منتدى الف توتة و حدوتة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    المحبة الإيمانية والتوحيد الخالص

    avatar
    توتة
    Admin


    عدد المساهمات : 2017
    تاريخ التسجيل : 13/02/2014

    المحبة الإيمانية والتوحيد الخالص Empty المحبة الإيمانية والتوحيد الخالص

    مُساهمة من طرف توتة الأحد 25 أبريل - 11:55

    المحبة الإيمانية والتوحيد الخالص Akeda_11

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة العقيدة
    جامع الرسائل فى العقيدة
    المحبة الإيمانية والتوحيد الخالص
    المحبة الإيمانية والتوحيد الخالص 1410
    [ مختصر كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى الشيخ نصر المنبجي ]
    سنة أربع وسبعمائة

    بسم الله الرحمن الرحيم
    من أحمد بن تيمية إلى الشيخ العارف القدوة أبي الفتح نصر، فتح الله على باطنه وظاهره ما فتح به على قلوب أوليائه، ونصره على شياطين الإنس والجن في جهره وإخفائه، ونهج به الطريقة المحمدية الموافقة لشرعته، وكشف به الحقيقة الدينية المميزة بين خلقه وطاعته، وإرادته ومحبته، حتى يظهر للناس الفرق بين الكلمات الكونية والكلمات الدينية، وبين المؤمنين الصادقين الصالحين، ومن تشبه بهم من المنافقين،
    أما بعد فإن الله تعالى قد أنعم على الشيخ وأنعم به نعمة باطنة وظاهرة في الدين والدنيا، وجعل له عند خاصة المسلمين الذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً منزلة عليه، ومودة إليه لما منحه الله تعالى به من حسن المعرفة والقصد، فإن العلم والإرادة، أصل لطريق الهدى والعبادة وقد بعث الله محمداً صلى الله تعالى عليه وسلم بأكمل محبة في أكمل معرفة، فأخرج بمحبة الله ورسوله هي أصل الأعمال، المحبة التي فيها إشراك وإجمال، كما قال تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله، والذين آمنوا أشد حباً لله) وقال تعالى: (قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال افترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله، فتربصوا حتى يأتي الله بأمره).
    ولهذا كانت المحبة الإيمانية هي الموجبة للذوق الإيماني والوجد الديني كما في الصحيحين عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان في قلبه، من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله، ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار "، فجعل صلى الله تعالى عليه وسلم وجود حلاوة الإيمان معلقاً بمحبة الله ورسوله الفاضلة وبالمحبة فيه في الله وبكراهة ضد الإيمان.
    وفي صحيح مسلم عن العباس قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: " ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً "، فجعل ذوق طعم الإيمان معلقاً بالرضى بهذه الأصول كما جعل الوجد معلقاً بالمحبة ليفرق صلى الله تعالى عليه وسلم بين الذوق والوجد الذي هو أصل الأعمال الظاهرة وثمرة الأعمال الباطنة، وبين ما أمر الله به ورسوله وبين غيره كما قال سهل بن عبد الله التستري: كل وجد لا يشهد له الكتاب والسنة فهو باطل، إذ كان كل من أحب شيئاً فله ذوق بحسب محبته ولهذا طالب الله تعالى مدعي محبته بقوله: (قل إن كنتم تحبون الله، فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم).
    قال الحسن البصري: ادعى قوم على عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أنهم يحبون الله فطالبهم بهذه الآية فجعل محبة العبد لله موجبة لمتابعة رسوله، وجعل متابعة رسوله موجبة لمحبة الرب عبده، وقد ذكرت نعت المحبين في قوله: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين، يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)، فنعت المحبين المحبوبين بوصف الكمال الذي نعت لله به رسوله الجامع بين معنى الجلال والجمال المفرق في الملتين، قلنا وهو الشدة والعزة على أعداء الله، والذلة والرحمة لأولياء الله ورسوله ولهذا يوجد كثير ممن له وجد وحب مجمل مطلق كما قال فيه كبير من كبرائهم: مشرد عن الوطن، مبعد عن السكن، يبكي الطلول والدمن، يهوى ولا يدري لمن.
