من طرف توتة الخميس 17 مايو - 20:03
بّسم الله الرّحمن الرّحيم
مكتبة التاريخ
عجائب الآثار
الجزء الأول
{ الفصل الثاني }
في ذكر حوادث مصر وولاتها واعيانها ووفيات
فى سني الملاحم العظيمة والحوادث الجسيمة
{ أحداث شهر المحرم سنة 1228 }
ثم دخلت سنة ثماني وعشرين ومائتين والف
استهل المحرم بيوم الاثنين سنة 1228 وفيه وصل الخبر من الجهة القبلية بان ابراهيم بك ابن الباشا قبض على احمد افندي ابن حافظ افندي الذي بيده دفاتر الرزق الاحباسية وشنقه وضرب قاسم افندي بن امين الدين كاتب الشهر عالقة قوية وكان والده اصحبهما معه ليباشرا معه الامور ويعرفاه الاحوال وكان قاسم افندي خصيصا به مثل الوزير والصاحب والنديم ورتب له الباشا في كل سنة ثمانين كيسا خلاف الخروج والكساوى وشرط عليه المناصحة في كشف المستورات وما يكون فيه تحصيل الاموال فكأنه قصر في كشف بعض الاشياء وارسل الى والده يعلمه بخيانته هو وكاتب الارزاق وانهما منهمكان في ملاذهما فأذن له في فعله بهما ما ذكر واخذ ما كانا جمعاه لانفسهما واظهر انه انما فعل بهما ذلك عقوبة على ارتكابهما المعصية
وفي عشرينه حضر ابراهيم بك المذكور الى مصر وفيه حصلت منافسة بين حسين افندي الروزنامجي وبين شخصين من كتابه وهما مصطفى افندي باش جاجرت وقيطاس افندي ولعل ذلك بإعراء باطني على حسين افندي فرفعا امرهما الى الباشا وعرفاه عن مصارف وامور يفعلها حسين افندي ويحفيها عن الباشا وانه اذا حوسب على السنين الماضية يطلع عليه الوف من الاكياس فعندما سمع ذلك امرهما بمباشرة حسابه عن اربع سنوات متقدمة فخرجا من عنده واخذ صحبتهما مباشرا تركيا ونزلوا على حين غفلة بعد العصر وتوجهوا الى منزل اخيه عثمان افندي السرجي ففتحوا خزانة الدفاتر واخذوها بتمامها الى بيت ابن الباشا ابراهيم بك الدفتردار واجتمعوا في صبحها للمحاققة والحساب مع اخيه عثمان افندي المذكور واستمروا في المناقشة والمحاققة عدة ايام مع المرافعة والمدافعة والميل الكلي على حسين افندي ويذهبون كل ليلة يخبرون الباشا بما يفعلون وبالقدر الذي ظهر عليه فيعجبه ذلك ويثنى عليهما ويحرضهما على التدقيق فتنتفخ اوداجهما ويزيدان في الممانعة والمدافعة والمرافعة في الحساب وحسين افندي على جليته ويظن انه على عادته في كونه مطلق التصرف في الاموال الميرية ويبلغها اذا سئل فيها للقائم بالدولة ايرادا ومصرؤفا ليكون اجمالا لا تفصيلا لكونه امينا وعدلا وكان الايراد والمصرف محررا او مضبوطا في الدفاتر التى بايدي الافندية الكتاب ومن انضم اليهم من كتاب اليهود في دفاترهم أيضا بالعبراني لتكون كل فرقة شاهدة وضابطة على الاخرى فلما استقل هذا الباشا بمملكة الديار المصرية واستغول في تحصيل الاموال باي وجه واستحدث اقلام المكوس وجعلها في دفاتر تحت ايدي الافندية وكتبة الروزنامة فصارت من جملة الاموال الميرية في قبضها وصرفهاوتحويلها والباشا مرخى العنان للروزنامجي ومرخص له في الاذن والتصرف والروزنامجي كذلك مرخي العنان لاحد خواص كتابه المعروف باحمد اليتيم لفطانته ودرايته فكان هو المشار اليه من دون الجميع ويتطاول عليهم ويمقت من فعل فعلا دون اطلاعه وربما سبه ولو كان كبيرا او اعلى منزلة منه في فنه فيمتلىء غيظا وينقطع عن حضور