من طرف هند سالم الخميس 6 سبتمبر - 9:00
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
كتاب : الإستعداد للموت وسؤال القبر
تأليف : المليباري
الشفاعة الكبرى
قال اللّه تعالى: (يَوْمَئِذٍ لاَّ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ).
ذكر أبو بكر البزار عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يحمل الناس يوم القيامة على الصراط فيتفادع بهم جنبا الصراط تفادع الفراش في النار ثم يؤذن للملائكة والنبيين والشهداء والصالحين فيشفعون ويخرجون من في النار " .
وروي في الصحيح: " إن أول من يشفع المرسلون ثم النبيون ثم العلماء " .
وفي كتاب الترمذي قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم " . قيل: يا رسول اللّه سواك، قال: " سواي " .
وفي مسند البزار: قال: رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " إن من أمتي من يشفع للفئام من الناس ومنهم من يشفع للعصبة ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للرجل وأهل بيته " .
وروى الدارقطني عن أبي أمامة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " نعم الرجال أنا لشرار أمتي " . قالوا كيف لخيارها، قال: " أما خيارها فيدخلون الجنة بأعمالهم، وأما شرار أمتي، فيدخلون الجنة بشفاعتي " .
وروي عن عوف بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " أتاني آت من عند اللّه فيخبرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة فاخترت الشفاعة وهي لمن مات لا يشرك باللّه شيئاً " .
وفي الوسيط للواحدي عن جابر قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الرجل يقول في الجنة ما فعل صديقي وصديقه في الجحيم فيقول اللّه عز وجل أخرجوا له صديقه إلى الجنة فيقول من بقي فيها فما لنا من شافعين ولا صديق حميم " .
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: إن ناساً قالوا يا رسول اللّه هل نرى ربنا يوم القيامة، قال: رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " نعم " . قال هل: " تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحواً ليس معها سحاب، وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحواً ليس فيها سحاب " . قالوا: لا يا رسول اللّه. قال " ما تضارون في رؤية اللّه تبارك وتعالى يوم القيامة إلا كما تضارون في رؤية أحدهما، إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقى أحد كان يعبد غير اللّه سبحانه من الأصنام والأنصاب إلا يتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد اللّه من بر وفاجر وغُبَّرِ أهل الكتاب فيدعى اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزير بن اللّه فيقال: كذبتم ما اتخذ اللّه من صاحبة ولا ولد فماذا تبغون؟ قالوا: عطشنا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم ألا تردون فيحشرون إلى النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً، فيتساقطون في النار، ثم يدعى النصارى فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن اللّه، فيقال لهم : كذبتم ما اتخذ اللّه من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم: ماذا تبغون، فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا قال فيشار إليهم ألا تردون فيحشرهم إلى جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون في النار حتى إذا لم يبق إلا من كان يعبد اللّه تعالى من بر وفاجر أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أدنى صورة من التي رواه فيها، قال فما تنتظرون تتبع كل أمة ما كانت تعبد قالوا: يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ باللّه منك لا نشرك باللّه شيئاً " مرتين أو ثلاثاً " حتى أن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول: هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها، فيقولون: نعم. فيكشف عن ساق فلا يبقى من كان يسجد للّه من تلقاء نفسه إلا أذن اللّه له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاء ورياء، إلا جعل اللّه ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه، ثم يرفعون رؤوسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة، فقال أنا ربكم فيقولون أنت ربنا، قد أخذت النار إلى نصف ساقية وإلى ركبتيه ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة، ويقولون اللهم سلم سلم، قيليا رسول اللّه وما الجسر؟ قال: دَحضٌ مزلة فيه خطاطيف، وكلاليب وحسكٌ تكون بنجد فيه شويكة يقال لها السعدان، فيمر المؤمنون كطرفة العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب فناج مسلم ومخدش مرسل ومكدوس في نار جهنم حتى إذا خلص المؤمنون من النار فو الذي نفسي بيده ما منكم من أحد منكم بأشد منشدة للّه في استقصاء الحق من المؤمنين للّه يوم القيامة لإِخوانهم الذين في النار يقولون: ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم على النار، فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون: ربنا ما بقى فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا ثم يقول: ارجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها خيراً، فيقول اللّه: شفعت الملائكة، وشفع النبيون، وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعلموا خيراً قط، قد عادوا حمماً فيلقيهم في نهر في أفواه الجنة، يقال له نهر الحياة،فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلى الحجر أو إلى الشجر ما يكون إلى الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلى الظل يكون أبيض فقالوا يا رسول اللّه كأنك كنت ترعى بالبادية قال: فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتمن فيعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء اللّه الذين أدخلهم اللّه الجنة بغير بعمل عملوه ولا خير قدموه، فيقال لهم لكم ما رأيتم ومثله معه.
