من طرف توتة الأحد 3 أكتوبر - 7:33
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
مكتبة الثقافة الأدبية
جمهرة أشعار العرب
● [ المجمهرات ] ●
[ مجمهرة عبيد بن الأبرص ]
أَقْفَر منْ أَهْلِهِ مَلْحُوبُ ... فالقُطَّبِيّاتُ فالذَّنُوبُ
فَرَاكِسٌ فَثُعَيْلِباتٌ ... فَذاتُ فِرْقَينْ فالقَليبُ
فعَرْدَةٌ، فَقَفَا حِبِرٍ، ... لَيْسَ بِهَا مِنْهُمُ عَرِيبُ
وبُدّلَتْ مِنْ أَهْلِها وُحوشاً ... وغَيّرَتْ حَالَها الخُطُوبُ
أرضٌ تَوَارَثُها شَعُوبُ ... وكلّ مَن حَلّها مَحرُوبُ
إمّا قَتيلٌ وإمّا هَالِكٌ، ... والشّيبُ شَينٌ لمن يَشيبُ
عَيْنَاكَ دَمْعُهُما سَرُوبُ ... كأنّ شَانَيْهِما شَعيبُ
واهِيَةٌ أو مَعينٌ مُمعِنٌ ... مِن هَضَبَةٍ دونَها لُهُوبُ
أو فَلَجٌ مَّا ببَطنِ وادٍ ... للماءِ مِنْ تَحتِهِ قَسيبُ
أو جَدْوَلٌ في ظِلالِ نَخلٍ ... للماءِ مِن تَحتِهِ سُكوبُ
تَصبُو وأنّى لكَ التّصابي؟ ... أنّى؟ وقَد راعَك المَشيبُ
إنْ يَكُ حُوّلَ منها أهلُها، ... فَلا بَدِيٌّ ولا عَجِيبُ
أو يَكُ قد أقفَرَ منها جَوّها ... وعادَها المَحلُ والجُدُوبُ
فكلّ ذي نِعْمَةٍ مَخْلُوسٌ ... وكلّ ذي أملٍ مَكذُوبُ
وكلّ ذي إبِلٍ مَوْرُوثٌ، ... وكلّ ذي سَلَبٍ مَسْلُوبُ
وكلّ ذي غَيْبَةٍ يَؤُوبُ، ... وغائِبُ المَوْتِ لا يَؤُوبُ
أَعَاقِرٌ مِثْلُ ذاتِ رِحْمٍ؟ ... أو غانمٌ مِثْلُ مَنْ يَخيِبُ
مَنْ يَسْأَلِ النَّاسَ يَحْرِمُوهُ ... وسَائِلُ اللَّهِ لا يَخيبُ
باللَّهِ يُدْرَكُ كلُّ خَيْرٍ، ... والقَوْلُ في بَعْضِهِ تَلغيبُ
واللَّهُ لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ، ... عَلاّمُ ما أخفَتِ القُلُوبُ
أَفْلَحَ بِمَا شِئْتَ فَقَدْ يُبْلَغُ بال ... ضَّعفِ وقد يُخدَعُ الأرِيبُ
لا يَعظُ النّاسُ من لا يعظُ ال ... دَّهْرُ، ولا يَنْفَعُ التَّلِبيْبُ
إلاّ سَجِيّاتِ ما القُلُوبِ، ... وكَمْ يَصِيرَنّ شانئاً حَبِيبُ
ساعِدْ بِأَرْضٍ إذا كنتَ بها ... ولا تَقُلْ إنّني غَريبُ
قد يُوصَلُ النّازِحُ النّائي وقد ... يُقْطَعُ ذو السُّهْمَةِ القَريبُ
والمَرْءُ ما عاشَ في تكذيبٍ، ... طُولُ الحَياةِ لَهُ تَعْذِيبُ
بَلْ رُبّ ماءٍ وَرَدْتُ آجِنٍ ... سَبِيلُهُ خَائِفٌ جَدِيبُ
رِيشُ الحَمَامِ على أَرجائِهِ ... للقَلبِ مِن خَوفِهِ وَجيبُ
قَطَعْتُهُ غُدْوَةً مُشيحاً، ... وصاحبي بادِنٌ خَبُوبُ
عَيرانَةٌ مُؤجَدٌ فَقَارُها ... كَأَنّ حَارِكَها كَثيبٌ
أَخْلَفَ ما بَازِلاً سَدِيسُها ... لا حِقَّةٌ هيْ، ولا نَيُوبُ
