منتدى الف توتة و حدوتة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    من حديث الأفك إلى ختام السنة السادسة

    avatar
    توتة
    Admin


    عدد المساهمات : 2017
    تاريخ التسجيل : 13/02/2014

    من حديث الأفك إلى ختام السنة السادسة Empty من حديث الأفك إلى ختام السنة السادسة

    مُساهمة من طرف توتة الثلاثاء 16 أبريل - 7:55

    من حديث الأفك إلى ختام السنة السادسة Alathe10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    أحوال البلاد وأخبار العباد
    من حديث الأفك إلى ختام السنة السادسة
    من حديث الأفك إلى ختام السنة السادسة 1410
    ● [ حديث الإفك ] ●

    وكان حديث الإفك في غزوة المصطلق: لما رجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فكان ببعض الطريق قال أهل الإفك ما قالوا، وكان من حديثه ما روي عن عائشة، قالت: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، فلما كانت غزوة بني المصطلق أقرع بين نسائه فخرج سهمي فخرج بي معه، وكان النساء إذ ذاك إنما يأكلن العلق لم يتفكهن باللحم، وكنت إذا وصل بعيري جلست في هودجي ثم يأتي القوم الذين يرحلون بعيري فيحملون الهودج وأنا فيه فيضعونه على ظهر البعير ثم يأخذون برأس البعير ويسيرون. قالت: فلما قفل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من سفره ذلك، وكان قريباً من المدينة، بات بمنزلٍ بعض الليل ثم ارتحل هو والناس، وكنت قد خرجت لبعض حاجتي وفي عنقي عقدٌ لي من جزع ظفار انسل من عنقي ولا أدري، فلما رجعت التمست العقد فلم أجده، وأخذ الناس بالرحيل، فرجعت إلى المكان الذي كنت فيه ألتمسه فوجدته، وجاء القوم الذين يرحلون بعيري فأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه، فاحتملوه على عادتهم وانطلقوا، ورجعت إلى المعسكر وما فيه داعٍ ولا مجيب، فتلففت بجلبابي واضطجعت مكاني وعرفت أنهم يرجعون إلي إذا افتقدوني.
    قالت: فوالله إني لمضطجعة إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي، وكان تخلف عن العسكر لحاجته، فلم يبت مع الناس، فلما رأى سوادي أقبل حتى وقف علي فعرفني، وكان رآني قبل أن يضرب الحجاب، فلما رآني استرجع وقال: ما خلفك ؟ قالت: فما كلمته، ثم قرب البعير وقال: اركبي. فركبت وأخذ برأس البعير مسرعاً.
    فلما نزل الناس واطمأنوا طلع الرجل يقودني، فقال أهل الإفك ما قالوا، فارتعج العسكر ولم أعلم بشيء من ذلك، ثم قدمنا المدينة فاشتكيت شكوى شديدة، وقد انتهى الحديث إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإلى أبوي ولا يذكران لي منه شيئاً، إلا أني أنكرت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعض لطفه، فكان إذا دخل علي وأمي تمرضني قال: كيف تيكم ؟ لا يزيد على ذلك، فوجدت في نفسي مما رأيت من جفائه، فاستأذنته في الانتقال إلى أمي لتمرضني، فأذن لي، وانتقلت ولا أعلم بشيء مما كان حتى نقهت من وجعي بعد بضع وعشرين ليلة.
    قالت: وكنا قوماً عرباً لا نتخذ في بيوتنا هذه الكنف نعافها ونكرهها، إنما كان النساء يخرجن كل ليلة، فخرجت ليلة لبعض حاجتي ومعي أم مسطح ابنة أبي رهم بن المطلب، وكانت أمها خالة أبي بكر الصديق، قالت: فوالله إنها لتمشي إذ عثرت في مرطها فقالت: تعس مسطحٌ. قالت: قلت: لعمر الله بئس ما قلت لرجل من المهاجرين قد شهد بدراً ! قالت: أوما بلغك الخبر ؟ قلت: وما الخبر ؟ فأخبرتني بالذي كان. قالت: فوالله ما قدرت على أن أقضي حاجتي فرجعت فما زلت أبكي حتى ظننت أن البكاء سيصدع كبدي، وقلت لأمي: تحدث الناس بما تحدثوا ولا تذكرين لي من ذلك شيئاً ؟ قالت: أي بنية خفضي عليك، فوالله قل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثرن وكثر الناس عليها. قالت: وقد قام رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الناس فخطبهم ولا أعلم بذلك، ثم قال: أيها الناس ما بال رجال يؤذونني في أهلي ويقولون عليهن غير الحق، ويقولون ذلك لرجل والله ما علمت عليه إلا خيراً وما دخل بيتاً من بيوتي إلا معي.