    والمعرفة الذي هى أصل المحبة والإرادة ما تتميز به المحبة الإيمانية المحمدية المفصلة، عن المجملة المشتركة،
    وكما يقع هذا الإجمال في المحبة يقع أيضاً في التوحيد، قال الله تعالى في أم الكتاب التي هي مفروضة على العبد وواجبة في كل صلاة أن يقول: (إياك نعبد وإياك نستعين)، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن الله يقول: " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين نصفها لي ونصفها لعبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد (الحمد لله رب العالمين) قال الله: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرحمن الرحمين) قال الله: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: (مالك يوم الدين) قال: مجدني عبدي، أو قال فوض إلي عبدي، وإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: فهذه الآية بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال: فهؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل ".
    ولهذا روي أن الله أنزل مائة كتاب وأربعة كتب جمع معانيها في القرآن ومعاني القرآن في المفصل في أم الكتاب، ومعاني أم الكتاب في هاتين الكلمتين (إياك نعبد وإياك نستعين) وهذا المعنى قد ثناه الله في مثل قوله: (فاعبده وتوكل عليه)، وفي مثل قوله: (عليه توكلت وإليه أنيب) وقوله: (عليه توكلت وإليه متاب).
    وكان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقول في نسكه: " اللهم هذا منك وإليك "، فهو سبحانه مستحق التوحيد الذي هو دعاؤه وإخلاص الدين له دعاء العباد بالمحبة والإنابة والطاعة والإجلال والإكرام والخشية والرجاء ونحو ذلك من معاني تألهه وعبادته ودعاء المسألة والاستعانة بالتوكل عليه، والالتجاء إليه، والسؤال له، ونحو ذلك مما يفعل سبحانه بمقتضى ربوبيته، وهو سبحانه الأول والآخر والباطن والظاهر.
    ولهذا جاءت الشريعة الكاملة في العبادة باسم الله وفي السؤال باسم الرب فيقول المصلي والذاكر الله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله ولا إله إلا الله، وكلمات الآذان: الله أكبر الله أكبر إلى آخرها ونحو ذلك.
    وفي السؤال: (ربنا ظلمنا أنفسنا) - (رب اغفر لي ولوالدي) - (رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيراً للمجرمين) - (رب ظلمت نفسي فاغفر لي)ـ (ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا)ـ (رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين) ونحو ذلك، وكثير من المتوجهين السالكين يشهد في سلوكه الربوبية والقيومية الكاملة الشاملة لكل مخلوق من الأعيان والصفات، وهذه الأمور قائمة بكلمات الله الكونية التي كان النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يستعيذ بها فيقول: " أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض وما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن "، فيغيب ويفنى بهذا التوحيد الرباني عما هو مأمور به أيضاً ومطلوبه وهو محبوب الحق ومرضيه من التوحيد الإلهي الذي هو عبادته وحده لا شريك له، وطاعته وطاعة رسوله، والأمر بما أمر به، والنهي عما نهى عنه، والحب فيه، والبغض فيه، ومن أعرض عن هذا التوحيد وأخذ بالأول فهو يشبه القدرية المشركية الذين قالوا (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا) ومن أخذ بالثاني دون الأول فهو من القدرية المجوسية الذين يزعمون أن الله لم يخلق أفعال العباد ولا شاء جميع الكائنات كما تقول المعتزلة والرافضة ويقع في كلام كثير من المتكلمة والمتفقهة، والأول ذهب إليه طوائف من الإباحية المنحلين عن الأوامر والنواهي، وإنما يستعملون ذلك عند أهوائهم وإلا فهو لا يستمر، وهو كثير في المتألهة الخارجين عن الشريعة خفو العدو وغيرهم فإن لهم زهادات وعبادات فيها ما هو غير مأمور به فيفيدهم أحوالاً فيها ما هو فاسد يشبهون من بعض الوجوه الرهبان وعباد البدود.