كَأَنَّها مِنْ حَمِيرِ عاناتٍ، ... جَوْنٌ بِصَفْحَتِهِ نُدُوبُ
أو شَبَبٌ يَرْتَعي الرُّخامَى، ... تَلُفّهُ شَمْأَلٌ هَبُوبُ
فذاكَ عَصْرٌ، وقد أراني ... تَحْمِلُني نَهْدَةٌ سُرْحُوبُ
مُضَبَّرٌ خَلْقُها تَضبيراً، ... يَنْشَقُّ عَنْ وَجْهِها السّبيبُ
زَيْتِيّةٌ نائِمٌ عُرُوقُها ... وَلَيّنٌ أَسْرُها رَطِيبُ
كَأَنّها لِقُوَةٌ طَلُوبُ ... تَخِرّ في وَكْرِها القُلُوبُ
باتَتْ على إِرَمٍ عَذُوباً ... كَأَنّها شَيْخَةٌ رَقُوبُ
فأَصْبَحَتْ في غَدَاةِ قِرّةٍ ... يَسْقُطُ عن رِيشِها الضّرِيبُ
فأبصَرَتْ ثَعْلَباً سَريعاً ... ودونَهُ سَبْسَبٌ جَدِيبُ
فَنَفَضَتْ رِيشَهَا وَوَلّتْ، ... فَذَاكَ مِنْ نَهْضَةٍ قَريبُ
فاشتالَ وارْتَاعَ من حَسيسٍ ... وَفِعْلَهُ يَفْعَلُ المَذْؤُوبُ
فَنَهَضَتْ نَحْوَهُ حَثِيثَةً، ... وَحَرَدَتْ حَرْدَهُ تَسيبُ
فَدَبّ مِنْ رَأْيِها دَبيباً، ... والعَيْنُ حِمْلاَقُها مَقْلُوبُ
فأَدْرَكَتْهُ، فَطَرّحَتْهُ ... والصّيدُ من تحتِها مَكْرُوبُ
فَجَدّلَتْهُ فَطَرّحَتْهُ ... فَكَدّحَتْ وَجْهَه الحَبوبُ
فَعَاوَدَتْهُ فَرَفّعَتْهُ ... فَأَرْسَلتْهُ وَهُوَ مَكْرُوبُ
يَضغُو ومِخْلَبُها في دَفّهِ ... لا بُدّ حَيْزُومُه مَنْقُوبُ
[ مجمهرة عدي بن زيد ]
الطويل
أَتَعْرِفُ رَسْمَ الدّارِ مِنْ أُمّ مَعْبَدِ؟نَعَم! وَرَمَاكَ الشّوْقُ قَبْلَ التّجلُّدِ
ظَلَلْتُ بها أسفي الغَرامَ كَأنّما ... سَقتني النّدامَى شَرْبَةً لم تُصَرَّدِ
فَيا لكَ مِنْ شَوْقٍ وطَائِفِ عبرَةٍ، ... كَستْ جَيْبَ سِربالي إلى غيرِ مُسعِدِيّ
وعاذِلَةٍ هَبّتْ بِلَيْلٍ تَلُومُني، ... فلَمّا غَلتْ في اللّومِ قُلتُ لها اقصِدِي
أَعَاذِلُ إنّ اللّومَ في غَيرِ كُنْهِهِ ... عليَّ ثَنَى مِنْ غَيّكِ المُتَرَدِّدِ
أَعَاذِلُ إنّ الجَهْلَ من لَذّةِ الفتى، ... وإنّ المَنَايَا للرّجَالِ بِمَرْصَدِ
أَعَاذِلُ ما أَدْنَى الرّشَادَ من الفتى ... وأَبْعَدَهُ مِنْهُ إذا لم يُسَدَّدِ
أَعَاذِلُ مَنْ تُكْتَبْ لَهُ النّارُ يَلْقَهاكِفاحاً، ومن يُكْتَبْ لَهُ الفوزُ يَسْعَدِ
أَعَاذِلُ قد لاقَيْتُ ما يَزَعُ الفتى، ... وطَابَقْتُ في الحِجْلَيْنِ مَشيَ المُقَيَّدِ
أَعَاذِلُ ما يُدْرِيكِ أَنَّ مَنِيّتي ... إلى ساعةٍ في اليَوْمِ أَوْ في ضُحى الغَدِ
ذَرِيني فإنّي إنّما ليَ ما مضَى ... أَمَاميَ من مالي إذا خَفّ عُوّدِي
وحُمّتْ لِميقاتي إليّ مَنيّتي، ... وغُودِرَتُ إنْ وُسِّدْتُ أَوْ لَمْ أُوَسَّدِ
وللوارِثِ الباقي من المالِ فاتْرُكي ... عِتابي فإنّي مُصلِحٌ غَيرُ مُفْسِدِ