    وكان كبر عند عبد الله بن أبي بن سلول في رجال من الخزرج، مع الذي قال مسطح وحمنة بنت جحش، وذلك أن زينب أختها كانت عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأشاعت من ذلك ما أشاعت تضارني لأختها، فلما قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تلك المقالة قال أسيد بن حضير: يا رسول الله إن يكونوا من الأوس نكفكهم، وإن يكونوا من إخواننا الخزرج فمرنا بأمرك. فقال سعد بن عبادة: والله ما قلت هذه المقالة إلا وقد عرفت أنهم من الخزرج، ولو كانوا من قومك ما قلت هذا. فقال أسيد: كذبت ولكنك منافق تجادل عن المنافقين. وتثاور الناس حتى كاد يكون بينهم شر، ونزل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ودعا علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد فاستشارهما، فأما أسامة فأثنى خيراً وأما علي فقال: إن النساء لكثير وسل الخادم تصدقك، فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بريرة يسألها، فقام إليها علي فضربها ضرباً شديداً وهو يقول: اصدقي رسول الله. فقالت: والله ما أعلم إلا خيراً، وما كنت أعيب عليها إلا أنها كانت تنام عن عجينها فيأتي الداجن فيأكله.
    ثم دخل علي رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وعندي أبواي وامرأة من الأنصار وأنا أبكي وهي تبكي، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا عائشة إنه قد كان ما بلغك من قول الناس، فإن كنت قارفت سوءاً فتوبي إلى الله.
    قالت: فوالله لقد تقلص دمعي حتى ما أحس منه شيئاً، وانتظرت أبوي أن يجيباه، فلم يفعلا، فقلت: ألا تجيبانه ؟ فقالا: والله ما ندري بماذا نجيبه ! وما أعلم أهل بيت دخل عليهم ما دخل على أبي بكر تلك الأيام. فلما استعجبا بكيت ثم قلت: والله لا أتوب إلى الله مما ذكرت أبداً، والله لئن أقررت - والله يعلم إني منه بريئة - لتصدقني، ولئن أنكرت لا تصدقني. ثم التمست اسم يعقوب فلم أجده فقلت: ولكني أقول كما قال أبو يوسف: (فَصَبْرٌ جَميلٌ وَاللهُ المُسْتَعَانُ عَلى مَا تَصِفُونَ) يوسف: 18، ولشأني كأني أصغر في نفسي أن ينزل الله في قرآناً يتلى، ولكني كنت أرجو أن يرى رؤيا يكذب الله بها عني.
    قالت: فوالله ما برح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من مجلسه حتى جاءه الوحي، فسجي بثوبه، فأما أنا فوالله ما فزعت ولا باليت، وقد عرفت أني بريئة وأن الله ظالمي، وأما أبواي فما سري عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى ظننت لتخرجن أنفسهما فرقاً من أن يحقق الله ما قال الناس. قالت: ثم سري عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وإنه ليتحدر عنه مثل الجمان، فجعل يمسح العرق عن جبينه ويقول: أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله براءتك. فقلت: بحمد الله ! ثم خرج إلى الناس فخطبهم وذكر لهم ما أنزل الله في من القرآن، ثم أمر بمسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش، وكانوا ممن أفصح بالفاحشة، فضربوا حدهم، وحلف أبو بكر لا ينفق على مسطح أبداً، فأنزل الله: (وَلا يَأتَلِ أُولُو الفَضْلِ منْكُمْ) الآية النور: 22؛ فقال أبو بكر: إني أحب أن يغفر الله لي؛ ورجع إلى مسطح نفقته. ثم إن صفوان بن المعطل اعترض حسان بن ثابت بالسيف فضربه، ثم قال:
    تلقّ ذباب السّيف عنّي فإنّني ... غلامٌ إذا هوجيت لست بشاعر
    فوثب ثابت بن قيس بن شماس فجمع يديه إلى عنقه وانطلق به إلى الحارث ابن الخزرج، فلقيه عبد الله بن رواحة فقال: ما هذا ؟ فقال: ضرب حسان وما أراه إلا قتله. فقال عبد الله: هل علم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بشيء مما صنعت ؟ قال: لا والله، قال: لقد اجترأت، أطلق الرجل، فأطلقه، فذكر ذلك لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فدعا حسان وصفوان بن المعطل، فقال صفوان: هجاني يا رسول الله وآذاني فضربته. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لحسان: أحسن يا حسان. قال: هي لك يا رسول الله، فأعطاه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عوضاً منها بيرحاء، وهي قصربني حديلة، بالحاء المهملة؛ وأعطاه شيرين، أمة قبطية، وهي أخت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله، فولدت له ابنه عبد الرحمن، وكان صفوان حصوراً لا يأتي النساء، ثم قتل بعد ذلك شهيداً.
    مسطح بكسر الميم، وسكون السين المهملة، وبالطاء والحاء المهملتين.
    ● [ ذكر عمرة الحديبية ] ●

    في هذه السنة خرج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معتمراً في ذي القعدة لا يريد حرباً ومع جماعة من المهاجرين والأنصار ومن تبعه من الأعراب ألف وأربعمائة، وقيل: ألف وخمسمائة، وقيل: ثلاثمائة، وساق الهدي معه سبعين بدنه ليعلم الناس أنه إنما جاء زائراً للبيت. فلما بلغ عسفان لقيه بسر بن سفيان الكعبي فقال: يا رسول الله هذه قريش قد سمعوا بمسيرك فاجتمعوا بذي طوىً يحلفون بالله لا تدخلها عليهم أبداً، وقد قدموا خالد بن الوليد إلى كراع الغميم.
