه التى قد لا توجد فى غيره.
أ.د/ محمد سيد طنطاوى
منتديات الرسالة الخاتمة