    أن المسلم مأمور أن يفعل ما أمر الله به، ويدفع ما نهى الله عنه، وإن كانت أسبابه قد قدرت، فيدفع الله بقدر الله كما جاء في الحديث الذي رواه الطبراني في كتاب الدعاء عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: " إن الدعاء والبلاء ليلتقيان بين السماء والأرض "، وفي الترمذي قيل: يا رسول الله، أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقي نسترقي بها وتقى نتقيها هل ترد من قدر الله شيئاً، فقال: " هن من قدر الله "، وإلى هذين المعنيين أشار الحديث الذي رواه الطبراني أيضاً عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: " يقول الله يا ابن آدم إنما هي أربع: واحدة لي، وواحدة لك، وواحدة بيني وبينك، وواحدة بينك وبين خلقي. فأما التي لي: فتعبدني لا تشرك بي شيئاً، وأما التي لك فعملك أجزيك به أحوج ما تكون إليه، وأما التي هي بيني وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة، وأما التي بينك وبين خلقي فأت الناس بما تحب أن يؤتوه إليك ".
    ثم إن التوحيد الجامع لتوحيد الألوهية والربوبية أو توحيد أحدهما للعبد فيه ثلاث مقامات: أحدها مقاما الفرق والكثرة بإنعامه من كثرة المخلوقات والمأمورات.
    والثاني مقام الجمع والفناء بحيث يغيب بمشهوده عن شهوده، وبمعبوده عن عبادته، وبموحده عن توحيده، وبمذكوره عن ذكره، وبمحبوبه عن حبه، فهذا فناء عن إدراك السوى وهو فناء القاصرين.
    وأما الفناء الكامل المحمدي فهو الفناء عن عبادة السوى والاستعانة بالسوى وإرادة وجه السوى، وهذا في الدرجة الثالثة وهو شهود التفرقة في الجمع، والكثرة في الوحدة، فيشهد قيام الكائنات مع تفرقها بإقامة الله تعالى وحده وربوبيته، ويرى أنه ما من دابة إلا ربي آخذ بناصيتها، وأنه على كل شيء وكيل، وأنه رب العالمين، وأن قلوب العباد ونواصيهم بيده، لا خالق غيره و نافع ولا ضار ولا معطي ولا مانع ولا حافظ ولا معز ولا مذل سواه، ويشهد أيضاً فعل المأمورات مع كثرتها وترك الشبهات مع كثرتها لله وحده لا شريك له.
    وهذا هو الدين الجامع العام الذي اشترك فيه جميع الأنبياء والإسلام العام والإيمان العام، وبه أنزلت السور المكية وإليه الإشارة بقوله تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)، وبقوله: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا، أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون)، وبقوله تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) ولهذا ترجم البخاري عليه: " باب ما جاء أن دين الأنبياء واحد ".
    وقد قال تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)، فجمع في الملل الأربع: (من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً)، وذلك قبل النسخ والتبديل وخص في أول الآية المؤمنين وهو الإيمان الخاص الشرعي الذي قال فيه: (لكل جعلنا منكم شرعةً ومنهاجاً)، والشرعة هي الشريعة، والمنهاج هو الطريقة، والدين الجامع هو الحقيقة الدينية، وتوحيد الربوبية، هو الحقيقة الكونية، فالحقيقة المقصودة الدينية الموجودة الكونية متفق عليها بين الأنبياء والمرسلين.
    فأما الشرعة والمنهاج الإسلاميان فهو لأمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم (خير أمة أخرجت للناس)، وبها أنزلت السور المدنية إذ في المدينة النبوية شرعت الشرائع وسنت السنن ونزلت الأحكام والفرائض والحدود فهذا التوحيد هو الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب ، وفي مثل هذا الحال غلط من غلط بدعوى الاتحاد والحلول العيني في مثل دعوى النصارى في المسيح، ودعوى الغالية في علي وأهل البيت، ودعوى قوم من الجهال الغالية في مثل الحلاج أو الحاكم بمصر أو غيرهما، وربما اشتبه عليهم الاتحاد النوعي الحكمي بالاتحاد العيني الذاتي.