    وقيل: إن خالداً كان مع النبي، صلى الله عليه وسلم، مسلماً، وإنه أرسله، فلقي عكرمة بن أبي جهل فهزمه؛ والأول أصح.
    ولما بلغه بسر ما فعلت قريش قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: يا ويح قريش قد أكلتهم الحرب ! ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر الناس، فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله دخلوا في الإسلام وافرين، والله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله به حتى يظهره الله أو تنفرد هذه السالفة.
    ثم خرج على غير الطريق التي هم بها وسلك ذات اليمين حتى سلك ثنية المرار على مهبط الحديبية، فبركت به ناقته، فقال الناس: خلأت. فقال: ما خلأت ولكن حبسها حابس الفيل عن مكة، لا تدعوني قريش اليوم إلى خطة يسألوني فيها صلة الرحم إلا أعطيتهم إياها. ثم قال للناس: انزلوا. فقالوا: ما بالوادي ماء. فأخرج سهماً من كنانته فأعطاه رجلاً من أصحابه، فنزل في قليب من تلك القلب فغرزه في جوفه، فجاش الماء بالري حتى ضرب الناس عنه بعطن، وكان اسم الذي أخذ السهم ناجية بن عمير سائق بدن النبي، صلى الله عليه وسلم.
    فبينما هم كذلك أتاهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه خزاعة، وكانت خزاعة عيبة نصح رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من تهامة، فقال: تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد نزلوا أعداد مياه الحديبية وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت. فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: إنا لم نأتي لقتال أحد، ولكنا جئنا معتمرين، وإن شاءت قريش ماددناهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، وإن أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي.
    فانطلق بديل إلى قريش فأعلمهم ما قال النبي، صلى الله عليه وسلم، فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال: إن هذا الرجل عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها، دعوني آته. فقالوا: ائته. فأتاه وكلمه، فقال له: يا محمد جمعت أوشاب لناس ثم جئت بهم إلى بيضتك لتفضها بهم، إنها قريش خرجت معها العوذ المطافيل قد لبسوا جلود النمور يعاهدون الله أنك لا تدخلها عليهم عنوةً أبداً، وايم الله بكأني بهؤلاء قد تكشفوا عنك غداً. فقال أبو بكر: امصص بظر اللات ! أنحن ننكشف عنه ؟ قال: من هذا يا محمد ؟ قال النبي، صلى الله عليه وسلم: هذا ابن أبي قحافة. فقال: أما والله لولا يد لك عندي لكافأتك بها. ثم جعل يتناول لحية رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو يكلمه والمغيرة بن شعبة واقف على رأس رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في الحديد، فجعل يقرع يده إذا تناولها ويقول له: اكفف يدك قبل أن لا تصل إليك. فقال عروة: من هذا ؟ قال النبي، صلى الله عليه وسلم: هذا ابن أخيك المغيرة. فقال: أي غدر ! وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس ؟ وكان المغيرة قد قتل ثلاثة عشر رجلاً من بني مالك وهرب، فتهايج الحيان بن و مالك رهط المقتولين والأحلاف رهط المغيرة، فودى عروة للمقتولين ثلاث عشرة ديةً وأصلح ذلك الأمر.
    وطال الكلام بينهما، فقال له النبي؛ صلى الله عليه وسلم، نحو مقالته لبديل، فقال له عروة: يا محمد أرأيت إن استأصلت قومك فهل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك ؟ وجعل يرمق أصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم، فوالله لا يتنخم النبي نخامةً إلا وقعت في كف أحدهم فدلك بها وجهه وجلده وإن أمرهم ابتدروا أمره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وما يحدون النظر إليه تعظيماً له.
    فرجع عروة إلى أصحابه وقال: أي قوم قد وفدت على كسرى وقيصر والنجاشي فوالله ما رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمداً ! وحدثهم ما رأى وما قال النبي، صلى الله عليه وسلم.
    فقال رجل من كنانة اسمه الحليس بن علقمة، وهو سيد الأحابيش: دعوني آته. فقالوا: ائته فلما رآه النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن، فابعثوا الهدي في وجهه فلما رأى الهدي رجع إلى قريش ولم يصل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا قوم قد رأيت ما لا يحل صده، الهدي في قلائده. فقالوا: اجلس فإنما أنت أعرابي لا علم لك. فقال: والله ما على هذا حالفناكم أن تصدوا عن البيت من جاء معظماً له، والذي نفسي بيده لتخلن بين محمد وبين البيت أو لأنفرن بالأحابيش نفرة رجل واحد. قال: فقالوا: مه ! كف عنا يا حليس حتى نأخذ لأنفسنا.
    فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال: دعوني آته. فقالوا: افعل. فلما أشرف على النبي، صلى الله عليه وسلم، قال لأصحابه: هذا رجل فاجر، فجعل يكلم النبي، صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو، فلما جاء قال النبي: سهل أمركم.
