بّسم الله الرّحمن الرّحيم مكتبة علوم القرآن أسباب نزول القرآن من سورة الأحقاف وحنى سورة الحديد
● [ سورة الأحقاف ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (وَما أَدري ما يُفعَلُ بي وَلا بِكُمِ) الآية. قال الثعلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس: لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء، فقصها على أصحابه، فاستبشروا بذلك ورأوا فيها فرجاً مما هم فيه من أذى المشركين، ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك، فقالوا: يا رسول الله متى نهاجر إلى الأرض التي رأيت، فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى (وَما أَدري ما يُفعَلُ بي وَلا بِكُمِ) يعني لا أدري أخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أولا ثم قال: إنما هو شيء رأيته في منامي ما أتبع إلا ما يوحى إلي. ● قوله تعالى (حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَربَعينَ سَنَةً) الآية. قال ابن عباس في رواية عطاء: أنزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وذلك أنه صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمان عشرة ورسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام في التجارة، فنزلوا منزلاً فيه سدرة، فقعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأله عن الدين، فقال له: من الرجل الذي في ظل السدرة? فقال: ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فقال: هذا والله نبي، وما استظل تحتها أحد بعد عيسى بن مريم إلا محمد نبي الله، فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق، وكان لا يفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسفاره وحضوره، فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة أسلم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغ أربعين سنة قال (رَبِّ أَوزِعني أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَيَّ).
● [ سورة الفتح ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم. أخبرنا محمد بن إبراهيم الداركي قال: أخبرنا والدي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: أخبرنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال: أخبرنا محمد بن سلمة، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري، عن عروة، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم قال: نزلت سورة الفتح بين مكة والمدينة في شأن الحديبية من أولها إلى آخرها. ● قوله تعالى (إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُّبيناً) أخبرنا منصور بن أبي منصور الساماني قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الفامي قال: أخبرنا محمد بن إسحاق الثقفي قال: أخبرنا أبو الأشعث قال: أخبرنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن قتادة، عن أنس قال: لما رجعنا من غزوة الحديبية وقد حيل بيننا وبين نسكنا فنحن بين الحزن والكآبة، أنزل الله عز وجل (إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُّبيناً) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد أنزلت علي آية هي أحب إلي من الدنيا وما فيها كلها. وقال عطاء عن ابن عباس: إن اليهود شمتوا بالنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين لما نزل قوله (وَما أَدري ما يُفعَلُ بي وَلا بِكُمِ) وقالوا: كيف نتبع رجلاً لا يدري ما يفعل به، فاشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله تعالى (إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُّبيناً لِّيَغفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَما تَأَخَّرَ). ● قوله تعالى (لِّيُدخِلَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ جَنّاتٍ) الآية. أخبرنا سعيد بن محمد المقري قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن أحمد المديني قال: أخبرنا أحمد بن عبد الرحمن السقطي قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا همام عن قتادة، عن أنس قال: لما نزلت (إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُّبيناً لِّيَغفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَما تَأَخَّرَ) قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: هنيئاً لك يا رسول الله ما أعطاك الله فما لنا? فأنزل الله تعالى (لِّيُدخِلَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ جَنّاتٍ تَجري مِن تَحتِها الأَنهارُ) الآية. أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الفقيه قال: أخبرنا أبو عمر بن أبي حفص قال: أخبرنا أحمد بن علي الموصلي قال: أخبرنا عبد الله بن عمر قال: أخبرنا يزيد بن زريع قال: أخبرنا سعيد عن قتادة، عن أنس قال: أنزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم (إِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُّبيناً) عند رجوعه من الحديبية نزلت وأصحابه مخالطون الحزن وقد حيل بينهم وبين نسكهم ونحروا الهدي بالحديبية، فلما أنزلت هذه الآية قال لأصحابه: لقد أنزلت علي آية خير من الدنيا جميعها فلما تلاها النبي صلى الله عليه وسلم قال رجل من القوم: هنيئاً مريئاً يا رسول الله قد بين الله ما يفعل بك فماذا يفعل بنا? فأنزل الله تعالى (لِّيُدخِلَ المُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ جَنّاتٍ) الآية. ● قوله تعالى (وَهُوَ الَّذي كَفَّ أَيدِيَهُم عَنكُم وَأَيدِيَكُم عَنهُم) الآية. أخبرنا أبو بكر محمد بن إبراهيم الفارسي قال: أخبرنا محمد بن عيسى بن عمرويه قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: أخبرنا مسلم قال: حدثني عمرو الناقد قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا أحمد بن سلمة عن ثابت، عن أنس أن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فأخذهم أسراء فاستحياهم، فأنزل الله (وَهُوَ الَّذي كَفَّ أَيدِيَهُم عَنكُم وَأَيدِيَكُم عَنهُم بِبَطنِ مَكَّةَ مِن بَعدِ أَن أَظفَرَكُم عَلَيهِم). وقال عبد الله بن مغفل الهوني: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية في أصل الشجرة التي قال الله في القرآن، فبينا نحن كذلك، إذ خرج علينا ثلاثون شاباً عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا، فدعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذ الله تعالى بأبصارهم وقمنا إليهم فأخذناهم، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل جئتم في عهد أحد، وهل جعل لكم أحد أماناً? قالوا: اللهم لا، فخلى سبيلهم، فأنزل الله تعالى (وَهُوَ الَّذي كَفَّ أَيدِيَهُم عَنكُم) الآية.