أعلم أن الشفاعات خمس: أولها: الإِراحة من هول الموقف وتعجيل الحساب وهي مختصة بمحمد صلى الله عليه وسلم.
والثانية: في إدخال قوم الجنة بغير حساب، وهي أيضاً وردت له صلى الله عليه وسلم.
والثالثة: قوم استوجبوا النار فيشفع فيهم نبيا ومن شاء اللّه يشفع له.
والرابعة: في زيادة الدرجات في الجنة لأهلها.
والخامسة: فيمن دخل النار من المذنبين فيشفع فيهم نبياً وغيره من الأنبياء والملائكة وإخوانهم المؤمنين، ثم يخرج اللّه كل من قال لا إله إلا اللّه من غير شفاعة شافع حتى لا يبقى فيها إلا الكافرون كما في حديث عن أنس: " ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد ثم أخرُّ له ساجداً، فيقال يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا اللّه، قال ليس ذلك إليك لكن وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبروتي، لأخرجن من قال لا إله إلا اللّه " أي أتفضل بإخراجهم دون شفاعة شافع فهؤلاء هم الذين معهم مجرد الإيمان وهم الذين لم يؤذن في الشفاعة فيهم وإنما دلت الآثار أنه أذن لمن عنده شيء زائد على الإيمان من عمل صالح أو ذكر خفي، أو عمل من أعمال القلب، من شفقة على مسكين وخوف من اللّه ونية صادقة في عمل فاته، وجعل للشافعين من الملائكة والنبيين دليل عليه، وتفرد اللّه بعلم ما تكنه القلوب، والرحمة لمن ليس عنده سوى الإيمان، فقوله مثقال ذرة من إيمان ومن خير الصحيح أن معناه شيء زائد على مجرد الإيمان لأن مجرد الإيمان الذي هو تصديق لا يتجزأ، فعليك يا أخي بالإيمان، بأن تعتقد بقلبك دين الإسلام وتنطق مع ذلك بالشهادتين، فإن اقتصرت على أحدهما خلدت في نار جهنم التي وقودها الناس والحجارة، ولا تنفعك شفاعة شافع ثم عليك أن تحترز من المعاصي، فإن المعاصي بريد الكفر.
فقد حكي أن تلميذاً للفضيل بن عياض حضرته الوفاة فدخل عليه الفضيل وجلس عند رأسه، وقرأ سورة يس. فقال يا أستاذ لا تقرأ هذه السورة فسكت ثم لقنه، فقال قل لا إله إلا اللّه، فقال لا أقولها لأني بريء منها ومات على ذلك فدخل الفضيل منزله وجعل يبكي أربعين يوماً لم يخرج من البيت ثم رآه في النوم وهو يسحب به إلى جهنم. فقال: بأي شيء نزع اللّه المعرفة عنك وكنت اعلم تلاميذتي؟ فقال بثلاثة أشياء: أولها: بالنميمة، فإني قلت لأصحابي بخلاف ما قلت لك.
وثانياً: بالحسد، حسدت أصحابي.
وثالثاً: كان بي علة فجاء إلى طبيب فسألته عنها فقال: اشرب في كل سنة قدحاً من خمر فإن لم تفعل تبقى بك العلة فكنت أشربه نعوذ باللّه من السخط الذي لا طاقة لنا به.
قال بعضهم:
إذا أبقيت الدنيا على المرء دينه ... فما فاته منها فليس بضائر
اللهم ارحمنا ولا تعذبنا، ووفقنا ولا تخذلنا، ولا تسلب منا الإيمان عند خواتيمنا، فإنه لا ملجأ لنا إلا إليك، ولا معول لنا إلاعليك يا أرحم الراحمين.