    وقال ابن إسحاق: إن قريشاً إنما بعثت سهيلاً بعد رسالة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع عثمان بن عفان، قال: لما رجع عروة بن مسعود إلى قريش بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، خراش بن أمية الخزاعي إلى قريش على جمل له يقال له الثعلب ليبلغ عنه، فعقروا به جمل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأرادوا قتله، فمنعته الأحابيش وخلوا سبيله حتى أتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عمر ليرسله إلى مكة، فقال: ليس بمكة من بني عدي من يمنعني، وقد علمت قريش عداوتي لها وأخافها على نفسي فأرسل عثمان فهو أعز بها مني. فدعا عثمان فأرسله ليبلغ عنه، فانطلق، فلقيه أبان ابن سعيد بن العاص فأجاره، فأتى أبا سفيان وعظماء قريش فبلغهم عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقالوا لعثمان حين فرغ من أداء الرسالة: إن شئت أن تطوف بالبيت فطف به، فقال: ما كنت لأفعل حتى يطوف به النبي، صلى الله عليه وسلم. فاحتبسته قريش عندها، فبلغ النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قد قتل، فقال: لا نبرح حتى نناجز القوم.
    ثم دعا الناس إلى البيعة فبايعوه تحت الشجرة، وهي سمرة، لم يتخلف منهم أحد إلا الجد بن قيس، وكان أول من بايعه رجل من بني أسد يقال له أبو سنان. ثم أتى الخبر أن عثمان لم يقتل.
    ثم بعثت قريش سهيل بن عمرو أخا عامر بن لؤي إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، ليصالحه على أن يرجع عنهم عامه ذلك، فأقبل سهيل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وأطال معه الكلام وتراجعا، ثم جرى بينهم الصلح، فدعا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب، فقال: اكتب باسم الله الرحمن الرحيم. فقال سهيل: لا نعرف هذا، ولكن اكتب: باسمك اللهم، فكتبها، ثم قال: اكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو - فقال سهيل: لو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك، ولكن اكتب اسمك واسم أبيك. فقال لعلي: امح رسول الله. فقال: لا أمحوك أبداً. فأخذه رسول الله، صلى الله عليه وسلمن وليس يحسن يكتب فكتب موضع رسول الله: محمد بن عبد الله، وقال لعلي: لتبلين بمثلها - اصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين وأنه من أتى منهم رسول الله بغير إذن وليه رده إليهم ومن جاء قريشاً ممن مع رسول الله لم يردوه عليه، ومن أحب أن يدخل في عهد رسول الله دخل، ومن أحب أن يدخل في عهد قريش دخل، فدخلت خزاعة في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ودخلت بنو بكر في عهد قريش، وأن يرجع رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عنهم عامة ذلك، فإذا كان عام قابل خرجنا عنك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثاً وسلاح الراكب السيوف في القرب.
    فبينا النبي، صلى الله عليه وسلم، يكتب الكتاب إذ جاء أبو جندل ابن سهيل بن عمرو يرسف في الحديد قد انفلت إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وكان أصحاب النبي لا يشكون في افتح لرؤيا رآها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فلما رأوا الصلح دخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون. فلما رأى سهيل ابنه أبا جندل أخذه وقال: يا محمد قد تمت القضية بيني وبينك قبل أن يأتيك هذا. قال: صدقت، وأخذه ليرده إلى قريش، فصاح أبو جندل: يا معشر المسلمين أرد إلى المشركين ليفتنوني عن ديني ! فزاد الناس شراً إلى ما بهم، فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: احتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً، إنا قد أعطينا القوم عهودنا على ذلك فلا نغدر بهم. قال: فوثب عمر بن الخطاب يمشي مع أبي جندل ويقول له: اصبر واحتسب فإنما هم المشركون وإنما دم أحدهم دم كلب ! وأدنى قائم السيف منه رجاء أن يأخذه فيضرب به أباه، قال: فبخل الرجل بأبيه.
    وشهد على الصلح جماعة من المسلمين فيهم أبو بكر وعمر وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم، وجماعة من المشركين.
    فلما فرغ النبي، صلى الله عليه وسلم، من قضيته قال: قوموا فانحروا ثم احلقوا، فما قام أحد حتى قال ذلك مراراً، فلما لم يقم أحد منهم دخل على أم سلمة فذكر لها ذلك، فقالت: يا نبي الله اخرج ولا تكلم أحداً منهم حتى تنحر بدنك وتحلق شعرك، ففعل، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وحلقوا حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غماً. فما فتح في الإسلام قبله فتح كان أعظم منه، حيث أمن الناس كلهم فدخل في الإسلام تينك السنتين مثل ما دخل فيه قبل ذلك وأكثر.