● [ سورة الحجرات ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تُقَدِّموا بَينَ يَدي اللهِ وَرَسولِهِ). أخبرنا أبو نصر محمد بن إبراهيم قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد العكبري قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد البغوي قال: أخبرنا الحسن بن محمد الصباح قال: أخبرنا حجاج بن محمد قال: أخبرنا ابن جريج قال: حدثني ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أمر القعقاع بن معبد، وقال عمر: بل أمر الأقرع بن حابس، فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي، وقال عمر: ما أردت خلافك، فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزل في ذلك قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تُقَدِّموا بَينَ يَدي اللهِ وَرَسولِهِ) إلى قوله (وَلَو أََنَّهُم صَبَروا حَتّى تَخرُجَ إِلَيهِم) رواه البخاري عن الحسن بن محمد الصباح. ● قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا تَرفَعوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَبِيِّ) الآية. نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر، وكان جهوري الصوت، وكان إذا كلم إنساناً جهر بصوته، فربما كان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتأذى بصوته، فأنزل الله تعالى هذه الآية. أخبرنا أحمد بن إبراهيم المزكي قال: أخبرنا عبيد الله بن محمد الزاهد قال: أخبرنا أبو القاسم البغوي قال: أخبرنا قطر بن نسير قال: أخبرنا جعفر بن سليمان الضبعي قال: أخبرنا ثابت عن أنس: لما نزلت هذه الآية (لا تَرفَعوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَبِيِّ) قال ثابت بن قيس: أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت النبي وأنا من أهل النار، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: هو من أهل الجنة. رواه مسلم عن قطر بن نسير، وقال ابن أبي مليكة: كاد الخيران أن يهلكا: أبو بكر وعمر رفعا أصواتهما عند النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم عليه ركب بني تميم، فأشار أحدهما بالأقرع بن حابس وأشار الآخر برجل آخر، فقال أبو بكر لعمر: ما أردت إلا خلافي، وقال عمر: ما أردت خلافك وارتفعت أصواتهما في ذلك، فأنزل الله تعالى (لا تَرفَعوا أَصواتَكُم) الآية. وقال ابن الزبير: فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه. ● قوله تعالى (إِنَّ الَّذينَ يَغُضّونَ أَصواتَهُم عِندَ رَسولِ اللهِ) الآية. قال عطاء عن ابن عباس: لما نزل قوله تعالى (لا تَرفَعوا أَصواتَكُم) تألى أبو بكر أن لا يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار، فأنزل الله تعالى في أبي بكر (إِنَّ الَّذينَ يَغُضّونَ أَصواتَهُم عِندَ رَسولِ اللهِ). أخبرنا أبو بكر القاضي قال: حدثنا محمد بن يعقوب قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني قال: حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال: حدثنا حسن بن عمر الأحمسي قال: حدثنا مخارق عن طارق، عن أبي بكر قال: لما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم "إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى" قال أبو بكر: فآليت على نفسي أن لا أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كأخي السرار. ● قوله تعالى (إِنَّ الَّذينَ يُنادونَكَ مِن وَراءِ الحُجُراتِ أَكثَرُهُم لا يَعقِلونَ). أخبرنا أحمد بن عبيد الله المخلدي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن زياد الدقاق قال: حدثنا محمد بن إسحاق بن خزيمة قال: حدثنا محمد بن يحيى العتكي قال: حدثنا المعتمر بن سليمان قال: حدثنا داود الطفواي قال: حدثنا أبو مسلم البجلي قال: سمعت زيد بن أرقم يقول: أتى ناس النبي صلى الله عليه وسلم فجعلوا ينادونه وهو في الحجرة يا محمد يا محمد، فأنزل الله تعالى (إِنَّ الَّذينَ يُنادونَكَ مِن وَراءِ الحُجُراتِ أَكثَرُهُم لا يَعقِلونَ). وقال محمد بن إسحاق وغيره: نزلت في جفاة بني تميم، قدم وفد منهم على النبي صلى الله عليه وسلم فدخلوا المسجد، فنادوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء حجرته أن أخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين، فآذى ذلك من صياحهم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج إليهم، فقالوا: إنا جئناك يا محمد نفاخرك، ونزل فيهم (إِنَّ الَّذينَ يُنادونَكَ مِن وَراءِ الحُجُراتِ أَكثَرُهُم لا يَعقِلونَ) وكان فيهم الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم. وكانت قصة هذه المفاخرة على ما أخبرناه أبو إسحاق أحمد بن محمد المقريء قال: أخبرنا الحسن بن محمد بن الحسن السدوسي قال: حدثني محمد بن صالح بن هانئ قال: حدثنا الفضل بن محمد بن المسيب قال: حدثنا قاسم بن أبي شيبة قال: حدثنا معلى بن عبد الرحمن قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر، عن عمرو بن الحكم عن جابر بن عبد الله قال: جاء بنو تميم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فنادوا على الباب يا محمد اخرج إلينا، فإن مدحنا زين وإن ذمنا شين، فسمعهم النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج عليهم وهو يقول: إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين، فقالوا: نحن ناس من بني تميم جئنا بشاعرنا وخطيبنا نشاعرك ونفاخرك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت ولكن هاتوا، فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبانهم قم فاذكر فضلك وفضل قومك، فقام فقال: الحمد لله الذي جعلنا خير خلقه، وآتانا أموالاً نفعل فيها ما نشاء، فنحن من خير أهل الأرض ومن أكثرهم عدة، ومالاً وسلاحاً، فمن أنكر علينا قولنا فليأت بقول هو أحسن من قولنا، وفعال هي خير من فعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس قم فأجب فقام فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأومن به، وأتوكل عليه. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، دعا المهاجرين والأنصار من بني عمه، أحسن الناس وجوهاً وأعظمهم أحلاماً فأجابوا، فالحمد لله الذي جعلنا أنصاره ووزراء رسوله وعزا لدينه، فنحن نقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فمن قالها منع منا نفسه وماله، ومن أباها قتلناه، وكان رغمه من الله تعالى علينا هيناً، أقول قولي هذا وأستغفر الله للمؤمنين والمؤمنات، فقال الزبرقان بن بدر لشاب من شبانهم قم يا فلان فقل أبياتاً تذكر فيها فضلك وفضل قومك، فقام الشاب فقال: نَحنُ الكِرامُ فَلا حَيٌّ يُفاخِرُنا ● فينا الرُؤوسُ وَفينا يُقسِمُ الرَبعُ وَنُطعِمُ الناسَ عِندَ القَحطِ كُلُّهُمُ ● مِنَ السَديفِ إِذا لَم يُؤنَسِ القَزعُ إِذا أَبَينا فَـلا يَأبى لَـنا أَحَدٌ ● إِنّا كَذَلِكَ عِندَ الفَخرِ نَرتَفِعُ قال: فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حسان بن ثابت، فانطلق إليه الرسول فقال: وما يريد مني وقد كنت عنده، قال: جاءت بنو تميم بشاعرهم وخطيبهم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بن قيس فأجابهم وتكلم شاعرهم، فأرسل إليك تجيبه فجاء حسان فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجيبه فقال حسان: نَصَرنا رَسولَ اللهِ وَالدينُ عَفوَةٌ ● عَلى الرَغمِ سارَ مِن مَعدٍ وَحاضِرِ أَلَسنا نَخوضُ المَوتَ في حَومَةِ الوَغى ● إِذا طابَ وِردُ المَوتِ بَينَ العَساكِرِ وَنَضرِبُ هامَ الدارِعينَ وَنَنتَمي ● إِلى حَسَبٍ مِن جُرمِ غَسّانَ قاهِرِ فَلَولا حَياءُ اللهِ قُلنا تَكَرُّماً ● عَلى الناسِ بِالحَقَّينِ هَل مِن مُنافِرِ فَأَحياؤُنا مِن خَيرِ مَن وَطِئَ الحَصى ● وَأَمواتُنا مِن خَيرِ أَهلِ المَقابِرِ قال: فقام الأقرع بن حابس فقال: إني والله لقد جئت لأمر ما جاء له هؤلاء، وقد قلت شعراً فاسمعه، فقال: هات، فقال: أَتَيناكَ كَيما يَعرِفُ الناسُ فَضلَنا ● إِذا فاخَرونا عِندَ ذِكرِ المَكارِمِ وَإِنّا رُؤوسُ الناسِ مِن كُلِّ مَعشَرٍ ● وَأَن لَيسَ في أَرضِ الحِجازِ كَوارِمِ وَإِنَّ لَـنـا المـرباعَ في كُلِّ غارَةٍ ● تَكونُ بِنَجدٍ أَو بِأَرضِ التَهائِمِ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم يا حسان فأجب، فقال: بَني دارِمٍ لا تَفخَروا إِنَّ فَخرَكُم ● يَعودُ وَبالاً عِندَ ذِكرِ المَكارِمِ هَبَـلـتُـم عَلَينا تَفخَرونَ وَأنتُمُ ● لَنا خَولٌ مِن بَينِ ظِئرٍ وَخادِمِ وَأَفضَلُ ما نِلتُم مِن المَجدِ وَالعُلى ● رَدافَـتَنا مِن بَعدِ ذِكرِ الأَكارِمِ فَإِن كُنتُم جِئتُم لِحَقنِ دِمائِكُم ● وَأَموالِكُم أَن تُقَسموا في المَقاسِمِ فَلا تَـجـعَـلوا للهِ نَداً وَأَسلِموا ● وَلا تَفخَروا عِندَ النَبِيِّ بِدارِمِ وَإِلا وَرَبُ البَيتِ مَالَت أَكُفَنا ● عَلى هامِكُم بِالمُرهَفاتِ الصَوارِمِ قال: فقام الأقرع بن حابس فقال: إن محمداً المولى إنه والله ما أدري ما هذا الأمر، تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولاً، وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر، ثم دنا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما نصرك ما كان قبل هذا، ثم أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكساهم وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية (لا تَرفَعوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَبِيِّ) إلى قوله (وَأَجرٌ عَظيمٌ). ● قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَباءٍ فَتَبَيَنوا) الآية. نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق مصدقاً، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فلما سمع القوم تلقوه تعظيماً لله تعالى ولرسوله، فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله فهابهم، فرجع من الطريق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن بني المصطلق قد منعوا صدقاتهم وأرادوا قتلي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أن يغزوهم، فبلغ القوم رجوعه، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: سمعنا برسولك، فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلنا من حق الله تعالى، فبدا له في الرجوع، فخشينا أن يكون إنما رده من الطريق كتاب جاءه منك بغضب غضبته علينا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله، فأنزل الله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَباءٍ فَتَبَيَنوا) يعني الوليد بن عقبة. أخبرنا الحاكم أبو عبد الله الشاذياخي قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن زكريا الشيباني قال: أخبرنا محمد بن عبد الرحمن الدغولي قال: أخبرنا سعيد بن مسعود قال: أخبرنا محمد بن سابق قال: أخبرنا عيسى بن دينار قال: أخبرنا أبي أنه سمع الحارث بن ضرار يقول: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاني إلى الإسلام، فدخلت في الإسلام وأقررت ودعاني إلى الزكاة، فأقررت بها، فقلت: يا رسول الله أرجع إلى قومي فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة، فمن استجابني جمعت زكاته، فترسل لأبان كذا وكذا لآتيك بما جمعت من الزكاة، فلما جمع الحرث بن ضرار وبلغ الأبان الذي أراد أن يبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم احتبس عليه الرسول، فلم يأته، فظن الحرث أن قد حدث فيه سخطة من الله ورسوله، فدعا سروات قومه، فقال لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان وقت لي وقتاً ليرسل إلي ليقبض ما كان عندي من الزكاة، وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف، ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطه، فانطلقوا فنأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة، فلما أن سار الوليد حتى بلغ بعض الطريق، فرق فرجع فقال: يا رسول الله إن الحارث منعني الزكاة، وأراد قتلي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم البعث إلى الحارث، وأقبل الحارث بأصحابه فاستقبل البعث وقد فصل من المدينة، فلقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث، فلما غشيهم قال لهم إلى من بعثتم، قالوا: إليك، قال: ولم، قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنا بعث إليك الوليد بن عقبة، فرجع إليه، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله، قال: والذي بعث محمداً بالحق ما رأيته ولا أتاني، فلما أن دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي، قال: لا والذي بعثك ما رأيت رسولك. ولا أتاني ولا أقبلت إلا حين احتبس علي رسولك خشية أن يكون سخط من الله ورسوله، قال: فنزلت في الحجرات (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا إِن جاءَكُم فاسِقٌ بِنَباءٍ فَتَبَيَّنوا أَن تُصيبوا قَوماً بِجَهالَةٍ فَتُصبِحوا عَلى ما فَعَلتُم نادِمينَ) إلى قوله تعالى (فَضلاً مِّنَ اللهِ وَنِعمَةً واللهُ عَليمٌ حَكيمٌ). ● قوله تعالى (وَإِن طائِفَتانِ مِنَ المُؤمِنينَ اِقتَتَلوا) الآية. أخبرنا محمد بن أحمد بن جعفر النحوي قال: أخبرنا محمد بن أحمد بن سنان المقري قال: أخبرنا أحمد بن علي الموصلي قال: أخبرنا إسحاق بن إسرائيل قال: أخبرنا معتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدث عن أنس قال: قلت يا نبي الله لو أتيت عبد الله بن أبي، فانطلق إليه النبي صلى الله عليه وسلم فركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة، فلما أتاه النبي صلى الله عليه وسلم قال: إليك عني، فوالله لقد آذاني نتن حمارك، فقال رجل من الأنصار - لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد الله رجل من قومه، وغضب لكل واحد منهما أصحابه، وكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فبلغنا أنه أنزلت فيهم (وَإِن طائِفَتانِ مِنَ المُؤمِنينَ اِقتَتَلوا فَأَصلِحوا بَينَهُما) رواه البخاري عن مسدد، ورواه مسلم عن محمد بن عبد الأعلى، كلاهما عن المعتمر. ● قوله تعالى (يا أَيُّها الَّذينَ آَمَنوا لا يَسخَر قَومٌ مِّن قَومٍ) الآية. نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وذلك أنه كان في أذنه وقر فكان إذا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسعوا له حتى يجلس إلى جنبه، فيسمع ما يقول، فجاء يوماً وقد أخذ الناس مجالسهم فجعل يتخطى رقاب الناس ويقول: تفسحوا تفسحوا، فقال له رجل: قد أصبت مجلساً فاجلس، فجلس ثابت مغضباً، فغمز الرجل فقال: من هذا، فقال: أنا فلان، فقال ثابت ابن فلانة، وذكر أماً كانت له يعير بها في الجاهلية، فنكس الرجل رأسه استحياء، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ● قوله تعالى (وَلا نِساءٌ مِّن نِّساءٍ عَسى أَن يَكُنَّ خَيراً مِّنهُنَّ) نزلت في امرأتين من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم سخرتا من أم سلمة، وذلك أنها ربطت حقويها بسبنية وهي ثوب أبيض، وسدلت طرفها خلفها فكانت تجره، فقالت عائشة لحفصة انظري ما تجر خلفها كأنه لسان كلب، فهذا كان سخريتها. وقال أنس: نزلت في نساء النبي صلى الله عليه وسلم عيرن أم سلمة بالقصر. وقال عكرمة عن ابن عباس: إن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن النساء يعيرنني ويقلن يا يهودية بنت يهوديين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هلا قلت: إن أبي هارون وإن عمي موسى وإن زوجي محمد، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ● قوله تعالى (وَلا تَنابَزوا بِالأَلقابِ) قال: أخبرنا أبو عبد الله بن عطية قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم المروزي قال: أخبرنا حفص بن غياث، عن داود بن هند، عن الشعبي، عن أبي جبيرة بن الضحاك عن أبيه وعمومته، قالوا: قدم علينا النبي عليه الصلاة والسلام، فجعل الرجل يدعو للرجل ينبزه، فيقال يا رسول الله إنه يكرهه، فنزلت (وَلا تَنابَزوا بِالأَلقابِ). ● قوله تعالى (يا أَيُّها الناسُ إِنّا خَلَقناكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثى) الآية. قال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس، وقوله في الرجل الذي لم يفسح له ابن فلانة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الذاكر فلانة، فقام ثابت فقال: أنا يا رسول الله، فقال: انظر في وجوه القوم، فنظر فقال: ما رأيت يا ثابت? فقال: رأيت أبيض وأحمر وأسود، قال: فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى، فأنزل الله تعالى هذه الآية. وقال مقاتل: لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالاً حتى أذن على ظهر الكعبة، فقال عتاب بن أسيد بن أبي العيص: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لا ير هذا اليوم. وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذناً، وقال سهيل بن عمرو: إن يرد الله شيئاً يغيره، وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئاً أخاف أن يخبر به رب السماء، فأتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قالوا، فدعاهم وسألهم عما قالوا فأقروا، فأنزل الله تعالى هذه الآية وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والازدراء بالفقراء. أخبرنا أبو حسان المزكي قال: أخبرنا هارون بن محمد الاستراباذي قال: أخبرنا أبو محمد إسحاق بن محمد الخزاعي قال: أخبرنا أبو الوليد الأزرقي قال: حدثني جدي قال: أخبرنا عبد الجبار بن الورد المكي قال: أخبرنا ابن أبي مليكة قال: لما كان يوم الفتح رقي بلال ظهر الكعبة، فقال بعض الناس: يا عباد الله أهذا العبد الأسود يؤذن على ظهر الكعبة، فقال بعضهم: إن يسخط الله هذا يغيره، فأنزل الله تعالى (يا أَيُّها الناسُ إِنّا خَلَقناكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثى) وقال يزيد بن الشخير: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم ببعض الأسواق بالمدينة وإذا غلام أسود قائم ينادى عليه بياع فمن يزيد، وكان الغلام يقول: من اشتراني فعلى شرط، قيل: ما هو، قال: لا يمنعني من الصلوات الخمس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراه رجل على هذا الشرط، وكان يراه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كل صلاة مكتوبة ففقده ذات يوم، فقال لصاحبه أين الغلام، فقال: محموم يا رسول الله، فقال لأصحابه: قوموا بنا نعوده، فقاموا معه فعادوه، فلما كان بعد أيام قال لصاحبه: ما حال الغلام، فقال: يا رسول الله الغلام قورب به، فقام ودخل عليه وهو في نزعاته، فقبض على تلك الحال، فتولى رسول الله صلى الله عليه وسلم غسله وتكفينه ودفنه، فدخل على أصحابه من ذلك أمر عظيم، فقال المهاجرون: هاجرنا ديارنا وأموالنا وأهلينا فلم ير أحد منا في حياته ومرضه وموته ما لقي هذا الغلام. وقالت الأنصار: آويناه ونصرناه وواسيناه بأموالنا فآثر علينا عبداً حبشياً، فأنزل الله تبارك وتعالى (يا أَيُّها الناسُ إِنّا خَلَقناكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثى) يعني أن كلكم بنو أب واحد وامرأة واحدة، وأراهم فضل التقوى بقوله تعالى (إِنَّ أَكرَمُكُم عِندَ اللهِ أَتقاكُم). ● قوله تعالى (قالَتِ الأَعرابُ آَمَنّا) الآية. نزلت في أعراب من بني أسد بن خزيمة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في سنة جدبة وأظهروا الشهادتين ولم يكونوا مؤمنين في السر، وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارها، وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان فأعطنا من الصدقة، وجعلوا يمنون عليه، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.
