بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم مكتبة الفقة الإسلامي المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل المجلد الثاني ● [ بقية كتاب القضاء ] ●
● باب تعارض البينات واختلافها إذا تداعيا عينا فأيهما أقام بينة حكم له بها وإن أقاما ببينتين والعين بأيديهما أو بيد ثالث قد أنكرهما أو أقر لهما أو لأحدهما لا بعينه أو لم تكن بيد أحد __________ وظاهر كلام الإمام أحمد في رواية أبي طالب الكراهة وهي مكتوبة في الفصل عقب مسألة أن أداء الشهادة فرض عين. وقال في رواية الميموني في المعسر يتركه حتى يوسر ولا يجوز أن يحلف المعسر أن لا حق له عليه وهو ينوي في الحال لأجل أنه معسر نص عليه في رواية الجماعة وقال عن قوله تعالى: [280:2] {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} قال إنما نزلت هذه الآية في الأنصار. ● فصل قال في المغني وإن ادعى على شاهدين أنهما شهدا عليه بزور أحضرهما فإن اعترفا أغرمهما وإن أنكرا وللمدعي بينة على إقرارهما بذلك فأقامها لزمهما ذلك وإن أنكرا لم يستحلفا لأن إحلافهما بطرق عليهما الدعاوى تعارضت البينتان فتسقطان بالتعارض وتصيران كمن لا بينة لهما على ما تقدم وعنه تستعملان بأن يقرع بينهما فمن قرع حلف وأخذ العين وعنه تستعملان بقسمة العين بينهما بغير يمين ولا يرجح أكثرهما عددا ولا الرجلان على رجل وامرأتين وفي ترجيح أعدلهما والشاهدين على شاهد ويمين وجهان. وإن شهدت بينة بالملك وسببه وبينه بالملك وحده أو بينة أحدهما بالملك له منذ سنة وبينه الآخر بالملك له منذ شهر فهما سواء وعنه تقدم ذات السبب والسبق وعنه لا تقدم إلا بالسبق أو بسبب يفيده كالنتاج والإقطاع فأما سبب الإرث أو الهبة أو الشراء ونحوها فلا. فعلى هاتين إن شهدت بينة بالملك منذ سنة وأطلقت الأخرى فهل هما سواء أو تقدم المطلقة على وجهين. __________ والشهادة والامتهان وربما منع ذلك إقامة الشهادة وهذا قول الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا انتهى. وظاهر كلامه في المحرر وغيره من الأصحاب أنه يستحلف في هذا ويقضي عليه بالنكول لظاهر الأخبار وكسائر حقوق الآدمي وإحلافهما ليس سببا لتطرق الدعاوى عليهما وإن كان فليس هو مانعا من الاستحلاف كما أنه ليس مانعا من إحضارهما مع أن فيه امتهانا ونحوه وهو سبب في تطرق الدعاوى. وسيأتي بعد قوله إنه لا يحل كتمان الشهادة أنه هل تصح الدعوى بالشهادة؟ ● فصل فإن كان الحق لآدمي معين لم تسمع الشهادة فيه إلا بعد الدعوى ذكره في المغني وغيره لأن الشهادة فيه حق لآدمي فلا تستوفى إلا بمطالبته وإذنه ولأنه حجة على الدعوى ودليل لها فلا يجوز تقديمها عليها انتهى كلامه.