    فلما قدم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، المدينة جاءه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي، وهو مسلم، وكان ممن حبس بمكة، فكتب فيه الأزهر بن عبد عوف والأخنس بن شريق وبعثا فيه رجلاً من بني عامر بن لؤي ومعه مولى لهم، فقال له رسول الله، صلى الله عليه وسلم: قد علمت أنا قد أعطينا هؤلاء القوم عهداً ولا يصلح الغدر في ديننا. فانطلق معهما إلى ذي الحليفة فجلسوا، وأخذ أبو بصير سيف أحدهما فقتله به وخرج المولى سريعاً إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبره بقتل صاحبه، ثم أقبل أبو بصير فقال: يا رسول الله قد وفت ذمتك وأنجاني الله منهم. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ويل امه مسعر حرب لو كان له رجال ! فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم، فخرج أبو بصير حتى نزل بناحية ذي المروة على ساحل البحر على طريق قريش إلى الشام، وبلغ المسلمين الذين كانوا احتبسوا بمكة ذلك فخرجوا إلى أبي بصير، منهم أبو جندل، فاجتمع إليه قريب من سبعين رجلاً، فضيقوا على قريش يعترضون العير تكون لهم، فأرسلت قريش إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، يناشدونه الله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه فهو آمن، فآواهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
    وفيها نزلت سورة الفتح، وهاجر إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نسوة مؤمنات فيهن أم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط، فجاء أخواها عمارة والوليد يطلبانها، فأنزل الله: (فَإنْ عَلِمْتُمُوهُنّ مُؤمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُن إلى الكُفّارِ) الممتحنة: 10 الآية؛ فلم يرسل امرأة مؤمنة إلى مكة، وأنزل الله: (وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الكَوَافِرِ)؛ فطلق عمر بن الخطاب امرأتين له، إحداهما قريبة بنت أبي أمية، والثانية أم كلثوم بنت عمرو بن جرول الخزاعي، وهما مشركتان، فتزوج أم كلثوم أبو جهم بن حذيفة ابن غانم.
    بسر بضم الباء الموحدة، وسكون السين المهملة، وآخره راء. بصير بالباء الموحدة المفتوحة، والصاد المهملة المكسورة، والياء الساكنة تحتها نقطتان، وآخره راء أيضاً. وأسيد بفتح الهمزة، وكسر السين. وجارية بالجيم، وآخره راء أيضاً. والحليس بضم الحاء المهملة، وفتح اللام، وبعده ياء تحتها نقطتان، وآخره سين مهملة.
    وفيها كانت عدة من سرايا وغزوات: منها سرية عكاشة بن محصن أربعين رجلاً إلى الغمر، فنذر بهم القوم فهربوا، فسعت الطلائع فوجدوا مائتي بعير فأخذوها إلى المدينة، وكانت في ربيع الآخر.
    ومنها سرية محمد بن مسلمة، أرسله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في عشرة فوارس في ربيع الأول إلى بني ثعلبة بن سعد، فكمن القوم له حتى نام هو وأصحابه وظهروا عليهم، فقتل أصحابه ونجا هو وحده جريحاً.
    ومنها سرية أبي عبيدة بن الجراح إلى ذي القصة في ربيع الآخر في أربعين رجلاً، فهرب أهله منهم وأصابوا نعماً ورجلاً واحداً أسلم فتركه رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
    ومنها سرية زيد بن حارثة بالجموم، فأصاب امرأة من مزينة اسمها حليمة، فدلتهم على محلة من حال بني سليم، فأصابوا نعماً وشاء وأسرى فيهم زوجها، فأطلقها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وزوجها معها.
    ومنها سرية زيد أيضاً إلى العيص في جمادى الأولى، وفيها أخذت الأموال التي كانت مع أبي العاص بن الربيع، واستجار بزينب بنت النبي، صلى الله عليه وسلم، فأجارته. وقد تقدم ذكره في غزوة بدر.
    ومنها سرية زيد أيضاً إلى الطرف في جمادى الآخرة إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلاً، فهربوا منه، وأصاب من نعمهم عشرين بعيراً.
    ومنها سرية زيد بن حارثة إلى حسمى في جمادى الآخرة.
    وسببها أن رفاعة بن زيد الجذامي ثم الضبي قدم على النبي، صلى الله عليه وسلم، في هدنة الحديبية وأهدى لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، غلاماً وأسلم فحسن إسلامه، وكتب له رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كتاباً إلى قومه يدعوهم إلى الإسلام، فأسلموا، ثم ساروا إلى حرة الرجلاء.
    ثم إن دحية بن خليفة الكلبي أقبل من اشام من عند قيصر، حتى إذا كان بأرض جذام أغار عليه الهنيد بن عوص بن الهنيد الضليعيان، وهو بطن من جذام، فأخذا كل شيء معه، فبلغ ذلك نفراً من بني الضبيب قوم رفاعة ممن كان أسلم، فنفروا إلى الهنيد وابنه، فلقوهما واقتتلوا، فظفر بنو الضبيب واستنقذوا كل شيء أخذ من دحية وردوه عليه، فخرج دحية حتى قدم على النبي، صلى الله عليه وسلم، فأخبره خبره وطلب منه دم الهنيد وابنه عوص، فأرسل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إليهم زيد بن حارثة في جيش، فأغاروا بالفضافض وجمعوا ما وجدوا من مال وقتلوا الهنيد وابنه.
    فلما سمع بذلك بنو الضبيب رهط رفاعة بن زيد سار بعضهم إلى زيد بن حارثة فقالوا: إنا قوم مسلمون. فقال زيد: فاقرأوا أم الكتاب، فقرأها حسان بن ملة. فقال زيد: نادوا في الجيش: إن الله حرم علينا ما أخذ من طريق القوم التي جاؤوا منها، وأراد أن يسلم إليهم سباياهم، فأخبره بعض أصحابه عنهم بما أوجب أن يحتاط، فتوقف في تسليم السبايا وقال: هم في حكم الله، ونهى الجيش أن يهبطوا واديهم.