    فالأول كما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: " يقول الله، عبدي مرضت فلم تعدني فيقول كيف أعودك وأنت رب العالمين، فيقول أما علمت أنه مرض عبدي فلان فلو عدته لوجدتني عنده، عبدي جعت فلم تطعمني، فيقول ربي كيف أطعمك وأنت رب العالمين، فيقول أما علمت أن عبدي فلاناً جاع فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي " ففسر ما تكلم به في هذا الحديث أن جوع عبده ومحبوبه لقوله: " لوجدت ذلك عندي "، ولم يقل لوجدتني قد أكلته ولقوله: " لوجدتني عنده "، ولم يقل لوجدتني إياه وذلك لأن المحب يتفق هو ومحبوبه بحيث يرضى أحدهما بما يرضاه الآخر ويأمر بما يأمر به ويبغض ما يبغضه ويكره ما يكرهه وينهى عما ينهى عنه.
    وهؤلاء هم الذين يرضى الحق لرضاهم ويغضب لغضبهم، والكامل المطلق في هؤلاء محمد صلى الله تعالى عليه وسلم ولهذا قال تعالى فيه: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) وقال: (والله ورسوله أحق أن يرضوه) وقال: (من يطع الرسول فقد أطاع الله).
    وقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: " من عادى لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي "، فأخبر في هذا الحديث أن الحق سبحانه إذا تقرب إليه العبد بالنوافل المستحبة التي يحبها الله بعد الفرائض أحبه الحق على هذا الوجه. وقد غلط من زعم أن هذا قرب النوافل وإن قرب الفرائض أن يكون هو إياه فإن الله لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة فهذا القرب يجمع الفرائض والنوافل، فهذه المعاني وما يشبهها هي أصول مذهب أهل الطريقة الإسلامية أتباع الأنبياء والمرسلين.
    أن المقصود بخلق الخلق وإنزال الكتب وإرسال الرسل أن يكون الدين كله لله هو دعوة الخلائق إلى خالقهم بما قال تعالى: (إنا أرسلنا شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً) وقال سبحانه: (قل هذه سبلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني).
    وقال تعالى: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض، ألا إلى الله تصير الأمور) ولكن هؤلاء الاتحادية موهوا على السالكين التوحيد الذي أنزل الله تعالى به الكتب، وبعث به الرسل بالاتحاد الذي سموه توحيداً وحقيقته تعطيل الصانع وجحود الخالق، وإنما كنت قديماً ممن يحسن الظن بابن عربي ويعظمه لما رأيت في كتبه من الفوائد مثل كلامه في كثير من الفتوحات والكنة والمحكم المربوط والدرة الفاخرة ومطالع النجوم ونحو ذلك ولم نكن بعد اطلعنا على حقيقة مقصوده ولم نطالع الفصوص ونحوه وكنا نجتمع مع إخواننا في الله نطلب الحق ونتبعه ونكشف حقيقة الطريق فلما تبين الأمر عرفنا نحن ما يجب علينا فلما قدم من المشرق مشايخ معتبرون وسألوا عن حقيقة الطريقة الإسلامية والدين الإسلامي وحقيقة حال هؤلاء وجب البيان، وكذلك كتب إلينا من أطراف الشام رجال سالكون أهل صدق وطلب أن أذكر النكت الجامعة لحقيقة مقصودهم والشيخ أيده الله تعالى بنور قلبه وذكاء نفسه وحق قصده من نصحه للإسلام وأهله ولإخوانه السالكين يفعل في ذلك ما يرجو به رضوان الله سبحانه ومغفرته في الدنيا والآخرة. هؤلاء الذين تكلموا في هذا الأمر لم يعرف لهم خبر من حين ظهرت دولة التتار وإلا فكان الاتحاد القديم هو الاتحاد المعين وذلك أن القسمة رباعية فإن كل واحد من الاتحاد والحلول إما معين في شخص وإما مطلق، أما الاتحاد والحلول المعين كقول النصارى والغالية في الأئمة من الرافضة وفي المشايخ من جهال الفقراء والصوفية فإنهم يقولون به في معنى إما بالاتحاد كاتحاد الماء واللبن وهو قول اليعقوبية وهم السودان ومن الحبشة والقبط، وإما بالحلول وهو قول النسطورية، وإما بالاتحاد من وجه دون وجه وهو قول الملكانية.