الديوان فيهمله ولا يسال عنه والافندي الكبير لا يخرج عن رايه لكونه ساد امسد الجميع فدبروا على احمد افندي المذكور وحفروا له واغروا به حتى نكبه الباشا وصادره في ثمانين كيسا ومخدومه حسين افندي في اربعمائة كيسا وانقطع احمد افندي عن حضور الديوان وتقدم المتأخر وضم الباشا الى ديوانهم من طرفه خليل افندي وسموه كاتب الذمة بمعنى انه لا يكتب تحويل ولا ورقة ميري ولا خلاف ذلك مما يسطر في ديوانهم حتى يطلع عليه خليل افندي المذكور ويرسم عليه علامته فاحاط علمه بجميع اسرارهم وكل قليل يستخبر منه الباشا فيحيطه بمعلوماته
ولم يزل حتى تحول ديوانهم وانتقل الى بيت خليل افندي تجاه منزل ابراهيم بك ابن الباشا بالازبكية وتراس بالديوان قاسم افندي كاتب الشهر وقريبه قيطاس افندي ومصطفى افندي باش جاجرت وبعد مدة اشهر سافر ابراهيم بك واخذ صحبته قاسم افندي على الصورة المتقدمة والروزنامجي وولده محمد افندي يراعيان جانب رفيقية ولا يتعرضان لهما فيما يتصدران له ويضمانه في عهدتهما فلما وصل الخبر بنكبة ابراهيم بك لقاسم افندي فعند ذلك قصر معهما واظهر ان الروزنامجي مكمون غيظه في حقهما ومانعهما أيضا وخشن القول لهما فاتفقا على انهاء الحال الى باب الباشا ففعلا ما ذكر وكان حسين افندي عندما استأذن الباشا في صرف ما يتعلق بمشايخ العلم والافندية الكتبة والسيد محمد المحروقي بالكامل وما عداهم ربع استحقاقهم وكتب له فرمانا بذلك فقال له الروزنامجي في بعضهم من يستحق المراعاة كبعض اهل العلم الخاملين واهل الحرمين والمهاجرين ومستوطنين بمصر بعيالهم وليس لهم ايراد يتعيشون منه الا ما هو مرتب لهم من العلائف في كل سنة وكذلك بعض الملتزمين الذين اعتادوا سداد ما عليهم من الميري وبعضه بما لهم من الاتلافات والعلائف والغلال فقال له النظر في ذلك لرأيك فان هذا شىء يعسر ضبط جزئياته فاعتمد ذلك وطفق يفعل في البعض بالنصف والبعض بالثلث او الثلثين واما العامة والارامل فيصرف لهم الربع لا غير حسب الامر ويقاسمون في تحصيل ربع استحقاقهم الشدائد من السعي وتكرار الذهاب والتسويف والرجوع في الاكثر من غير شيء مع بعد المسافة وفيهم الكثير من العواجز فلما ترافعوا في الحساب مانع المتصدر فيما زاد على الربع وطلع الى الباشا فعرفه بذلك فقال الباشا لا تخصموا له الا ما كان بأذني وفرماني وما كان بدون ذلك فلا وانكر الحال السأبق منه له وقال هو متبرع فيما فعله فتأخر عليه مبلغ كبير في مدة اربع سنوات وكذلك كان يحول عليه حوالات لكبار العسكر برسول من اتباعه فلا يسعه الممانعة ويدفع القدر المحول عليه بدون فرمان اتكالا على الحالة التى هو معه عليها فرجعوا عليه في كثير من ذلك وتاخر عليه مبلغ كبير أيضا فتمموا حساب سنة واحدة على هذا النسق فبلغت نحو الألف كيس فتمموا حساب سنة واحدة على هذا النسق فبلغت نحو الالف كيس والمائتي كيس وكسور تبلغ في الاربع سنوات خمسة آلاف كيس فتقلق حسين افندي وتحير في امره وزاد وسواسه ولم يجد مغيثا ولا شافعا ولا دافعا
وفي اواخره عمل الباشا مهما لختان ابن بونابارته الخازندار الغائب ببلاد الحجاز وعملوا له زفة في يوم الجمعة بعد الصلاة اجتمع الناس للفرجة عليه