    وعاد أولئك الركب الجذاميون إلى رفاعة بن زيد وهو بكراع ربة لم يشعر بشيء من أمرهم، فقال له بعضهم: إنك لجالسٌ تحلب المعزى ونساء جذام أسارى قد غرهن كتابك الذي جئت به. فسار رفاعة والقوم معه إلى المدينة وعرض كتاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: كيف أصنع بالقتلى ؟ فقالوا: لنا من كان حياً ومن قتل فهو تحت أقدامنا، يعنون تركوا الطلب به. فأجابهم إلى ذلك وأرسل معهم علي بن أبي طالب إلى زيد بن حارثة فرد على القوم مالهم حتى كانوا ينتزعون ليد المرأة تحت الرجل، وأطلق الأسارى.
    ربة بالراء والباء الموحدة. والضبيب بضم الضاد المعجمة، تصغير ضب - وقيل: هو بفتح الضاد، وكسر الباء، وآخره نون - نسبة إلى ضبيبة.
    ومنها سرية زيد أيضاً إلى وادي القرى في رجب.
    ومنها سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل في شعبان، فأسلموا، فتزوج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ رئيسهم، وهي أم أبي سلمة.
    ومنها سرية علي بن أبي طالب إلى فدك في شعبان في مائة رجل، وذلك أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بلغه أن حياً من بني سعد قد تجمعوا له يريدون أن يمدوا أهل خيبر، فسار إليهم علي فأصاب عيناً لهم، فأخبره أنه سار إلى أهل خيبر يعرض عليهم نصرهم على أن يجعلوا لهم تمر خيبر.
    ومنها سرية زيد بن حارثة إلى أم فرقة في رمضان، وكانت عجوزاً كبيرة، فلقي زيد بن فزارة بوادي القرى فأصيب أصحابه وارتث زيد من بين القتلى فنذر أن لا يمس ماء من جنابة حتى يغزو فزارة، فبعثه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إليهم، فلقيهم بوادي القرى فأصاب منهم وقتل وأسر أم قرفة، وهي فاطمة بنت ربيعة بن بدر، عجوز كبيرة، وبنتاً لها، فربط أم قرفة بين بعيرين فشقاها نصفين، وقدم على النبي، صلى الله عليه وسلم، بابنتها، وكانت لسلمة بن الأكوع، فأخذها رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منه هبةً وأرسلها إلى حرب بن أبي وهب فولدت له عبد الله بن حرب.
    وأما سلمة بن الأكوع فإنه جعل أمير هذه السرية أبا بكر، فروي عنه أنه قال: أمر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، علينا أبا بكر، فغزونا ناساً من بني فزارة، فشننا عليهم الغارة صلاة الصبح، فأخذت منهم جماعة وسقتهم إلى أبي بكر وفيها امرأة من بني فزارة معها بنت لها من أحسن العرب، فنفلني أبو بكر بنتها، فقدمت المدينة فلقيت النبي، صلى الله عليه وسلم، بالسوق فقال لي: يا أبا سلمة لله أبوك هب لي المرأة. فقلت: والله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوباً. فسكت ثم عاد من الغد فوهبتها له، فبعث بها إلى مكة ففادى بها أسارى من المسلمين.
    ومنها سرية كرز بن جابر الفهري إلى العرنيين الذين قتلوا راعي النبي، صلى الله عليه وسلم، واستاقوا الإبل في شوال. وبعثه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، في عشرين فارساً.
    وفيها تزوج عمر بن الخطاب جميلة بنت ثابت بن أبي الأفلح أخت عاصم، فولدت له عاصماً، فطلقها وتزوجها بعده يزيد بن جارية فولدت له عبد الرحمن بن يزيد، فهو أخو عاصم لأمه.
    جارية بالجيم وبعد الراء ياء تحتها نقطتان.
    وفيها أجدب الناس جدباً شديداً فاستسقى رسول الله بالناس في رمضان.
    ● [ ذكر مكاتبة رسول الله ] ●
    صلى الله عليه وسلم الملوك

    وفيها بعث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الرسل إلى كسرى وقيصر والنجاشي وغيرهم، وأرسل حاطب بن بلتعة إلى المقوقس بمصر، وأرسل شجاع بن وهب الأسدي إلى الحارث بن أبي شمر الغساني، وأرسل دحية إلى قيصر، وأرسل سليط بن عمرو العامري إلى هوذة بن علي الحنفي، وبعث عبد الله بن حذافة إلى كسرى، وأرسل عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي، وأرسل العلاء بن الحضرمي إلى المنذر بن ساوى أخي عبد القيس، وقيل: إن إرساله كان سنة ثمان، والله أعلم.