أَعَاذِلُ مَن لا يُصْلِحِ النّفْسَ خَالياًعَنِ الحَيّ لاَ يَرْشُدْ لِقَوْلِ المُفَنَّدِ
كَفَى زَاجراً للمَرءِ أَيّامُ دَهْرِهِ، ... تَرُوحُ لَهُ بالوَاعِظَاتِ وَتَغْتَدِي
بُلِيتُ وَأَبْلَيْتُ الرّجَالَ فَأصْبَحَتْسِنُونَ طوالٌ قد أتتْ قَبْلَ بُؤسيَ وأسعُدِ
فَنَفْسَكَ فاحْفَظها عنِ الغَيّ والرّدى ... متى تُغوِها يَغْوَ الذي بِكَ يَقْتَدِي
وإنْ كَانَتِ النّعماءُ عِنْدَكَ لامرِىءٍ ... فَمِثلاً بها فاجْزِ المُطالبَ وازْدَدِ
إذا ما امرُؤٌ لم يَرْجُ منكَ هَوَادَةً ... فَلاَ تَرْجُها منه ولا دَفعَ مَشْهَدِ
وَعَدِّ سواهُ القوْلَ واعْلَمْ بأنّهُ ... متى لا يَبِن في اليَوْم يَصْرِمُكَ في الغد
عَنِ المَرءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ ... فَكُلّ قَرِينٍ بالمُقَارِنِ يَقْتَدِي
إذا أنتَ فاكَهْتَ الرّجالَ فلا تُلِعْ ... وقُلْ مِثلَ ما قالوا، ولا تَتَزَيّدِ
إذا أنتَ طالَبْتَ الرّجَالَ نَوَالُهمْ، ... فَعِفَّ، ولا تأتي بجَهْدٍ فَتُنكَدِ
سَتُدْرِكُ من ذي الفُحشِ حقّكَ كُلّه ... بِحِلْمِكَ في رِفْقٍ، وَلَمّا تَشَدَّدِ
وَسائِسُ أمرٍ لَمْ يَسُسْهُ أَبٌ لَهُ، ... وَرَائِمُ أَسبابِ الذي لمْ يُعَوَّدِ
ووارِثُ مَجْدٍ لَمْ يَنَلْهُ، وماجِدٌ ... أَصَابَ بِمَجْدٍ طَارِفٍ غَيْرِ مُتْلَدِ
وَرَاجي أُمُورٍ جَمّةٍ لَنْ يَنَالَها، ... سَتُشعِبُهُ عَنْهَا شَعُوبٌ لِمُلْحَدِ
فَلاَ تُقَصّرَنْ عن سَعي مَن قد وَرِثتَه ... وَمَا اسْتَطعْتَ من خَيرٍ لنفسكَ فازْدَدِ
وبالعدلِ فانطِقْ إن نطَقتَ، ولا تَلُمْ ... وذا الذّمّ فاذمُمهُ، وذا الحمدِ فاحمَدِ
ولا تَلْحِ إلاّ مَنْ أَلامَ ولا تَلُمْ ... وبالبَذْلِ من شَكوَى صَديقِكَ فافتَدِ
عَسَى سائلٌ ذو حاجَةٍ إن مَنَعْتَهُ ... مِنَ اليَوْمِ سُؤالاً أن يُيَسَّرَ في غَدِ
وللخَلقِ إذلالٌ لِمَنْ كَانَ باخِلاً ... ضَنيناً وَمَنْ يَبْخَلْ يُذَلّ ويُزْهَدِ
وللبَخلَةِ الأُولَى لِمَن كانَ بَاخِلاً ... أُعفُ، ومَ،ْ يَبْخَلْ يُلَمْ وَيُزْهَدِ
وأبدَتْ ليَ الأيّامُ والدّهْرُ أَنّهُ ... وَلَوْ حَبّ، مَن لا يُصلحِ المالَ يُفْسِدِ
ولاقَيْتُ لَذّاتِ الغِنَى وأصابَني ... قَوارِعُ مَنْ يَصْبِر عَلَيها يَجْلُدِ
إذا ما تُكُرّهَتِ الخَليقَةُ لامرِىءٍ ... فلا تَغشَها، واخلِدْ سِواها بِمَخْلَدِ
وَمَنْ لَمْ يَكُن ذا ناصرٍ عِنْدَ حَقّهِ ... يُغَلَّبْ عَلَيْهِ ذو النّصِيرِ، ويُضهَدِ
وفي كثرَةِ الأيدي عن الظُّلمِ زاجرٌ ... إذا حَضَرَتْ أيد الرّجالِ بمَشْهَدِ