● [ سورة ق ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (وَلَقَد خَلَقنا السَمَواتِ وَالأَرضَ وَما بَينَهُما في سِتَّةِ أَيامٍ وَما مَسَّنا مِن لُّغوبٍ) قال الحسن وقتادة: قالت اليهود: إن الله خلق الخلق في ستة أيام واستراح يوم السابع وهو يوم السبت يسمونه يوم الراحة، فأنزل الله تعالى هذه الآية. أخبرنا أحمد بن محمد التميمي قال: أخبرنا عبد الله بن محمد بن جعفر الحافظ قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن الحسن قال: أخبرنا قتادة بن السري قال: أخبرنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعد البقال، عن عكرمة عن ابن عباس أن اليهود أتت النبي صلى الله عليه وسلم، فسألت عن خلق السموات والأرض فقال: خلق الله الأرض يوم الأحد والاثنين، وخلق الجبال يوم الثلاثاء، وخلق السموات يوم الأربعاء والخميس، وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر. قالت اليهود: ثم ماذا يا محمد? قال: ثم استوى على العرش، قالوا: قد أصبت لو تممت ثم استراح، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، فنزلت (وَلَقَد خَلَقنا السَمَواتِ وَالأَرضَ وَما بَينَهُما في سِتَّةِ أَيّامٍ وَما مَسَّنا مِن لُّغوبٍ فَاِصبِر عَلى ما يَقولونَ).
● [ سورة النجم ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (هُوَ أعلَمُ بِكُم إِذ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرضِ) الآية. أخبرنا أبو بكر بن الحارث قال: أخبرنا أبو الشيخ الحافظ قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد بن الحسين قال: أخبرنا أحمد بن سعد قال: أخبرنا ابن وهب قال: أخبرني ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد، عن ثابت بن الحارث الأنصاري قال: كانت اليهود تقول: إذا هلك لهم صبي صغير هو صديق، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: كذبت يهود، ما من نسمة يخلقها الله في بطن أمه إلا أنه شقي أو سعيد، فأنزل الله تعالى عند ذلك هذه الآية (هُوَ أَعلَمُ بِكُم إِذ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرضِ وَإِذ أَنتُم أَجِنَّةٌ في بُطونِ أُمَهاتِكُم) إلى آخرها. ● قوله تعالى (أَفَرَأَيتَ الَّذي تَوَلّى وَأَعطى قَليلاً وَأَكدى) الآيات. قال ابن عباس والسدي والكلبي والمسيب بن شريك: نزلت في عثمان بن عفان، كان يتصدق وينفق في الخير، فقال له أخوة من الرضاعة عبد الله بن أبي سرح: ما هذا الذي تصنع، يوشك أن لا يبقى لك شيئاً، فقال عثمان: إن لي ذنوباً وخطايا، وإني أطلب بما أصنع رضا الله سبحانه وتعالى وأرجو عفوه، فقال له عبد الله: أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها، فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة، فأنزل الله تبارك وتعالى (أَفَرَأَيتَ الَّذي تَوَلّى وَأَعطى قَليلاً وَأَكدى) فعاد عثمان إلى أحسن ذلك وأجمله. وقال مجاهد وابن زيد: نزلت في الوليد بن المغيرة، وكان قد اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم على دينه فعيره بعض المشركين، وقال: لم تركت دين الأشياخ وضللتهم وزعمت أنهم في النار، قال: إني خشيت عذاب الله، فضمن له إن هو أعطاه شيئاً من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله سبحانه وتعالى، فأعطى الذي عاتبه بعض ما كان ضمن له ثم بخل ومنعه فأنزل الله تعالى هذه الآية. ● قوله تعالى (وَأَنَّهُ هُوَ أَضحَكَ وَأَبكى) أخبرنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الواعظ قال: أخبرنا أبو عبد الله الفضل قال: أخبرنا محمد بن أبي بكر المقدمي قال: أخبرتنا دلال بنت أبي المدل قالت: حدثتنا الصهباء عن عائشة قالت: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم يضحكون، فقال: لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً، فنزل جبريل عليه السلام بقوله (وَأَنَّهُ هُوَ أَضحَكَ وَأَبكى) فرجع إليهم فقال: ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل عليه السلام فقال: ائت هؤلاء وقل لهم: إن الله عز وجل يقول (وَأَنَّهُ هُوَ أَضحَكَ وَأَبكى).