    فأما المقوقس فإنه قبل كتاب النبي، صلى الله عليه وسلم، وأهدى إليه أربع جوار، منهن مارية أم إبراهيم ابن رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
    وأما قيصر، وهو هرقل، فإنه قبل كتاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وجعله بين فخذيه وخاصرته، وكتب إلى رجل برومية كان يقرأ الكتب يخبره شأنه، فكتب إليه صاحب رومية: إنه النبي الذي كنا ننتظره لا شك فيه فاتبعه وصدقه. فجمع هرقل بطارقة الروم في الدسكرة وغلقت أبوابها ثم اطلع عليهم من علية وخافهم على نفسه وقال لهم: قد أتاني كتاب هذا الرجل يدعوني إلى دينه، وإنه والله النبي الذي نجده في كتابنا، فهلم فلنتبعه ونصدقه فتسلم لنا دنيانا وآخرتنا. فنخروا نخرة رجل واحد ثم ابتدروا الأبواب ليخرجوا، فقال: ردوهم علي، وخافهم على نفسه وقال لهم: إنما قلت لكم ما قلت لأنظر كيف صلابتكم في دينكم، وقد رأيت منكم ما سرني، فسجدوا له، وانطلق وقال لدحية: إني لأعلم أن صاحبك نبي مرسلٌ ولكني أخاف الروم على نفسي، ولولا ذلك لا تبعته، فاذهب إلى ضغاطر الأسقف الأعظم في الروم واذكر له أمر صاحبك وانظر ما يقول لك.
    فجاء دحية وأخبره بما جاء به من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فقال له ضغاطر: والله إن صاحبك نبي مرسل نعرفه بصفته ونجده في كتابنا. ثم أخذ عصاه وخرج على الروم وهم في الكنيسة فقال: يا معشر الروم قد جاءنا كتاب من أحمد يدعونا إلى الله، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله. قال: فوثبوا عليه فقتلوه.
    فرجع دحية إلى هرقل وأخبره الخبر. قال: قد قلت إنا نخافهم على أنفسنا. وقال قيصر للروم: هلموا نعطيه الجزية، فأبوا، فقال: نعطيه أرض سورية، وهي الشام، ونصالحه، فأبوا، واستدعى هرقل أبا سفيان، وكان بالشام تاجراً، إلى الشام في الهدنة، فحضر عنده ومعه جماعة من قريش أجلسهم هرقل خلفه وقال: إني سائله فإن كذب فكذبوه. فقال أبو سفيان: لولا أن يؤثر عني الكذب لكذبت، فسأله عن النبي، قال: فصغرت له شأنه، فلم يلتفت إلى قولي وقال: كيف نسبه فيكم ؟ قلت: هو أوسطنا نسباً. هل كان من أهل بيته من يقول مثل قوله ؟ قلت: لا. قال: فهل له فيكم ملك سلبتموه إياه ؟ قلت: لا. قال: فمن اتبعه منكم ؟ قلت: الضعفاء والمساكين والأحداث. قال: فهل يحبه من يتبعه ويلزمه أو يقليه ويفارقه ؟ قلت: ما تبعه رجل ففارقه. قال: فكيف الحرب بينكم وبينه ؟ قلت: سجال يدال عينا وندال عليه. قال: هل يغدر ؟ قال: فلم أجد شيئاً أغمز به غيرها، قلت: لا، ونحن منه في هدنة، ولا نأمن غدره. قال: فما التفت إليها.
    قال أبو سفيان: فقال لي هرقل: سألتك عن نسبه فزعمت أنه من أوسط الناس وكذلك الأنبياء، وسألتك هل قال أحد من أهل بيته مثل قوله فهو متشبه به فزعمت أن لا وسألتك هل سلبتموه ملكه فجاء بهذا لتردوا عليه ملكه، فزعمت أن لا، وسألتك عن أتباعه فزعمت أنهم الضعفاء والمساكين، وكذلك أتباع الرسل، وسألتك عمن يتبعه أيحبه أم يفارقه فزعمت أنهم يحبونه ولا يفارقونه، وكذلك حلاوة الإيمان لا تدخل قلباً فتخرج منه، وسألتك هل يغدر فزعمت أن لا، ولئن صدقتني ليغلبن على ما تحت قدمي هاتين، ولوددت أني عنده فأغسل قدميه. انطلق لشأنك.
    قال: فخرجت وأنا أضرب إحدى يدي بالأخرى وأقول: أي عباد الله لقد أمر أمر ابن أبي كبشة، أصبح ملوك الروم يهابونه في سلطانهم.
    قال: وقدم عليه دحية بكتاب النبي: صلى الله عليه وسلم: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمّد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، السلام على من اتّبع الهدى، أسلمْ تسلمْ، وأسلمْ يؤتِك الله أجرك مرّتين، وإن تولّيت فإن إثم الأكّارين عليك).
    وأما الحارث بن أبي شمر الغساني فأتاه كتاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع شجاع بن وهب، فلما قرأه قال: أنا سائر إليه، فلما بلغ قوله رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: باد ملكه.
    وأما النجاشي فإنه لما جاءه كتاب النبي، صلى الله عليه وسلم، آمن به واتبعه وأسلم على يد جعفر بن أبي طالب وأرسل إليه ابنه في ستين من الحبشة فغرقوا في البحر، وأرسل إليه رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ليزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، وكانت مهاجرة بالحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش، فتنصر وتوفي بالحبشة، فخطبها النجاشي إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فأجابت، وزوجها، وأصدقها النجاشي أربعمائة دينار، فلما سمع أبو سفيان تزويج رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أم حبيبة قال: ذاك الفحل لا يقدع أنفه.