وللأمرُ ذو المَيْسُورِ خَيْرٌ، مَغَبّةً ... مِنَ الأمرِ ذي المَعْسُورَةِ المُتَرَدَّدِ
سأكْسِبُ مَجْداً أو تَقُومَ، نَوَائِحٌ ... عَلَيّ بِلَيْلٍِ، نادِباتي وعُوّدِي
يَنُحْنَ على مَيتٍ، وأُعْلِنُ رَنّةً ... تُؤرّقُ عَيْنَيْ كلّ باكٍ ومُسْعَدِ
[ مجمهرة بشر بن أبي خازم ]
الكامل
لمَنِ الدّيَارُ غَشَيْتَها بالأنْعُمِ ... تَغْدو مَعضالِمُها كَلَوْنِ الأرْقَمِ
لَعِبَتْ بِهَا رِيحُ الصَّبا فَتَنَكّرَتْ ... إلاّ بَقِيّةُ نُؤْيِهَا المُتَهَدِّمِ
دارٌ لِبَيضَاءِ العَوَارِضِ طَفْلَةٍ ... مَهْضُومَةِ الكَشْحَينِ رَيّا المِعْصَمِ
سَمِعَتْ بِنَا قوْلَ الوُشَاةِ فَأَصْبَحَتْ ... صَرَمَتْ حِبَالَكَ في الخَليطِ المُشِئمِ
فظَلَلَتَ من فَرطِ الصّبابةِ والهَوَى ... طَرِباً فُؤادُكَ مِثْلُ فِعْلِ الأهيَمِ
لولا تَسَلّي الهَمّ عَنْكِ بِجَسْرَةٍ ... عَيْرَانَةٍ مِثْلِ الفَنِيقِ المُكَدَمِ
زَيّافَةٍ بالرّحْلِ صادِقَةِ السُّرَى ... خَطّارَةٍ تَنْفِي الحَصَى بِمُثَلَّمِ
سَائِلْ تَمِيماً في الحُرُوبِ وعامِراً ... وهَلِ المُجَرِّبُ مِثْلُ مَنْ لَمْ يَعْلَمِ؟
غَضِبَتْ تَميمٌ أَنْ تُقَتَّلَ عَامِرٌ ... يَوْمَ النِّسارِ، فَأَعْتَبُوا بالصّيْلَمِ
إنَّا إذا نَعَرُوا الحُرُوبَ بِنَعْرَةٍ ... تُشْفَى صُدُورُهُمُ بِرَأْسِ مُصَدَّمِ
نَعْلُو الفَوارِسَ بِالسّيوفِ وَنَعْتَزِي، ... والخَيْلُ مُشْعَلَةُ النّحُورِ مِنَ الدّمِ
يَخْرُجْنَ مِنْ خَلَلِ العَجَاجِ عَوابِساً ... خَبَبَ السِّبَاعِ بِكُلّ أَكْلَفَ ضَيْغَمِ
مِنْ كُلّ مُسْتَرخي النِّجادِ، مُنازِلٍ، ... يَسْمُو إلى الأقرانِ غَيْرَ مُقَلَّمِ
فَهَزَمْنَ جَمْعَهُمُ وأُفْلِتَ حَاجِبٌ ... تَحْتَ العَجَاجَةِ في الغُبَارِ الأُقْتَمِ
وعلى عِقَابِهِمُ المَذَلّةُ أَصْبَحَتْ ... نُبِذَتْ بِأَفْصَحَ ذي مَخَالِبَ جَهْضَمِ
أُقْصِدْنَ حَجْراً قَبْلَ ذلكَ والقَنَا ... شُرَعٌ إلَيْهِ، وقد أَكَبَّ على الفَمِ
يَنْوِي مُحَأوَلَةَ القِيَامِ، وقد مَضَتْ ... فيهِ مَخَارِصُ كلِّ لَدْنٍ لَهْذَمِ
وَبَنُو نَمِيرٍ قَدْ لَقِينَا مِنْهُمُ ... خَيْلاً تَضُبّ لِثَاتُها للمَغْنَمِ
فَدَهَمْنَهُمْ دَهْماً بِكُلّ طِمِرّةٍ ... وَمُقَطِّعٍ حَلَقَ الرِّحالَةِ مِرْجَمِ
وَلَقَدْ خَبَطْنَ بَني كِلابٍ خَبْطَةً ... أَلْحَقْنَهُمْ بِدَعَائِمِ المُتَخَيِّمِ
وسَلَقْنَ كَعْبَاً قَبْلَ ذَلِكَ سَلْقَةً ... بِقَناً تَعَاوَرُهُ الأكُفّ مُقَوَّمِ
حتى سَقَيْنَاهُمْ بِكَأْسٍ مُرّةٍ ... مَكْرُوهَةٍ، حَسَواتُها كَالعَلْقَمِ