O متابعة المتن وإن أقام أحدهما بينة أنه اشتراها من زيد وهي ملكه والآخر بينه أنه اشتراها من عمرو وهي ملكه تعارضتا إلا أن يؤرخا فيكون في تقديم الأسبق تاريخا الروايتان. وإذا تداعيا ثمن عين بيد ثالث كل منهما يدعي أنه باعها منه بثمن فصدقهما لزمه الثمنان لها وإن أنكرهما فالقول قوله مع يمينه وإن صدق أحدهما أو شهدت له ببينة أخذ منه ما ادعاه وحلف للآخر. وإن أقاما بينتين وهو منكر وأمكن صدقهما لاختلاف تاريخهما أو إطلاقهما أو إطلاق إحداهما عمل بهما وقيل إذا لم يؤرخا أو أحدهما تعارضتا كما لو اتحد __________ وقد قال مهنا سألت أبا عبد الله عن رجل ادعى على رجل ألف درهم فأقام شاهدا بألف ثم جاء آخر فشهد له بألف وخمسمائة فقال تجوز شهادتهم على الألف وذكره عن شريح وظاهره أنه لا تسمع شهادته في الزائد لعدم دعواه. وقد ذكر الأصحاب أن من كانت عنده شهادة لآدمي لا يعلمها له إقامتها قبل إعلامه بها لقوله عليه الصلاة والسلام: "ألا أنبئكم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" رواه مسلم ولا يستلزم هذا جواز الشهادة قبل الدعوى. وذكر القاضي في التعليق أن الشهود لو شهدوا بحق قبل دعوى المدعي قبلت شهادتهم إن شهدوا بما لا يعلمه صاحب الحق وإن شهدوا بما يعلمه قبل أن يدعيه لم تقبل وفرق بينه وبين اليمين أنه لو لم تسمع الشهادة أدى إلى ضياع حقه لأنه غير عالم به فيطالب به بخلاف اليمين فإن الامتناع من سماعها بعد حضوره لا يؤدى إلى إسقاطها لأنه حق له وهو عالم به ولأن الشهود إذا علموا بالحق لزمهم إقامة الشهادة لأن في الامتناع كتمانها ولا يجوز أن يلزمهم إقامتها ولا تسميعها للحاكم.
O متابعة المتن تاريخهما والحكم على ما سبق من تساقط أو قسمة أو قرعة. وإن قال أحدهما غصبني إياها وقال الآخر ملكنيها أو أقر لي بها فهي لمن شهد بالغصب منه ولا يغرم رب اليد الآخر شيئا. وإذا تدعيا عينا بيد أحدهما وأقام كل واحد بينة أنها له قضى للخارج ببينته وتلغو بينة الداخل في المشهور عنه وعنه بالعكس وعنه يقضى ببينة الخارج إلا أن تختص بينة الداخل بسبب الملك أو ببيعه فيقضى بها وعنه عكسه يقضى ببينة الداخل إلا أن تمتاز بينة الخارج بسبب الملك أو سبقه فيقضى بها. وعلى هاتين الروايتين هل يكفي مطلق السبب أو يشترط إفادته للسبق على روايتين. فإن شهدت بينة أحدهما أنها ملكه وبينة الآخر أنه أشتراها منه أو اتهبها منه أو وقفها عليه قدمت بينته داخلا كان أو خارجا. __________ قال الشيخ تقي الدين