● [ سورة القمر ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (اِقتَرَبَتِ الساعَةُ وَاِنشَقَّ القَمَرُ) أخبرنا أبو حليم عقيل بن محمد الجرجاني إجازة بلفظه أن أبا الفرج القاضي أخبرهم قال: أخبرنا محمد بن جرير قال: أخبرنا الحسين بن أبي يحيى المقدسي قال: أخبرنا يحيى بن حماد قال: أخبرنا ابن عوانة، عن المغيرة، عن أبي الضحى، عن مسروق عن عبد الله قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة سحركم، فاسألوا السفار فسألوهم فقالوا: نعم قد رأينا، فأنزل الله عز وجل (اِقتَرَبَتِ الساعةُ وَاِنشَقَّ القَمَرُ وَإِن يَروا آَيَةً يُعرِضوا وَيَقولوا سِحرٌ مُّستَمِرٌّ). ● قوله تعالى (إِنَّ المُجرِمينَ في ضِلالٍ وَسُعُرٍ) إلى (إِنّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقناهُ بِقَدَرٍ) أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج إملاء قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن موسى الكعبي قال: أخبرنا حمدان بن صالح الأشج قال: أخبرنا عبد الله بن عبد العزيز بن أبي رواد قال: أخبرنا سفيان الثوري عن زياد بن إسماعيل المخزومي، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن أبي هريرة قال: جاءت قريش يختصمون في القدر، فأنزل الله تعالى (إِنَّ المُجرِمينَ في ضِلالٍ وَسُعُرٍ، يَومَ يُسحَبونَ في النارِ عَلى وُجوهِهِم ذوقوا مَسَّ سَقَرَ، إِنّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقناهُ بِقَدَرٍ) رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان. قال الشيخ: أشهد بالله لقد أخبرنا أبو الحارث محمد بن عبد الرحيم الحافظ بجرجان قال: أشهد بالله لقد أخبرنا أبو نعيم أحمد بن محمد بن إبراهيم البزار قال: أشهد بالله لقد سمعت علي بن حنبل يقول: أشهد بالله لسمعت أبا الحسن محمد بن أحمد بن أبي بخراسان يقول: أشهد بالله لسمعت عبد الله بن الصقر الحافظ يقول: أشهد بالله لسمعت عفير بن معدان يقول: أشهد بالله لسمعت سليمان بن عامر يقول: أشهد بالله لسمعت أبا أمامة الباهلي يقول: أشهد بالله لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن هذه الآية نزلت في القدرية (إِنَّ المُجرِمينَ في ضِلالٍ وَسُعُر يَومَ يُسحَبونَ في النارِ عَلى وُجوهِهِم ذوقوا مَسَّ سَقَرَ). أخبرنا أبو بكر بن الحارث قال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأصفهاني قال: حدثنا جرير بن هارون قال: حدثنا علي بن الطنافسي قال: حدثنا عبد الله بن موسى قال: حدثنا بحر السقاء عن شيخ من قريش، عن عطاء قال: جاء أسقف نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد تزعم أن المعاصي بقدر، والبحار بقدر، والسماء بقدر، وهذه الأمور تجري بقدر، فأما المعاصي فلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتما خصماء لله، فأنزل الله تعالى (إِنَّ المُجرِمينَ في ضَلالٍ وَسُعُرٍ) إلى قوله (خَلَقناهُ بِقَدَرٍ). أخبرنا أبو بكر قال: أخبرنا عبد الله قال: حدثنا عمر بن عبد الله بن الحسن قال: حدثنا أحمد بن الخليل قال: حدثنا عبد الله بن رجاء الأزدي قال: حدثنا عمرو بن العلاء أخو أبي عمرو بن العلاء قال: حدثنا خالد بن سلمة القرشي قال: حدثنا سعيد بن عمرو بن جعدة المخزومي، عن ابن أبي زرارة الأنصاري، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية (إِنَّ المُجرِمينَ في ضِلالٍ وَسُعُرٍ) قال: أنزلت هذه الآية في أناس من آخر هذه الأمة يكذبون بقدر الله تعالى. أخبرنا أحمد بن الحسن الحيري قال: حدثنا محمد بن يعقوب المعقلي قال: حدثنا أبو عتبة أحمد بن الفرج قال: حدثنا بقية قال: حدثنا ابن ثوبان، عن بكير بن أسيد عن أبيه قال: حضرت محمد بن كعب وهو يقول: إذا رأيتموني أنطلق في القدر فغلوني فإني مجنون، فوالذي نفسي بيده ما أنزلت هذه الآيات إلا فيهم، ثم قرأ (إِنَّ المُجرِمينَ في ضِلالٍ وَسُعُرٍ) إلى قوله (خَلَقناهُ بِقَدَرٍ).