قُلْ للمُثَلَّمِ وابنِ هِنْدٍ بَعْدَهُ: ... إن كُنْتَ رَائِمَ عِزّنَا فاسْتَقْدِمِ
تَلْقَ الذِي لاَقَى العَدُوُّ، وَتُصْبَحُ ... كأساً، صُبَابَتُهَا كَطَعْمِ العَلْقَمِ
نَحبُو الكَتِيبَةَ حِينَ تَفْتَرِشُ القَنَا ... طَعْنَاً كإلهابِ الحَرِيقِ المُضْرَمِ
وَلَقَدْ حَبَوْنَا عَامِراً مِنْ خَلْفِهِ، ... يَوْمَ النِّسارِ، بِطَعْنَةٍ لَمْ تُكَلَمِ
مَرَّ السِّنانُ على أَسْتِهِ فَتَرَى بِها ... مِنْ هَتْكِهِ ضَجماً كَشِدْقِ الأعْلَمِ
مِنّا بِشِجْنَةَ والذُّبَابِ فَوَارِسٌ ... وَعَتَائِدٌ مِثْلُ السّوَادِ المُظْلِمِ
وَبِضَرْغَدٍ وَعَلى السّدِيرَةِ حَاضِرٌ، ... وَبِذِي أَمَرّ حَريمُهُمْ لَمْ يُقْسَمِ
[ مجمهرة أمية بن أبي الصلت ]
الوافر
عَرَفْتُ الدّارَ قَدْ أَقْوَتْ سِنِينا ... لِزَيْنَبَ إذْ تَحِلّ بِهَا قَطِينَا
وَأَذْرَتْها جَوافِلُ مُعصِفَأتٌ ... كَمَا تُذري المُلَمْلِمَةُ الطّحِينَا
وَسَافَرَتِ الرّيَاحُ بِهنّ عُصْراً ... بأذيالٍ يَرُحْنَ وَيَغْتَدِينَا
فَأَبْقَيْنَ الطّلُولَ مُخَبَّياتٍ ... ثَلاثاً، كالحَمَائِمِ، قَدْ بَلِينا
وَأَرِيّاً لِعَهْدٍ مُرْتَداتٍ ... أَطَلْنَ بِهَا الصُّفُونَ، إذا افتُلِينَا
فإمّا تَسْأَلي عَني، لُبَيْنَى، ... وَعَنْ نَسْبَي أُخَبِّرْكِ اليَقِينَا
ثِقي أنّي النّبيهُ أباً وأُمّاً، ... وأجداداً سَمَوْا في الأقْدَمِينَا
لأفصىَ عِصْمَةِ الأفصىَ قَسيٍ، ... على أفصَى بِنِ دُعْمِيّ بُنِينَا
ودُعْميٌّ بِهِ يُكَنَى إيَادٌ ... إلَيْهِ تَنسبي كَيْ تَعْلَمِينَا
وَرِثْنَا المَجدَ عَنْ كُبَرَا نِزارٍ، ... فَأَوْرَثْنا مَآثِرَنَا البَنِينَا
وَكُنّا حَيْثُما عَلِمَتْ مَعَدٌّ ... أَقَمْنَا حَيْثُ سَارُوا هَارِبِينَا
تَنُوحُ، وَقَدْ تَوَلّتْ مُدْبِرَاتٍ ... تَخَالُ سَوَادَ أَيْكَتِها عَرِينَا
فَأَلْقَيْنَا بِساحَتِها حُلُولاً ... حُلُولاً للإقامَةِ ما بَقِينَا
فَأَنْبَتْنَا خَضَارِمَ نَاضِراتٍ، ... يَكُونُ نَتَاجُها عِنَباً وَتِينَا
وَأَرْصَدْنَا لِرَيْبِ الدّهرِ جُرداً، ... لهاميماً وَمَاذِيّاً حَصِينَا
وَخَطّيّاً كأَشْطَانِ الرّكَايَا، ... وأسيافاً يَقُمْنَ وَيَنْحَنِينَا
وَفِتْيَاناً يَرَوْنَ القَتْلَ مَجداً ... وَشِيباً في الحُرُوبِ مُجَرَّبِينَا
تُخَبِّرُكَ القَبَائِلُ مِنْ مَعَدٍ ... إذا عَدّوا سِعَايَةَ أوّلِينَا
بأنّا النّازِلُونَ بِكُلِّ ثَغْرٍ، ... وأَنّا الضّارِبُونَ إذا التَقَيْنَا
وأنّا المَانِعونَ إذا أَرَدْنا ... وأنّا المُقْبِلُونَ إذا دُعينا