بعد ذكر كلام القاضي هذا وهذا الذي قاله القاضي من صحة الشهادة قبل الدعوى غريب انتهى كلامه. وذكر القاضي في مسألة شهادة المرأة الواحدة أن الشهادة يعتبر فيها لفظ الشهادة وتقدم الدعوى بخلاف الرواية مما يدل على أنه محل وفاق. وذكر أيضا في مسألة الشاهد واليمين إذا رجع الشاهد أن اليمين لا تصح حتى يطلب المدعي إحلافه وتصح الشهادة من غير سؤال جعله محل وفاق مع الشافعية قال وإنما افترقا من هذا الوجه لأن اليمين حق للمدعى فلا تستوفى من غير مطالبة والشهادة وإن كانت حقا له فقد لا يعلم بها المدعي فيلزم الشاهد إقامتها. وعلى هذا المعنى حديث زيد بن ثابت "ألا أخبركم بخير الشهداء الذي يأتي بشهادته أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها" وروى "يخبر بشهادته ولا يعلم
O متابعة المتن وكذلك من أقام بينة أن هذه الدار تركة عن أبيه وأقامت أمة بينة أن أباه أصدقها الدار فهي المرأة. وإذا أقام كل واحد من الداخل والخارج البينة أنه اشتراها من الآخر فقيل هو على الروايتين في المطلقتين وقال القاضي تقدم هنا بينة الداخل وقيل يتعارضان. وإذا تداعيا عينا بيد ثالث أنكرهما ولهما بينتان ثم أقر لأحدهما بعينه قبل إقامة البينتين فالمقر له كالداخل والآخر كالخارج فيما ذكرنا وإن أقر له بعد إقامة البينتين فحكم التعارض بحاله وإقراره باطل على رواية الاستعمال صحيح مسموع على رواية التساقط. ومن ادعى أنه اشترى أو اتهب من زيد عبده وادعى آخر كذلك أو ادعى العبد العتق وأقاما بينتين بذلك صححنا أسبق التصرفين إن علم التاريخ وإلا __________ بها التي هي له" وذكر أن اليمين لا تصح حتى يعرضها الحاكم ويأذن فيها وتصح الشهادة من غير عرض الحاكم وإذنه ذكره محل وفاق قال وإنما افترقا من هذا الوجه لأن الحاكم يستحلفه على نيته ليمنعه من التأويل فإذا حلف قبل أن يستحلفه عدم هذا المعنى وهذا معدوم في الشهود فلهذا لم يعتبر عرض الحاكم عليهم ولأن في ترك الاعتداد بيمينه قبل عرض الحاكم ضربا من التغليظ انتهى كلامه. وقال في المغني في الشهادات في فصل إذا شهد رجلان على رجلين أنهما قتلا رجلا ثم شهد المشهود عليهما على الأولين أنهما اللذان قتلا قال فإن قيل فكيف يتصور فرض تصديقهم وتكذيبهم قلنا يتصور أن يشهدا قبل الدعوى إذا لم يعلم الولي من قتله ولهذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه.قال: "خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها" وهذا معنى ذلك انتهى كلامه.