    وأما الحلول المطلق: وهو أن الله تعالى بذاته حال في كل شيء فهذا تحكيه أهل السنة والسلف عن قدماء الجهمية وكانوا يكفرون بذلك.
    وأما ما جاء به هؤلاء من الاتحاد العام فما علمت أحداً سبقهم إليه إلا من أنكر وجود الصانع مثل فرعون والقرامطة، وذلك أن حقيقة أمرهم أنهم يرون أن عين وجود الحق هو عين وجود الخلق، وإن وجود ذات الله خالق السموات والأرض هي نفس وجود المخلوقات فلا يتصور عندهم أن يكون الله تعالى خلق غيره ولا أنه رب العالمين ولا أنه غني وما سواه فقير، لكن تفرقوا على ثلاثة طرق وأكثر من ينظر في كلامهم لا يفهم حقيقة أمرهم لأنه أمر مبهم.
    وأما هؤلاء الاتحادية فهم أخبث وأكفر من أولئك الجهمية ولكن السلف والأئمة أعلم بالإسلام وبحقائقه فإن كثيراً من الناس قد لا يفهم تغليظهم في ذم المقالة حتى يتدبرها ويرزق نور الهدى فلما اطلع السلف على سر القول نفروا منه، وهذا كما قال بعض الناس: متكلمة الجهمية لا يعبدون شيئاً ومتعبدة الجهمية كل شيء، وذلك لأن متكلمهم ليس في قلبه تأله ولا تعبد فهو يصف ربه بصفات العدم والموات.
    وأما المتعبد ففي قلبه تأله وتعبد والقلب لا يقصد إلا موجوداً لا معدوماً فيحتاج أن يعبد المخلوقات إما الوجود المطلق وإما بعض المظاهر كالشمس والقمر والبشر والأوثان وغير ذلك، فإن قول الاتحادية يجمع كل شرك في العالم، وهم لا يوحدون الله سبحانه وتعالى وإنما يوحدون القدر المشترك بينه وبين المخلوقات، فهم بربهم يعدلون، ولهذا حدث الثقة أن ابن سبعين كان يريد الذهاب إلى الهند وقال إن أرض الإسلام لا تسعه، لأن الهند مشركون يعبدون كل شيء حتى النبات والحيوان.
    وهذا حقيقة قول الاتحادية وأعرف ناساً لهم اشتغال بالفلسفة والكلام وقد تألهوا على طريق هؤلاء الاتحادية فإذا أخذوا يصفون الرب سبحانه بالكلام قالوا: ليس بكذا ليس بكذا ووصفوه بأنه ليس هو رب المخلوقات كما يقوله المسلمون، لكن يجحدون صفات الخالق التي جاءت بها الرسل عليهم السلام وإذا صار لأحدهم ذوق ووجد تأله وسلك طريق الاتحادية وقال إنه هو الموجودات كلها فإذا قيل له أين ذلك النفي من هذا الإثبات? قال: ذلك جدي، وهذا ذوقي فيقال لهذا الضال: كل ذوق ووجد لا يطابق لاعتقاد فأحدهما أو كلاهما باطل وإنما الأذواق والمواجيد نتائج المعارف والاعتقادات فإن علم القلب حاله متلازمان فعلى قدر العلم والمعرفة يكون الوجد والمحبة والحال، ولو سلك هؤلاء طريق الأنبياء والمرسلين عليهم السلام الذين أمروا بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له ووصفوه بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله، واتبعوا طريق السابقين الأولين، لسلكوا طريق الهدى ووجدوا برد اليقين وقرة العين فإن الأمر كما قال بعض الناس إن الرسل جاؤوا بإثبات مفصل، ونفي مجمل، والصابئة المعطلة جاؤوا بنفي مفصل وإثبات مجمل، فالقرآن مملوء من قوله تعالى في الإثبات: (إن الله بكل شيء عليم)، (وعلى كل شيء قدير)، (وإنه سميع بصير)، (وسع كل شيء رحمة وعلماً)، وفي النفي (ليس كمثله شيء) - (ولم يكن له كفواً أحد) - (هل تعلم له سميا)،)سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين).
    وأسأل الله العظيم أن يصلح أمر المسلمين عامتهم وخاصتهم، ويهديهم إلى ما يقربهم، وأن يجعل الشيخ من دعاة الخير الذين قال الله سبحانه فيهم: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون).
    انتهى مختصر كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى الشيخ نصر المنبجي

    المحبة الإيمانية والتوحيد الخالص Fasel10

    جامع الرسائل فى العقيدة
    تأليف : ابن تيمية
    منتدى ميراث الرسول ـ البوابة
    المحبة الإيمانية والتوحيد الخالص E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 22 نوفمبر - 14:18