وأنّا الحامِلُونَ، إذا أَنَاخَتْ ... خُطُوبٌ في العَشيرَةِ تَبْتَلِينَا
وأنّا الرّافِعُونَ على مَعَدٍ ... أَكُفّاً في المَكَارِمِ ما بَقِينَا
أَكُفّاً في المَكَارِمِ قَدّمَتْها ... قرونٌ أَوْرَثَتْ مِنّا قُرُونَا
نُشَِّدُ بِالمَخَافَةِ مَنْ أَتَانَا، ... ويُعْطِينَا المَقَادَةَ مَنْ يَليِنَا
إذا ما المَوتُ غَلّسَ بالمَنَايا، ... وذَبّلَتِ المُهَنَّدَةُ الجُفُونَا
وَأَلْقَيْنَا الرّماحَ، وكانَ ضَرْبٌ ... يَكبُبّ على الوُجُوهِ الدّارِعِينَا
نَفَوْا عن أرْضِهِمْ عَدْنَانَ طُرّاً ... وَكَانُوا بالرَّبَابَةِ قَاطِنِينَا
وَهُمْ قَتَلُوا السَّبيّ أَبَا رِغالٍ ... بِنَخْلَةَ حِينَ إذْ وَسَقَ الوَطِينَا
وَرَدّوا خَيْلَ تُبّعَ في قَديدٍ، ... وساروا للعِراقِ مُشَرِّقِينَا
وبُدّلَتِ المَسَاكِنَ مِن إيادٍ ... كِنانَةُ بَعْدَمَا كَانُوا القَطِينَا
نَسِيرُ بِمَعْشَرٍ: قَوْمٌ لِقَوْمٍ ... وَنَدْخُلُ دارَ قَوْمٍ آخَرِينَا
[ مجمهرة خداش بن زهير ]
الطويل
أَمِنْ رَسْمِ أَطْلاَلٍ بِتُوضِحَ كَالسّطْرِ ... فَمَاشِنَ مِن شَعْرٍ فَرابيةَ الجَفْرِ
إلى النّخْلِ فالعَرجَينِ حَوْلَ سُوَيقَةٍ ... تَأْنَسُ في الأُدمِ الجَوَازيءِ والعُفْرِ؟
قِفارٍ، وقد تَرعَى بها أُمُّ رَافِعٍ ... مَذَانِبَها بَيْنَ الأسِلّةِ والصّخْرِ
وإذْ هِيَ خَودٌ كالوَذِيلَةِ بادِنٌ، ... أسيلَةُ ما يَبدو من الجَيْبِ والنَّحْرِ
كَمُغْزِلَةٍ تَغذو بِحَوْمَلَ شادِناً، ... ضَئِيلَ البُغَامِ غَيْرَ طِفلٍ ولا جأرِ
طَبَاها مِنَ النّاناتِ، أو صَهَواتِها ... مَدَافعُ جُوفا، فالنّواصِفِ، فالحَتَرِ
إذا الشّمسُ كَانَتْ رَتْوَةً من حِجابِها ... تَقَتها بأطرافِ الأراكِ وبالسِّدْرِ
فَيَأ رَاكِباً إمّا عَرَضْتَ فَبَلّغَنْ ... عَقِيلاً، إذا لاَقَيْتَها، وأَبَا بَكْرِ
بِأَنّكُمُ مِنْ خَيْرِ قَوْمٍ لِقَومِكُمْ، ... على أنّ قَولاً في المَجَالِسِ كالهُجَرِ
دَعُوا جَانِباً أنّا سَنَنْزِلُ جَانباً ... لَكُم واسِعاً، بَيْنَ اليَمَامَةِ والقَهْرِ
كَأَنّكُمُ خَبَرْتُمُ أو عَلِمْتُمُ ... مَوَاليَ مِمّنْ لاَ يَنَامُ، ولا يَسرِي
كَذَبْتُمُ، وَبَيْتِ اللَّهِ، حتى تُعالجوا ... قَوادِمَ حَربٍ لا تلِينُ ولا تَمري
وَنَرْكَبُ خَيْلاً لا هَوادَةَ بَيْنَها، ... وَنَعْصي الرّماحَ بالضيّاطِرَةِ الحُمر
فَلَسنا بِوَقّافِينَ، عُصلٍ رِمَاحُنا، ... وَلَسْنَا بِصَدّافِينَ عن غايةِ التَّجْرِ
وإنَّا لِمَنْ قَوْمٍ كِرامٍ أَعِزّةٍ، ... إذا لَحقَتْ خَيْلٌ بِفُرْسَانِها تَجْري