O متابعة المتن تعارضتا فتساقطتا أو يقسم أو يقرع كما سبق وعنه تقدم بينة العتق. ولو كان العبد بيد أحد المتداعين أو بيد نفسه فالحكم كذلك إلغاء لهذه اليد للعلم بمستندها نص عليه واختاره أبو بكر وعنه أنها يد معتبرة فلا تعارض بل الحكم على الخلاف في الداخل والخارج. وإدا ادعى رجل نصف دار وآخر كلها وهي بأيديهما وأقاما بينتين فهي لمدعى الكل إن قدمنا بينة الخارج وإلا فهي بينهما وإن كانت بيد ثالث فقد ثبت أحد نصفيها لمدعى الكل وأما الآخر فهل يقتسمانه أو يقترعان عليه أو يكون للثالث مع يمينه على روايات التعارض. ومن مات وله ابنان مسلم وكافر فادعى كل واحد منهما أنه مات على دينه فالقول قول من يدعى أصل دينه إن عرف رواية واحدة وإن لم يعرف فالميراث للكافر إن اعترف بأخوته1 المسلم وإن لم يعترف فهو بينهما وعنه هو بينهما في الحالين رواهما ابن منصور وقيل يقترعان عليه. __________ وذكر أبو الخطاب في الانتصار مثل هذا في قبول شهادة امرأة واحدة فيما لا يطلع عليه الرجال. وقال في الكافي في أول باب اختلاف الشهود إذا ادعى ألفين على رجل فشهد شاهد بها وشهد له آخر بألف ثبت الألف بشهادتهما لاتفاقهما ويحلف مع شاهده على الألف الأخرى لأن له به شاهدا وسواء شهدت البينة بإقرار الخصم أو بثبوت الحق عليه وسواء ادعى ألفا أو أقل منه لأنه يجوز أن يكون له الحق فيدعى بعضه ويجوز أن لا يعلم أن له من يشهد بجميعه انتهى كلامه. __________ 1 في نسخة بهامش الأصل "بأخوة"
O متابعة المتن ولو شهدت بينة أنه مات ناطقا بكلمة الإسلام وبينة أنه مات ناطقا بكلمة الكفر تعارضتا سواء عرف أصل دينه أو لم يعرف فتسقطان أو تستعملان بقسمة أو قرعة كما تقرر. وإن قالت بينة مات مسلما وبينة مات كافرا أو قالت بينة تعرفه مسلما وبينة تعرفه كافرا ولم يؤرخا معرفتهم فعن أحمد ما يدل على تقديم __________ فهذه ثلاثة أقوال أحدها المنع إلا بعد الدعوى والثاني الجواز إذا لم يعلم صاحبه وينبغي على هذا أن يصدق صاحبه في عدم العلم إذا لم تخالفه قرينة والثالث يجوز ضمنا وتبعا لا استقلالا كما في الدعوى للغير وعليه تبعا وستأتي هذه المسألة بعد مسألة. وإذا قال من له بينة بألف أريد أن تشهد لي بخمسمائة ثم هل يعتبر أن يكون ثم عليه وقد ذكر الأصحاب أن الحاكم يسمع البينة على الوكالة من غير حضور خصم وكذا عند مالك والشافعي وظاهره أنه لو ادعى على شخص أنه وكله سمع الحاكم دعواه وبينته وأثبت ذلك من غير نصب خصم لأن المقصود هنا الفصل. وقال الشيخ تقي الدين وإذا كان الحق مؤبدا1 كالوقف وغيره ويخاف إن لم يحفظ بالبينات أن ينسى شرطه أو يجحد ولا بينة ونحو ذلك فهنا في سماع الدعوى والشهادة من غير خصم حفظ الحق الموجود عن خصم مقدر وهذا أحد مقصودي القضاء فلذلك يسمع طوائف من الحنفية والشافعية والحنابلة2 __________ 1 بهامش الأصل: الذي نقله ابن شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين: "وإذا كان الحق في يد صاحبه" وهو أحسن. 2 بهامش الأصل: الذي نقله ابن شيخ السلامية عن الشيخ تقي الدين: "فلذلك يسمع ذلك ومن قال من الفقهاء: لا يسمع ذلك، كما يقوله طوائف الخ"
O متابعة المتن بينة الإسلام بكل حال واختاره الخرقي في الصورة الثانية وأما في الأولى فاختار التعارض ولم يفرق بين من عرف أصل دينه ومن لم يعرف وسوى القاضي وجماعة بين الصورتين وقالوا فيهما إن عرف أصل دينه قدمت البينة الناقلة عنه وإن لم يعرف تعارضتا. ولو كان بدلا من الابن المسلم أخ وزوجة مسلمان أو بدلا من الابن الكافر أبوان كافران لكانا بمنزلته مع الآخر في جميع ما ذكرنا لكن حيث ينصف المال بينهما هناك نجعلها هنا نصفه في مسألة الأبوين بينهما على ثلاثة ونصفه في مسألة المرأة والأخ بينهما على أربعة وحكي عن أبي بكر في مسألة المرأة والأخ أن لها الربع وحكي عن غيره الثمن والباقي للابن والأخ نصفين وكلاهما بعيد لأن ما يأخذه الابن ظلم في نظر المرأة والأخ فالسالم لهما يكون ضرورة أرباعا. __________ فعنده ليس للقضاء فائدة إلا فصل الخصومة ولا خصومة فلا قضاء فلذلك لا تسمع البينة إلا في وجه مدعى عليه لتظهر الخصومة ومن قال بالخصم المسخر فإنه ينصب الشر ثم يقطعه ومن قال يسمع فإنه يحفظ الحق الموجود ويذر الشر المفقود. وقال أيضا وتارة تكون الدعوى خبرا ليس معها طلب أجل كالادعاء بدين مؤجل انتهى كلامه. وقال أيضا ومن الدعاوى ما يكون على غير مدعى عليه موجود مثل رجل ابتاع شيئا وتسلمه فيدعى أنه ابتاع وتسلم أو يدعي أن المكان الذي بيده وقف على كذا ونحو ذلك فهذا مضمونه دعوى تثبت لا دعوى حكم فإن الطالب إما أن يطلب إقرارا أو إعطاء وطلب الإقرار مقصوده هو الإعطاء فإذا طلب إقرارا من معين لأطلب معه فطلب من الحاكم تثبتا بأن يسمع الشهادة.