وفيه ايضت زاد الارجاف بحصول الطاعون وواقع الموت منه بالاسكندرية فأمر الباشا بعمل كورنتينة بثغر رشيد ودمياط والبراس وشبرا وارسل الى الكاشف الذي بالبحيرة بمنع المسافرين المارين من البر وامر أيضا بقراءة صحيح البخاري بالازهر وكذلك يقرأون بالمساجد والزوايا سورة الملك والاحقاف في كل ليلة بنية رفع الوباء فاجتمعوا الا قليلا بالازهر نحو ثلاثة ايام ثم تركوا ذلك وتكاسلوا عن الحضور
وفي يوم الاثنين تاسع عشرينه كسفت الشمس وقت الضحوة وكان المنكسف نحو ثلاثة ارباع الجرم وكانت الشمس في برج الدلو ايام الشتاء فاظلم الجو الا قليلا ولم ينتبه له كثير من الناس لظنهم انها غيوم متراكمة لأنهم في فصل الشتاء
{ أحداث شهر صفر سنة 1228 }
واستهل شهر صفر بيوم الاربعاء
فيه في اخريات النهار هبت ريح جنوبية غربية عاصفة باردة واستمرت لعصر يوم السبت وكانت قوتها يوم الجمعة اثارت غبارا اصفر ورمالا مع غيم مطبق وقتام ورش مطر قليل في بعض الاوقات
وفي يوم الثلاثاء سابعه وردت بشائر من البلاد الحجازية باستيلاء العساكر على جدة ومكة من غير حرب وذلك انه لما انهزمت الاتراك في العام الماضي ورجعوا على الصورة التى رجعوا عليها مشتتين ومتفرقين وفيهم من حضر من طريق السويس ومنهم من اتى من البر ومنهم من حضر من ناحية القصير ونفى الباشا من استعجل بالهزيمة والرجوع من غير امره ويخشى صولته ويرى في نفسه انه احق بالرياسة منه مثل صالح قوج وسليمان وحجو واخرجهم من مصر واستراح منهم ثم قتل احمد أغا لاظ جدد ترتيبا آخر عرفه كبراء العرب الذين استمالهم واندرجوا معه وشيخ الحويطات أن الذي حصل انما هو من العرب الموهبين وهم عرب حرب والصفراء وانهم مجهودون والوهابية لا يعطونهم شيئا ويقولون لهم قاتلوا عن دينكم وبلادكم فاذا بذلتم لهم الاموال واغدقتم عليهم بالانعام والعطاء ارتدو ورجعوا وصاروا معكم وملكوكم البلاد فاجتهد الباشا في جمع الاموال باي وجه كان واستأنف الطلب ورتب الامور واشاع الخروج بنفسه ونصب العرضي خارج بالموكب كما تقدم وجلس بالصيوان وقرر للسفر في المقدمة بونابارتة الخازندار واعطاه صناديق الاموال والكساوى وارفق معه عابدين بك ومن يصحبهما وواظب على الخروج الى العرضي والرجوع تارة الى القلعة وتارة الى الازبكية والجيزة وقصر شبرا ويعمل الرماحة والميدان في يومي الخميس والاثنين والمصاف على طرائف حرب الافرنج وسافر بونابارتة في اواخر شعبان واستمر العرضي منصوبا والطلب كذلك مطلوبا والعساكر واردة من بلادها على طريق الاسكندرية ودمياط ويخرج الكثير الى العرضى ويستمرون على الدخول الى المدينة في الصباح لقضاء اشغالهم والرجوع اخريات النهار مع تعدي اذاهم للباعة والخمارة وغيرهم ولما غدر الباشا باحمد أغا لاظ وقتله في اواخر رمضان ولم يبق احد ممن يخشى سطوته وسافر عابدين بك في شوال وارتحل بعده بنحو شهر مصطفى بك داني باشا وصحبته عدة وافرة من العسكر ثم سافر أيضا يحيى أغا ومعه نحو الخمسمائة وهكذا كل قليل ترحل طائفة بعد اخرى والعرضي كما هو وميدان الرماحة كذلك ولما وصل بونابارته الى ينبع البر اخذوا في تأليف العربان واستمالتهم وذهب اليهم ابن شديد الحويطي ومن معه وتقابلوا مع شيخ حرب ولم يزالوا به حتى وافقهم وحضروا به الى بونابارتة فأكرمه وخلع عليه الخلع وكذلك على من