وَنَحْنُ إذا ما الخَيْلُ أَدْرَكَ رَكْضُهَا، ... لَبِسنا لها جِلَدَ الأسَاوِدِ والنَّمْرِ
لَعَمري لَقَدْ أُخْبِثْتُمَا حِينَ قُلْتُما:لَنَا العِزُّ والمَوْلَى، فأَسرَعْتُما نَفْرِي
أَبي فارُِ الضّحياءِ عَمرُو بنُ عَامِرٍأَبَى الذّمَّ واخْتَارَ الوَفَاءَ على الغَدْرِ
وإنّي لأشقَى النّاسِ، إن كُنتُ غَارِماً، ... لِعَاقِبَةٍ، قَتلى خُزَيْمَةَ والخَضْرِ
أُكَلَّفُ قَتْلي مَعْشَرٍ لَسْتُ مِنْهُمُ؟! ... ولا أنا مَوْلاَهُم ولا نَصْرُهم نَصْرِي
يَقُولُونَ دَعْ مَوْلاَكَ نَأْكُلْهُ بَاطِلاً؛ودعْ عَنْكَ ما جرّتْ بُجَيْلَةُ مِنْ عُسْر
أُكَلَّفُ قتلي العِيصِن عيصِ شَواحِطٍ، ... وذلك أمرٌ لا يُثَفّي لَكُم قَدْرِي
وقَتلي أَجَرّتْها فَوَارِسُ ناشِبٍ، ... بأزْ،ُم، خُرصانِ الرُّدَيْنيّةِ السُّمْرِ
فَيَا أَخَوَيْنَا مِنْ أَبِينَا وَأُمّنَا! ... إليكُم! إليكُم! لا سَبيلَ إلى جَسْرِ
[ مجمهرة النمر بن تولب ]
الطويل
تأَبّدَ مِنْ أطلالِ عَمْرةَ مَأْسَلُ، ... وَقَدْ أَقْفَرَتْ مِنْهَا شِراءٌ فَيَذْبُلُ
فَبُرْقَةُ أَرْمَامٍ فَجَنْبَا مُتَالِعٍ ... فَوَادي سَلَيْلٍ فالنَّديُّ فَأَنْجَلُ
ومِنْهَا بِأَعْرَاضِ المَحَاضرِ دُمَيَةٌ، ... ومِنْهَا بِوادي المُسَلَهِمّةِ مَنْزِلُ
أَنَاةٌ، عَلَيْهَا لُؤلُؤٌ وَزَبَرْجَدٌ ... وَنَظْمٌ كَأَجْوَازِ الَجرادِ مُفَصَّلُ
يُرَبِّبُهَا التّرعيبُ والمَحضُ خِلفَةً، ... وَمِسْكٌ وَكَافُورٌ وَلُبْنَى تُؤكّلُ
يُشَنّ عَلَيْهَا الزّعْفَرانُ كَأَنّهُ ... دَمٌ قَارِتٌ تُعلَى بِهِ ثمّ تُغسَلُ
سَواءٌ عَلَيْهَا الشّيْخُ، لمْ تَدرِ ما الصِّبا، ... إذا ما رأتهُ، والأَلوفُ المُقَتَّلُ
وكم دونها من رُكنِ طَودٍ وَمَهْمَهٍ، ... وماءٍ على أطرافِهِ الذّئبُ يَعْسِلُ
وَدَسّتْ رَسُولاً مِنْ بَعيدٍ بآيَةٍ، ... بِأَنْ جُسُهمُ واسأَلْهُمُ ما تَمَوّلُوا
فَحَيّيتُ مِنْ شَحْطٍ بِخَيْرٍ حَدِيثِنا، ... ولا يَأْمَنُ الأيّامَ إلاّ مُضَلَّلُ
لَعَمْري! لقد أنكَرْتُ نَفْسي ورابَني ... معَ الشّيْبِ أبدالي التي أَتَبَدَّلُ
فُضُولٌ أَرَاهَا في أَدِيميَ بَعْدمَا ... يَكُونُ كَفَافُ اللّحْمِ، أَو هُوَ أَفْضَلُ
كَأَنّ مِخَطّاً في يَدَيْ حَارِثِيّة ... صَنَاعٍ عَلَتْ مِنّي بِهِ الجَلَدَ من علُ
وَقَوْلي، إذا ما غابَ يوماً بَعِيرُهُمْ: ... يُلاَقُونَهُ حتى يَؤُوبَ المُنَخَّلُ
وأُضحي، ولم يَذْهَبْ بَعِيري غُرْبَةً، ... وَأَشوي الذي أشوي ولا أَتَحَلّلُ
وَظَلعي ولم أُكْسَرْ، وإنّ ظَعِينَتي ... تَلُفُّ بَنِيها في البِجَادِ، وأُعْزَلُ