O متابعة المتن وإذا مات وله ابنان مسلم وكافر فأسلم وقال أسلمت قبل موت أبي أو قبل قسمة تركته على رواية توريثه بذلك وقال أخوه بل بعد ذلك فلا إرث له عملا بقول أخيه وإن قال أسلمت في المحرم ومات أبي في صفر وقال أخوه بل مات قبل المحرم فالإرث بينهما. ومن ادعى على رجل أنه عبده فقال بل أنا حر وأتى كل واحد منهما ببينه تعارضتا وقيل تقدم بينة الحرية وقيل بينة الرق. ومن قال لعبده إن قتلت فأنت حر ثم مات وادعى العبد أنه قتل لم يقبل إلا ببينة فإن أقام به بينة وأقام الورثة بينة بموته حتف أنفه قدمت بينة العبد وقيل يتعارضان فيقضى بالتساقط أو القرعة أو القسمة. وإن قال إن مت في المحرم فسالم حر وإن مت في صفر فغانم حر ثم بعد __________ أو الإقرار فهذا نوع واسع لما احتاج إليه الناس أحدثوا الخصم المسخر والدعوى المسخرة وهو باطل وتلاعب بالشريعة وهو موقوف على سماع الدعوى المقتضية للثبوت فقط لا الحكم فائدته بقاء الحجة إن حدث منازع وكأنه دعوى على خصم مظنون الوجود أو خصم مقدر وهذا قد يدخل في كتاب القاضي وفائدته كفائدة الشهادة على الشهادة وهو مثل كتاب القاضي إلى القاضي إذا كان فيه ثبوت محض فإنه هناك يكون مدع فقط من غير مدعى عليه حاضر لكن هنا لا مدعي عليه حاضر ولا غائب لكن المدعي عليه مخوف فإنما المدعي يطلب من القاضي سماع البينة أو الإقرار كما يسمع ذلك شهود الفرع فيقول القاضي ثبت ذلك عندي بلا مدعى عليه وهذا ليس ببعيد وقد ذكره قوم من الفقهاء وفعله طائفة من القضاة انتهى كلامه. وبنى القاضي والأصحاب سماع البينة بالوكالة على القضاء على الغائب وهو جائز عند أبي حنيفة ورواية لنا
O متابعة المتن مدة بان موته ولم يعلم هل مات فيهما أو في غيرهما فهما على الرق ويحتمل فيما إذا ادعى الورثة موته قبل المحرم أن يعتق من شرطه الموت في صفر لأن أصل بقاء الحياة معه. وإن قال إن مت من مرضي هذا فسالم حر وإن برئت منه فغانم حر ثم مات لم يعلم مم مات فهما على الرق لاحتمال موته في المرض بحادث وقيل يعتق أحدهما بالقرعة إذ الأصل عدم الحادث ويحتمل أن يعتق من شرطه المرض لأن الأصل دوامه وعدم البرء ولو علمنا أنه مات في أحد الشهرين أو قال في مرضى بدلا من قوله من مرضى فقد عتق أحدهما يقينا فيعين بالقرعة. ويحتمل أن يعتق من شرطه صفر والمرض لأن الأصل بقاء الحياة والمرض فإن أقام كل واحد بينة بموجب عتقه تعارضتا وكان كمن لا بينة له في رواية أو يقرع بينهما في أخرى وقيل تقدم بينة المحرم والبرء بكل حال. __________ قال الشيخ تقي الدين بناء هذه المسألة على القضاء على الغائب فيه نظر من وجهين. أحدهما أنه يخرج فيها روايتان. الثاني أن الخصم الحاضر في البلد لا يجوز القضاء عليه إذا لم يمتنع وهنا يثبتون الوكالة وإن كان الخصم حاضرا في البلد فليس هذا من هذا بل الأجود أن يقال الوكالة لا تثبت حقا وإنما تثبت استيفاء حق وإبقاءه وذلك مما لا حق للمدعى عليه فيه فإنه سيان عليه دفع الحق إلى هذا الوكيل أو إلى غيره ولهذا لم يشترط فيها رضاه وأبو حنيفة يجعل للموكل عليه فيها حقا ولهذا لا يجوز الوكالة بالخصومة إلا برضى الخصم لكن طرد هذه العلة أن الحوالة بالحق أيضا تثبت من غير حضور المحال عليه لأنه لا يعتبر رضاه وكذلك الوفاة وعدد الورثة يثبت من غير حضور المدين والمودع وكذلك لو ادعى أنه ابتاع دار