حضر من اكابر العربان فألبسهم الكساوى والفراوى السمور والشالات الكشميري ففرق عليهم من الكشمير ملء اربع سحاحير وصب عليهم الاموال واعطى لشيخ حرب مائة ألف فرانسة عين وحضر باقي المكشايخ فخلع عليهم وفرق فيهم فخص شيخ حرب بمفرده ثمانية عشر ألف فرانسة ثم رتب لهم علائف تصرف لهم في كل شهر لكل شخص خمسة فرانسة وغرارة بقسماط وغرارة عدس فعند ذلك ملكوهم الارض والذي كان متأمرا بالمدينة من جنسهم فاستمالوه أيضا وسلم لهم المدينة وكل ذلك بمخامرة الشريف غالب امير مكة وتدبيره واشارته فلما تم ذلك اظهر الشريف غالب ارمره وملكهم مكة والمدينة وكان ابن مسعود الوهابي حضر في الموسم وحج ثم ارتحل الى الطائف وبعد رحيله فعل الشريف غالب فعله وسيلقى جزاءه ولما وصلت البشائر بذلك في يوم الثلاثاء سابعه ضربوا مدافع كثيرة ونودى في صبح ذلك بزينة المدينة ومصر وبولاق فزينوا خمسة ايام اولها الاربعاء وآخرها الاحد وقاسى الناس في ليالي هذه الايام العذاب الاليم من شدة البرد والصقيع وسهر الليل الطويل وكان ذلك في قوة فصل الشتاء وكل صاحب حانوت جالس فيها وبين يديه مجمرة نار يتدفأ ويصطلي بحرارتها وهو ملتف بالعباءة والاكيسة الصوف او اللحاف وخرج الباشا من ليلة الاربعاء المذكور ونصبت الخيام وخرجت الجمال المحملة باللوازم من الفرش والاواني وازيار الماء والبارود لعمل الشنانك والحرائق وفي كل يوم يعمل مرماح وشنك عظيم مهول بالمدافع وبنادق الرصاص المتواصلة من غير فاصل مثل الرعود والطبول من طلوع الشمس الى قريب الظهر وفي اول يوم من ايام الرمي اصيب ابراهيم بك ابن الباشا برصاصة في كتفه اصابت شخصا من السواس ونفذت منه اليه وهي باردة فتعلل بسببها وخرج بعد يومين في عربة الى العرضى ثم رجع ولما كان يوم الاحد وقت الزوال ركب الباشا وطلع الى القلعة وقلعوا خيام الشنك وحملوا الجمال ودخلت طوائف العسكر واذن للناس بقلع الزينة ونزول التعاليق وكان الناس قد عمروا القناديل واشاعوا انها سبعة ايام فلما حصل الاذن بالرفع فكأنما نشطوا من عقال وخلصوا من السجون لما قاسوه من البرد والسهر وتعطيل الاشغال وكساد الصنائع والتكليف بما لا طاقة لهم به وفيهم من لا يملك قوت عياله او تعمير سراجه فيكلف مع ذلك هذه التكاليف وكتب الباشا بالبشائر الى دار السلطنة وارسلها صحبة امين جاويش وكذلك الى جميع النواحي وانعم بالمناصب على خواصه
وفي هذا الشهر وردت اخبار بوقوع امطار وثلوج كثيرة بناحية بحري وبالاسكندرية ورشيد بحدود الغربية والمنوفية والبحيرة وشدة برد ومات من ذلك اناس وبهائم والزروع البدرية وطف على وجه الماء اسماك موتى كثيرة فكان موج البحر يلقيه على الشطوط وغرق كثير من السفن من الرياح العواصف التى هبت في اول الشهر
وفي سابعه يوم وصول البشارة احضر الباشا حسين افندي الروزنامجي وخلع عليه خلعة الإبقاء على منصبه في الروزنامة وقرر عليه الفين وخمسمائة كيس وذلك انهم رافعوه في الحساب على الطريقة المذكورة ارسل اليه الباشا بطلب خمسمائة كيس من اصل الحساب فضاق خناقه ولم يجد له شافعا ولا ذا مرحمة فارسل ولده الى محمود بك الدويدار يستجير فيه ليكون واسطة بينه وبين الباشا وهو رجل ظاهره خلاف باطنه فذهب معه الى الباشا فبش في وجهه ورحب به