وَدَهْرِي، فَيَكفيني القَلِيلُ، وإنّني ... أؤوبُ، إذا ما أُبْتُ، لا أتَعَلَّلُ
وَكُنْتُ صَفيَّ النّفسِ لا شيءَ دُونَهُ، ... وَقَدْ صِرْتُ مِنْ إقْصَا حَبيبَي أَذْهُلُ
بَطيءٌ عَنِ الدّاعي، فَلَسْتُ بِآخِذٍ ... إلَيْهِ سِلاحي مثلَ ما كُنْتُ أَفْعَلُ
تَدَارَكَ ما قَبْلَ الشّبابِ وَبَعْدَهُ ... حَوَادِثًُ أَيّامٍ تَضُرّ، وَأَغْفُلُ
يَوَدّ الفَتَى بَعْدَ اعْتِدَالٍ وَصِحّةٍ ... يَنُوءُ إذا رامَ القِيَامَ، وَيَحْمِلُ
يَوَدّ الفتى طُولَ السّلامَةِ والغِنَى، ... فَكيْفَ تُرى طُولُ السّلاَمَةِ يَفْعَلُ؟
دَعَاني الغَوَاني عَمّهُنّ، وخِلتُني ... ليَ اسمٌ، فَمَا أُدْعَى بِهِ وَهُوَ أَوّلُ
وقد كُنْتُ لا تَشوي سِهَاميَ رَمْيَةً، ... فَقَدْ جَعَلَتْ تَشوي سِهامي وَتَنْصِلُ
رَأَتْ أُمُّنا كَيصاً يُلَفِّفُ وَطْبَهُ ... إلى الأُنُسِ البادِينَ، وَهُوَ مُزَمَّلُ
فَلَمّا رَأَتْهُ أُمُّنا هَانَ وَجْدُها، ... وَقَالتْ: أَبوكم هَكَذا كانَ يَفْعَلُ
وَثَارَتْ إلَينا بالصعِيدِ، كَأنّما ... يُجَلِّلُها من نافِضِ الوَرْدِ أَفْكَلُ
وقالتْ: فُلانٌ قد أَعَاشَ عِيَالَهُ ... وَأَوْدَى عِيالٌ آخَرُونَ فَهُزِّلُوا
أَلَمْ يَكُ وِلْدَانٌ أَعَانُوا وَمَجْلِسٌ؟ ... فَنَخزَى إذا كُنّا نَحِلُّ وَنَحْمِلُ
لَنَا فُرَسٌ من صَالِحِ الخَيْلِ نَبْتَغي ... عَلَيها عَطَاءَ اللَّهِ، واللَّهُ يَنْحَلُ
يَرُدّ عَلَيْنَا العِيرَ مِنْ بَعْدِ إلْفِهِ، ... بِقَرْقَرَةٍ، والنَّقْعُ لا يَتَزَيّلُ
وَحُمرٌ تَرَاها بالفِنَاءِ كَأَنّها ... ذُرَى كُثُبٍ، قد مَسّها الطّلّ، تهطُلُ
عَلَيْهَا مِنَ الدَّهنا عَتيقٌ وَمَوْرَةٌ، ... من الحَزْنِ، كلٌّ بِالمَرَاتِعِ يَأْكُلُ
فَقَدْ سَمِنَتْ حَتى تَظَاهَرَ نَيُّهَا، ... فَلَيْسَ عَلَيْهَا بالرّوادِفِ مِحْمَلُ
إذا وَرَدَتْ مَاءً، وإنْ كَانَ صَافياً، ... حَدَتْهُ على دَلْوٍ تُعَلّ وَتُنْهَلُ
فَفِي جِسْمِ راعيها هُزالٌ وشُحْبَةٌ، ... وضُرٌّ، وما مِنْ قِلّةِ اللّحْمِ يَهْزُلُ
فَلاَ الجارَةُ الدّنْيَا لها تَلْحَينَّها؛ ... ولا الضّيْفُ عَنْهَا إن أناخَ مُحَوَّلُ
إذا هُتِكَتْ أَطْنَابُ بَيْتٍ، وَأَهْلُهُ ... بِمُعْظَمِها، لم يُورَدِ المَاءَ، أُقْبِلُ
عَلَيْهِنّ، يَوْمَ الوِردِ، حَقّ وَذِمّةٌ، ... وَهُنّ غَدَاةَ الغِبّ عِنْدَكِ حُفّلُ
وَأَقْمَعْنَا فيها الوِطَابَ وَحَوْلَنا ... بُيُوتٌ عَلَيْهَا كُلُّها فُوهُ مُقفَلُ
كتاب : جمهرة أشعار العرب
المؤلف : أبو زيد القرشي
منتديات الرسالة الخاتمة - البوابة