O متابعة المتن وإن شهدت على ميت بينة لا ترثه بعتق سالم في مرضه وقيمته ثلث ماله وبينة وارثة بعتق غانم وقيمته كذلك ولم تجز إلا الثلث فالحكم كما لو كانتا أجنبيتين يعتق أسبقهما عتقا على الأصح كما تقرر في الوصايا فإن كانت ذات السبق الأجنبية فكذبتها الوارثة أو ذات السبق الوارثة وهي فاسقة عتق العبدان وإن جهل أسبقهما أو شهدت بينة كل عبد بالوصية بعتقه وعلم تاريخ الوصية أو جهل أعتقنا أحدهما بالقرعة وقيل يعتق من كل عبد نصفه وهو بعيد على المذهب فإن كذبت الوارثة الأجنبية لغا تكذيبها دون شهادتها فعتق غانم ووقف عتق سالم على القرعة وعلى الوجه البعيد يعتق نصفه بلا قرعة وإن لم تكذب بل كانت فاسقة فالحكم بالعكس يعتق سالم ونصف عتق على القرعة أو يعتق نصفه على الوجه البعيد وإن جمعت الوارثة الفسق والتكذيب أو الفسق والشهادة بالرجوع عن عتق سالم عتق العبدان ولو شهدت __________ زيد الغائب فله أن يثبت ذلك من غير حضور من الدار في يده. وحاصله أن كل من عليه دين لو عنده عين إذا لم نعتبر رضاه في إقباضها أو إخراجها عن ملكه لا يعتبر حضوره في ثبوتها وعلى هذا فيجوز أن تثبت الوكالة بعلم القاضي كما تثبت الشهادة وتوكيل علي بن أبي طالب لعبد الله بن جعفر كالدليل على ذلك فإنه أعلم الخلفاء أنه وكله ولم يشهد على ذلك ولا أثبتها في وجه خصم وهذا كله في غيبة الموكل عليه فأما الموكل إذا كان حاضرا في البلد فلا ريب أن رضاه معتبر في الوكالة وقد يكون عليه ضرر في ثبوتها فإن اشترط حضوره تعذر إثباتها بالبينة لأن جحوده عزل في أحد الوجهين فهنا قد يقال ليس في هذا قضاء عليه بل هو له من وجه آخر فإن التوكيل مثل الولاية بالشهادة على المولى مع حضوره في البلد ومن هذا كتاب الحاكم إلى الحاكم فيما حكم به انتهى كلامه.
O متابعة المتن الوارثة بالرجوع وليست فاسقة ولا مكذبة قبلت شهادتها وعتق غانم وحده كما لو كانت أجنبية ولو كانت قيمة غانم سدس المال لم تقبل شهادتها وعتق العبدان. وقال أبو بكر تقبل بالعتق دون الرجوع فيعتق نصف سالم ويقرع بين باقيه والآخر فمن أصابته القرعة عتق والورثة العادلة فيما تقوله جبرا لا شهادة كالفاسقة في جميع ما ذكرنا بالتدبير مع التنجيز كآخر التنجيزين مع أولهما في كل ما قدمنا. ومن شهد على رجلين أنهما قتلا فلانا فشهداهما على الشاهدين بقتله فإن صدق الولي الأولين ثبت له القتل بشهادتهما وإن صدق الآخرين أو الكل لم يثبت القتل بحال. ومن شهدت عليه بينة أنه أتلف ثوبا قيمته عشرون وبينة بإتلافه وأن __________ وقال ابن حمدان تسمع الدعوى بدين مؤجل لإثباته إذا خاف سفر الشهود أو المديون مدة تغير أجله وقيل لا تسمع حتى يبين باقيها وذكر أيضا أنه تسمع دعوى التدبير ثم قال من عنده إن قلنا إنه عتق بصفة قال غيره تسمع الدعوى لأنه يدعي استحقاق العتق ويحتمل أن تصح الدعوى لأن السيد إذا أنكر كان بمنزلة إنكار الوصية وإنكار الوصية رجوع عنها في أحد الوجهين فيكون إنكار التدبير رجوعا عنه والرجوع عنه يبطله في إحدى الروايتين والصحيح أن الدعوى صحيحة لأن الرجوع عن التدبير لا يبطله في الصحيح من المذهب ولو أبطله فما ثبت كون الإنكار رجوعا ولو ثبت ذلك فلا يتعين الإنكار جوابا للدعوى فإنه يجوز أن يقر. وقد عرف من هذه المسألة إثبات الوكالة في وجه الموكل ويشبه هذا إثبات الوصية.