واجلسه محمود بك في ناحية من المجلس وتناجى هو مع الباشا ورجع اليه يقول له انه يقول أن الحساب لم يتم الى هذا الحين وانه ظهر على ابيك تاريخ امس خمسة ألاف كيس وزيادة وانا تكلمت معه وتشفعت عنده في ترك باقي الحساب والمسامحة في نصف المبلغ المذكور والكسور فيكون الباقي الفين وخمسمائة كيس تقومون بدفعها فقال ومن اين لنا هذا القدر العظيم وقد عزلنا من المنصب أيضا حتى كنا نتداين ولا يأمننا الناس اذا كان القدر دون هذا أيضا فرجع الى الباشا وعاد اليه يقول له لم يمكني تضعيف القدر سوى ما سامح فيه واما المنصب فهو عليكم وفي غد يطلع والدك ويتجدد عليه الابقاء وينكمد الخصم وعلى الله السداد ونهض وقبل يده وتوجه فنزل الى دارهم واخبر والده بما حصل فزاد كربه ولم يسعه الا التسليم وركب في صبحها وطلع الى الباشا فخلع عليه ونزل الى داره بقهره وشرع في بيع تعلقاته وما يتحصل لديه
وفي يوم الاثنين ثالث عشره خلع الباشا على مصطفى افندي ونزل الى داره واتاه الناس يهنؤنه بالمنصب
وفي يوم الأربعاء ثالث وعشرينه وردت بشائر بتملكهم الطائف وهروب المضايفي منها فعملوا شنكا وضربوا مدافع كثيرة من القلعة وغيرها ثلاثة ايام في كل وقت اذان وشرع الباشا في تشهيل ولده اسماعيل باشا بالبشارة ليسافر الى اسلامبول وتاريخ تملكها في سادس عشرين المحرم
وفي هذه الايام ابتدعوا تحرير الموازين وعملوا لذلك ديوانا بالقلعة وامروا بابطال موازين الباعة واحضار ما عندهم من الصنج فيزنون الصنجة فان كانت زائدة او ناقصة اخذوها وابقوها عندهم وان كانت محررة الوزن ختموها بختم واخذوا على كل ختم صنجة ثلاثة انصاف فضة وهي النصف اوقية والاوقية الى الرطل الذي يكون وزنه غير محور يعطونه رطلا من حديد ويدفع ثمنه مائة نصف فضة والنصف رطل خمسون وهكذا وهو باب ينجمع منه اكياس كثيرة
وفيه أيضا طلب الباشا من عرب الفوائد غرامة سبعين ألف فرانسة فعصوا ورمحوا بإقليم الجيزة واخذوا المواشى وشلحوا من صادفوه ورمح كاشف الجيزة عليهم فصادف منهم اباعر محملة امتعة لهم وصحبتهم نساء واولاد فأخذهم ورجع بهم
وفيه سافر ابراهيم بك ابن الباشا الى ناحية قبلي ووصلت الاخبار بوقوع الطاعون بالإسكندرية فاشتد خوف الباشا والعسكر مع قساوتهم وعسفهم وعدم مرحمتهم
{ أحداث شهر ربيع الاول سنة 1228 }
واستهل شهر ربيع الاول بيوم الخميس
فيه قلدوا شخصا يسمى حسين البرلي وهو الكتخدا عند الكتخدا بك وجعلوه في منصب بيت المال وعزلوا رجب أغا وكان انسانا سهلا لا بأس به فلما تولى هذا ارسل لجميع مشايخ الخطط والحارات وقيد عليهم بانهم يخبرونه بكل من مات من ذكر او انثى ولو كان ذا اولاد وورثة او غير ذلك وكذلك على حوانيت الاموات وارسل فرامانات الى بلاد الارياف والبنادر بمعنى ذلك
وفي يوم الاحد رابعه طلب الباشا حسين افندي الروزنامجي وطلب منه ما قرره عليه وكان قد باع حصصه واملاكه ودار مسكنه فلم يوف الا خمسمائة كيس فقال له مالك لم توف القدر المطلوب وما هذا التأخير وانا محتاج الى المال فقال لم يبق عندي شيء وقد بعت التزامي واملاكي وبيتي وتداينت من الربويين حتى اوفيت خمسمائة كيس وها انا بين يديك فقال له هذا كلام لا يروج علي ولا ينفعك بل اخرج المال المدفون فقال لم يكن عندي مال