    وأما كسرى فجاءه كتاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مع عبد الله بن حذافة فمزق الكتاب، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: مزق ملكه. وكان كتابه: (بسم الله الرحمن الرحيم، من محمّد رسول الله إلى كرسى عظيم فارس، سلام على من اتّبع الهدى وآمن بالله ورسوله وشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وإنّي أدعوك بدعاء الله، وإنّي رسول الله إلى النّاس كافّة لأُنذر (مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحقَّ القَوْلُ عَلى الكافرين) يس: 70، فأسلمْ تسلمْ، وإن تولّيت فإنّ إثم المجوس عليك).
    فلما قرأه شقه، قال: يكتب إلي بهذا وهو عبدي ! ثم كتب إلى باذان، وهو باليمن: أن ابعث إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين من عندك جلدين فليأتياني به. فبعث باذان بابويه، وكان كاتباً حاسباً، ورجلاً آخر من الفرس يقال له خرخسره، وكتب معهما يأمره بالمسير معها إلى كسرى، وتقدم بابويه أن يأتيه بخبر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وسمعت قريش بذلك ففرحوا وقالوا: أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك، كفيتم الرجل. فخرجا حتى قدما على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وقد حلقا لحاهما وأعفيا شواربهما، فكره النظر إليهما وقال: ويلكما من أمركما بهذا ؟ قالا: ربنا، يعنيان الملك. فقال: لكن ربي أمرني أن أعفي لحيتي وأقص شاربي، فأعلماه بما قدما له وقالا: إن فعلت كتب باذان فيك إلى كسرى، وإن أبيت فهو يهلكك ويهلك قومك. فقال لهما رسول الله، صلى الله عليه وسلم: ارجعا حتى تأتياني غداً. وأتى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الخبر من السماء: إن الله قط سلط على كسرى ابنه شيرويه فقتله، فدعاهما رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأخبرهما بقتل كسرى وقال لهما: إن ديني وسلطاني سيبلغ ملك كسرى وينتهي منتهى الخف والحافر، وأمرهما أن يقولا لباذان: أسلم، فإن أسلم أقره على ما تحت يده وأملكه على قومه. ثم أعطى خرخسره منطقة ذهب وفضة أهداها له بعض الملوك.
    وخرجا فقدما على باذان وأخبراه الخبر، فقال: والله ما هذا كلام ملك وإني لأراه نبياً، ولننظرن فإن كان ما قال حقاً فإنه لنبي مرسل، وإن لم يكن فنرى فيه رأينا. فلم يلبث باذان أن قدم عليه كتاب شيرويه يخبره بقتل كسرى وأنه قتله غضباً للفرس لما استحل من قتل أشرافهم، ويأمره بأخذ الطاعة له باليمن وبالكف عن النبي، صلى الله عليه وسلم. فلما أتاه كتاب شيرويه أسلم وأسلم معه أبناء من فارس. وكانت حمير تسمى خرخسره صاحب المعجزة، والمعجزة بلغة حمير المنطقة.
    وأما هوذة بن علي فكان ملك اليمامة، فلما أتاه سليط بن عمرو يدعوه إلى الإسلام، وكان نصرانياً، أرسل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، وفداً فيهم مجاعة بن مرارة والرجال بن عنفوة يقول له: إن جعل الأمر له من بعده أسلم وسار إليه نصره، وإلا قصد حربه. فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: لا ولا كرامة، اللهم اكفنيه ! فمات بعد قليل.
    وأما مجاعة والرجال فأسلما، وأقام الرجال عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، حتى قرأ سورة البقرة وغيرها وتفقه وعاد إلى اليمامة فارتد وشهد أن رسول الله أشرك مسيلمة معه، فكانت فتنته أشد من فتنة مسيلمة.
    مجاعة بضم الميم وتشديد الجيم. والرجال بالجيم المشددة، وقيل بالحاء المهملة المشددة. وعنفوة بضم العين، وسكون النون، وضم الفاء، وفتح الواو.
    وأما المنذر بن ساوى، والي البحرين، فلما أتاه العلاء بن الحضرمي يدعوه ومن معه بالبحرين إلى الإسلام أو الجزية، وكانت ولاية البحرين للفرس، فأسلم المنذر بن ساوى وأسلم جميع العرب بالبحرين.
    فأما أهل البلاد من اليهود والنصارى والمجوس فإنهم صالحوا العلاء والمنذر على الجزية من كل حالم دينار، ولم يكن بالبحرين قتال إنما بعضهم أسلم وبعضهم صالح.
    وولي الحج في هذه السنة المشركون.
    وفي هذه السنة ماتت أم رومان، وهي أم عائشة زوجة النبي، صلى الله عليه وسلم.

    من حديث الأفك إلى ختام السنة السادسة Fasel10

    مختصر الكامل في التاريخ لابن الأثير
    منتدى نافذة ثقافية - البوابة
    من حديث الأفك إلى ختام السنة السادسة E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 24 نوفمبر - 19:53