O متابعة المتن قيمته ثلاثون ثبت عليه أقل القيمتين وعنه تسقطان لتعارضهما ولو كان بكل قيمة شاهد ثبت الأقل بهما على الأولى دون الثانية. وإذا شهدا بنكاح متحد باتفاقهما أو بفعل متحد باتفاقهما كغصب وسرقة أو في نفسه كقتل نفس وإحراق ثوب واختلفا في زمنه أو مكانه أو صفة تتعلق به مثل اختلافهما في آلة القتل ولون المحرق والمسروق والمغصوب جمعت شهادتهما عند أبي بكر حتى بوجوب القطع والقود وعند أكثر أصحابنا لا تجمع للتنافي. ولو كان مما يتعدد ولم يشهدا باتحاده والشهادة بأمرين لا تنافي بينهما لكن بكل أمر شاهد فيعمل بمقتضى ذلك ولو كان مكان كل شاهد بينة تامة ثبت الأمران ههنا وتعارضت البينتان في التي قبلها إذا لم نقل بالجمع. __________ قال الخلال باب الرجل يزعم أنه وكل والموكل غائب قال مهنا سألت الإمام أحمد عن رجل أقام بينة أنه وكيل لرجل والذي يدعى وكالته في بلدة أخرى قال تثبت عند الحاكم فقلت له لا بد أن يثبت وكالته عند الحاكم قال نعم حتى يسأل الحاكم عن بينته إن كانوا عدولا. وقال الجوزجاني سئل الإمام أحمد عن رجل ادعى وكالة رجل غائب قال إذا ثبت ذلك عند الحاكم فهو جائز. قال الشيخ تقي الدين في هذه المسألة ثبوت الوكالة وسماع البينة بمجرد دعوى المدعي للوكالة من غير حضور مدعى عليه فكذلك الوصية لأن الحاضرين الذي تقبض الأموال منهم وتخاصمهم ليسوا خصوما لذلك في وصيته وإنما هم خصوم في الموكل به والموكل الذي يستوفي هذا على ماله غائب والوكالة ليست قضاء عليه بل قضاء له وعليه فهذه المسألة ليست قضاء على الغائب بل قضاء عليه وله انتهى كلامه. وقال ابن عقيل في الشهادات وإن كانت الدعوى على الميت ليست مالا
O متابعة المتن وإذا شهد شاهد بالفعل وآخر على الإقرار به جمعت شهادتهما نص عليه واختاره أبو بكر وقال أكثر الأصحاب لا تجمع. وإن شهد أحدهما بعقد النكاح أو قتل الخطأ والآخر على الإقرار به لم يجمع قولا واحدا ويحلف مدعى القتل مع شاهد الفعل ويستحق الدية على العاقلة أو مع شاهد الإقرار ويستحق الدية على القاتل. ولو شهد شاهدان على رجل أنه أخذ من صبي ألفا وشاهدان على رجل آخر أنه أخذ من الصبي ألفا لزم الولي أن يطالبهما بألفين إلا أن تشهد البينتان على ألف بعينها فيطلب ألفا من أيهما شاء. وإذا شهد شاهد على رجل أنه باع زيدا كذا أمس وآخر أنه باعه إياه اليوم أو شهد أحدهما أنه باع كذا أو أعتق أو طلق والآخر أنه أقر بذلك واختلفا وقتا أو مكانا كملت البينة به. __________ لكن أسبابا تؤول إلى إيجاب المال مثل أن ادعى مدع أن أباكم ضرب عبدي هذا بغير حق وهو على ضرورة من ضربه أخاف موته أو أجج نارا في ملكه مع هذه الريح وفي زرع بقرب ضيعته وأخاف تعدى النار إلى ضيعتي احتمل أن لا يلزمهم الجواب لأنه لم يتحقق دعواهم حتى يوجب غرامة مال ولهب في خاص الملك لا يوجب غرامة فإن مات العبد واحترق الزرع سمعت الدعوى ووجب الجواب لتحقق دعوى ما يوجب الضمان. وقال الشيخ تقي الدين أيضا في تعليق آخر الدعاوى قال لما امتنع أصحاب أبي حنيفة من سماع البينة من غير المدعى عليه رتبوا نصب خصم لا يستغنى به عن حضور المدعى عليه من توكيل المدين والوصية إليه وما يصنعه الوكيل والحاكم لاشتراطهم مجلس الحكم مع الحاكم إياه فأما وصف ما رتبوه فإنهم كتبوا توكيل المقر للمدين وربما جعلوا التوكيل له ولابنه أو له ولآخر