مدفون واما الذي اخبرك عنه فيذهب فيخرجه من محله فحنق منه وسيه ! وقبض على لحيته ولطمه على وجهه وجرد السيف ليضربه فترجى فيه الكتخدا والحاضرون فامر به فبطحوه وامر القواسة الاتراك بضربه فضربوه بالعصي المفضضة التي بأيديهم بعد أن ضربه هو بيده عدة عصي وشج جبهته حتى اتو عليه ثم اقاموه والبسوه فروته وحملوه وهو مغشي عليه واركبوه حمارا واحاط به خدمه واتباعه حتى اوصلوه الى منزله وارسل معه جماعة من العسكر يلازمونه ولا يدعونه يدخل الى حريمه ولا يصل اليهم منه احد وركب في اثره محمود بك الدويدار بأمر الباشا وعبر داره ودار اخيه عثمان افندي المذكور واخذه صحبته الى القلعة وسجنوه واما ولده واخواه فانهم تغيبوا من وقت الطلب واختفوا ونزل في اليوم الثاني ابراهيم أغا آغات الباب يطالبه بغلاق ثمانمائة كيس وقتئذ فقال له وكيف احصل شيئا وانا رجل ضعيف واخي عثمان عندكم في الترسيم وهو الذي يعينني ويقضى اشغالي واخذتم دفاتري المختصة بأحوالي مع ما اخذتموه من الدفاتر فأقام عنده ابراهيم أغا برهة ثم ركب الى الباشا وكلمه في ذلك فأطلقوا له اخاه ليسعى في التحصيل
وفي حادي عشره عدى الباشا الى بر الجيزة بقصد السفر الى بلاد الفيوم واخذ صحبته كتبة مباشرين مسلمين ونصارى واشاع أن سفره الى الصعيد ليكشف على الاراضي وروكها وارتحل في ليلة الثلاثاء ثالث عشره بعد أن وجه ابنه اسمعيل الى الديار الرومية في تلك الليلة بالبشارة
وفي خامس عشرينه حضر لطيف أغا راجعا من اسلامبول وكان قد توجه ببشارة فتح الحرمين واخبروا أنه لما وصل الى قرب دار السلطنة خرج لملاقاته الاعيان وعند دخوله الى البلدة عملوا له موكبا عظيما مشى فيه اعيان الدولة واكابرها وصحبته عدة مفاتيح زعموا انها مفاتيح مكة وجدة والمدينة وضعها على صفائح من الذهب والفضة وامامها البخورات في مجامر الذهب والفضة والعطر والطيب وخلفهم الطبول والزمور وعملوا لذلك شنكا ومدافع وانعم عليه السلطان واعطاه خلعا وهدايا وكذلك اكابر الدولة وانعم عليه الخنكار بطوخين وصار يقال له لطيف باشا
وفيه وردت الاخبار بقدوم قهوجي باشا ومعه خلع واطواخ للباشا وعدة اطواخ بولايات لمن يختار تقليده فاحتفل الباشا به عندما وصلته اخباره وارسل الى امراء الثغور بالاسكندرية ودمياط بالاعتناء بملاقاته عند وروده على ثغر منها
وفيه حضر خليل بك حاكم الاسكندرية الى مصر فرارا من الطاعون لأنه قد فشا بها ومات اكثر عسكره واتباعه
{ أحداث شهر ربيع الثاني سنة 1228 }
واستهل شهر ربيع الثاني بيوم الاحد
وفي ثامنه حضر الباشا على حين غفلة من الفيوم الى الجيزة واخبروا أنه لما وصل الى ناحية بني سويف ركب بغلة سريعة العدو ومعه بعض خواصه على الهجن والبغال فوصل الى الفيوم في اربع ساعات وانقطع اكثر المرافقين له ومات منهم سبعة عشر هجينا