O متابعة المتن وكذلك كل شهادة على القول سوى النكاح فإن حكمه كما سبق وسوى القذف عند أكثر أصحابنا فإنهم ألحقوه بالأفعال وطرد أبو بكر فيه حكم الأقوال ولو كانت الشهادة على الإقرار بشيء جمعت إن كان نكاحا أو قذفا أو فعلا. وإذا شهد شاهد بألف وآخر بألف من قرض جمعت شهادتهما وإن شهد أحدهما بألف من قرض والآخر بألف من ثمن مبيع لم تجمع وقيل إن شهدا على إقراره جمعت وإلا فلا وإن شهد أحدهما بألف والآخر بخمسمائة أو بألفين ثبت الأقل بشهادتهما سواء عزوا أو أحدهما الشهادة إلى الإقرار أو لم يعزوا ويحلف المدعي إن شاء لتمام الأكثر مع شاهده نص عليه. __________ معه والوصية إليهما استظهارا1 ليكون إن مات أحدهما قبل أن يثبت الكسب يكون الآخر باقيا وإذا أشهد المقر على نفسه في كتاب الإقرار سفها2. ● فصل أطلق في المحرر وغيره أنه لا تقبل شهادة من فعل شيئا من ذلك وقيد جماعة ذلك بعضهم صريحا وبعضهم ظاهرا بتكرر ذلك والإكثار منه وإدمانه لأن صغير المعاصي لا يمنع الشهادة إذا قل فهذا أولى ولأن المروءة __________ 1 بهامش الأصل: قال كاتبه: وجد في النسخة المتتتب منها –وهي بخط القاضي تقي الدين- الجراعي "أبدلت مع صورته وجدت في النسخة المكتتب منها إلى هنا وهو آخر كراس وبعض مما يأتي كتابته وليس الكلام مما نحن فيها ولم أجد نسخة أكشف منها فلأجل هذا بيضت بقية هذه الصفحة فليعلم ذلك" انتهى كلامه. وتابعته أنا وبيضت قدر ما بيض، لعلي أن أظفر بتتمة المسألة، والحمد لله. 2 كذا بالأصل
O متابعة المتن وإذا شهدا أن عليه ألفا ثم قال أحدهما قضاه منهما خمسمائة بطلت شهادته نص عليه ونص فيما إذا شهد أنه أقرضه ألفا ثم قال أحدهما قضاه خمسمائة فشهادتهما صحيحة بالألف ويحتاج قضاء الخمسمائة إلى شاهد أو يمين ويتخرج مثله في التي قبلها ويتخرج فيهما أن لا يثبت بشهادتهما سوى خمسمائة. وإذا جمعنا بين الشهادتين المختلفتي الوقت في قتل أو طلاق فالعدة والتوريث عقيب آخر المدتين. وإذا قال من له بينة بألف أريد أن تشهد لي بخمسمائة لم يجز ذلك إذا كان الحاكم لم يتول الحكم بأكثر منها واختاره أبو الخطاب. __________ لا تختل بقليل هذا ما لم يكن عادة وزاد في المغني فقال ومن فعل شيئا من هذا مختفيا به لم يمنع من قبول شهادته لأن مروءته لا تسقط به وفي كلام غيره إذا تساتر بهذا. وظاهر كلام جماعة خلافه أو صريحة قال بعضهم ومن غشيه المغنون أو غشي بيوت الغناء للسماع متظاهرا به وكثر ذلك منه ردت شهادته وإن استتر به وأكثر منه ردها من حرمه أو كرهه وقيل أو أباحه لأنه سفه ودناءة تسقط المروءة. وقال في المغني من اتخذ الغناء صنعة يؤتى إليه ويأتي له أو اتخذ غلاما أو جارية مغنيين يجمع عليهما الناس فلا شهادة له لأن هذا عند من لم يحرمه سفه ودناءة وسقوط مروءة ومن حرمه فهو مع سفهه عاص مصر متظاهر بفسقه. وبهذا قال الشافعي وأصحاب الرأي. وإن كان لا ينسب نفسه إلى الغناء وإنما يترنم لنفسه ولا يغني للناس أو كان غلامه وجاريته إنما يغنيان له انبني هذا على الخلاف فيه
كتاب: المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد بن حنبل المؤلف: عبد السلام بن عبد الله ابن تيمية الحراني منتدى ميراث الرسول - البوابة