وفي يوم الثلاثاء عاشره علموا مولدا المشهد الحسيني المعتاد وتقيد لتنظيمه السيد المحروقي الذي تولى النظارة عليه وجلس ببيت السادات المجاور للمشهد بعد أن اخلوه له وفي ذلك اليوم امر الباشا بعمل كورنتينة بالجيزة ونوه بأقامته بها وزاد به الخوف والوهم من الطاعون لحصول القليل منه بمصر وهلك الحكيم الفرنساوي وبعض النصارى اروام وهم يعتقدون صحة الكونتينة وانها تمنع الطاعون وقاضي الشريعة الذي هو قاضي العسكر يحقق قولهم ويمشي على مذهبهم ولرغبة الباشا في الحياة الدنيا وكذلك اهل دائرته وخوفهم من الموت يصدقون قولهم حتى انه اتفق انه مات بالمحكمة عند القاضي شخص من اتباعه فأمر بحرق ثيابه وغسل المحل الذي مات فيه وتخيره بالبخورات وكذلك غشل الاواني التي كان يمسها وبخورها و أمروا اصحاب الشرطة انهم يامرون الناس واصحاب الاسواق بالكنس والرش والتنظيف في كل وقت ونشر الثياب واذا ورد عليهم مكاتبات خرقوها بالسكاكين ودخنوها بالبخور قبل ورودها ولما عزم الباشا على كورنتينة الجيزة ارسل في ذلك اليوم بان ينادوا بها على سكانها بان من كان يملك قوته وقوت عياله ستين يوما واحب الاقامة فليمكث بالبلدة والا فليخرج منها ويذهب ويسكن حيث اراد في غيرها ولهم مهلة اربع ساعات فانزعج سكان الجيزة وخرج من خرج واقام من اقام وكان ذلك وقت الحصاد ولهم مزارع واسباب مع مجاوريهم من اهل القرى ولا يخفى احتياجات الشخص لنفسه وعياله وبهائمه فمنعوا جميع ذلك حتى سدوا خروق السور والابواب ومنعوا المعادي مطلقا واقام الباشا ببيت الازبكية لا يجتمع بأحد من الناس الى يوم الجمعة فعدى في ذلك اليوم وقت الفجر وطلع الى قصر الجيزة واوقف مركبين الاولى ببر الجيزة والاخرى في مقابلتها ببر مصر القديمة فاذا ارسل الكتخدا او المعلم غالي اليه مراسلة ناولها المرسل للمقيد بذلك في طرف مزراق بعد تبخير الورقة بالشيخ واللبان والكبريت ويتناولها منه الآخر بمزراق آخر على بعد منهما وعاد راجعا فإذا قرب من البر تناولها المنتظر له أيضا بمزراق وغمسها في الخل وبخرها بالبخور المذكور ثم يوصلها لحضرة المشار اليه بكيفية اخرى فأقام اياما وسافر الى الفيوم ورجع كما ذكر وارسل مماليكه ومن يعز عليه ويخاف عليه من الموت الى اسيوط
وفي يوم السبت سابعه نودى بالأسواق بان السيد محمد المحروقي في شاه بندر التجار بمصر وله الحكم على جميع التجار واهل الحرف والمتسببين في قضاياهم وقوانينهم وله الامر والنهي فيهم
وفيه وصل الى مصر عدة كبيرة من العساكر الرومية على طريق دمياط ونصبوا و نصبوا لهم وطاقا خارج باب النصر و حضر فيهم نحو الخمسمائة نفر أرباب بنائين ونجارين وخراطين فانزلوهم بوكالة بخط الخليفة
وفي يوم الأحد ثامنه تقلد الحسبة الخواجا محمود حسن ولبس الخلعة وركب وشق المدينة وامامه الميزان فرسم برد الموازين الى الارطال الزياتي التي عبره الرطل منها اربع عشرة وقية في جميع الادهان والخضروات على العادة القديمة ونقص من اسعار اللحم وغيره ففرح الناس بذلك ولكن لم يستمر ذلك
وفي يوم الاربعاء حادي عشره بين الظهر والعصر كانت السماء مصحبة والشمس مضيئة صافية فما هو الا والسماء والجو طلع به غيم وقتام ورياح نكباء غربية جنوبية واظلم ضوء الشمس وارعدت رعدتين الثانية اعظم من الاولى وبرق ظهر ضوؤه وامطرت مطرا متوسطا ثم سكن الريح وانجلت السماء وقت العصر وكان ذلك سابع بشنس القبطي وآخر يوم من نيسان الرومي فسبحان الملك الفعال مغير الشؤن والاحوال وحصل في تاليه يوم الجمعة مثل ذلك الوقت ايضا غيوم ورعود كثيرة ومطر ازيد من اليوم الاول
عجائب الآثار في التراجم والأخبار
المؤلف : عبد الرحمن بن حسن الجبرتي
مجلة نافذة ثقافية ـ البوابة