● [ سورة الواقعة ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (في سِدرٍ مَّخضودٍ) قال أبو العالية والضحاك: نظر المسلمون إلى فوج وهو الوادي مخصب بالطائف فأعجبهم سدره، فقالوا: يا ليت لنا مثل هذا، فأنزل الله تعالى هذه الآية. ● قوله تعالى (ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الَآخِرينَ) قال عروة بن رويم لما أنزل الله تعالى (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) بكى عمر وقال: يا رسول الله آمنا بك وصدقناك ومع هذا كله من ينجو منا قليل، فأنزل الله تعالى (ثُلَّةٌ مِّنَ الأَوَّلينَ وَثُلَّةٌ مِّنَ الآَخِرينَ) فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر فقال: يا عمر بن الخطاب قد أنزل الله فيما قلت، فجعل ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، فقال عمر: رضينا عن ربنا وتصديق نبينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من آدم إلينا ثلة، ومني إلى يوم القيامة ثلة، ولا يستتمها إلا سودان من رعاة الإبل ممن قال لا إله إلا الله. ● قوله تعالى (وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ). أخبرنا سعيد بن محمد المؤذن قال: أخبرنا محمد بن عبد الله بن حمدون قال: أخبرنا أحمد بن الحسن الحافظ قال: حدثنا حمدان السلمي قال: حدثنا النضر بن محمد قال: حدثنا عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو زميل قال: حدثني ابن عباس قال: مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر، قالوا: هذه رحمة وضعها الله تعالى، وقال بعضهم: لقد صدق نوء كذا، فنزلت هذه الآيات (فَلا أُقسِمُ بِمَواقِعِ النُجومِ) حتى بلغ (وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ) رواه مسلم عن عباس ابن عبد العظيم، عن النضر بن محمد. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في سفر فنزلوا وأصابهم العطش وليس معهم ماء، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أرأيتم إن دعوت لكم فسقيتم فلعلكم تقولون سقينا هذا المطر بنوء كذا، فقالوا: يا رسول الله ما هذا بحين الأنواء، قال: فصلى ركعتين ودعا الله تبارك وتعالى فهاجت ريح ثم هاجت سحابة فمطروا حتى سالت الأودية، وملأوا الأسقية، ثم مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يغترف بقدح له ويقول: سقينا بنوء كذا ولم يقل هذا من رزق الله سبحانه، فأنزل الله سبحانه (وَتَجعَلونَ رِزقَكُم أَنَّكُم تُكَذِّبونَ). أخبرنا أبو بكر بن عمر الزاهد قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن أحمد قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا حرملة بن يحيى وعمرو بن سواد السرجي قال: أخبرنا عبيد الله بن وهب قال: أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألم تروا إلى ما قال ربكم، قال: ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح فريق بها كافرين، يقول الكوكب وبالكوكب، رواه مسلم عن حرملة وعمرو بن سواد.
● [ سورة الحديد ] ●
بسم اللهِ الرحمن الرحيم. قوله تعالى (لا يَستَوي مِنكُم مَّن أَنفَقَ مِن قَبلِ الفَتحِ) الآية. روى محمد بن فضيل عن الكلبي أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ويدل على هذا ما أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن عبد الله السليطي قال: حدثنا عثمان بن سلمان البغدادي قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم المخزومي قال: حدثنا عمر بن حفص الشيباني قال: حدثنا عبد العلاء بن عمرو قال: حدثنا أبو إسحاق الفزاري، عن سفيان الثوري، عن آدم بن علي، عن ابن عمر قال: بينا النبي صلى الله عليه وسلم جالس وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خلها على صدره بخلال، إذ نزل عليه جبريل عليه السلام فأقرأه من الله السلام وقال: يا محمد ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها على صدره بخلال، فقال: يا جبريل أنفق ماله قبل الفتح علي، قال: فأقرئه من الله سبحانه وتعالى السلام، وقل له: يقول لك ربك: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط? فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فقال: يا أبا بكر هذا جبريل يقرئك من الله سبحانه السلام، ويقول لك ربك: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط? فبكى أبو بكر وقال: على ربي أغضب، أنا عن ربي راض، أنا عن ربي راض. ● قوله تعالى (أَلَم يَأنِ لِلَّذينَ آَمَنوا أَن تَخشَعَ قُلوبُهُم لِذِكرِ اللهِ) الآية. قال الكلبي ومقاتل: نزلت في المنافقين بعد الهجرة بسنة، وذلك أنهم سألوا سلمان الفارسي ذات يوم فقالوا: حدثنا عما في التوراة فإن فيها العجائب، فنزلت هذه الآية. وقال غيرهما: نزلت في المؤمنين. أخبرنا عبد القاهر بن طاهر قال: أخبرنا أبو عمرو بن مطر قال: أخبرنا جعفر بن محمد الفريابي قال: حدثنا إسحاق بن راهويه قال: حدثنا عمرو بن محمد القرشي قال: حدثنا خلاد بن الصفار، عن عمرو بن قيس الملائي عن عمرو بن مرة، عن مصعب بن سعد، عن سعد قال: أنزل القرآن زماناً على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زماناً، فقالوا: يا رسول الله لو قصصت، فأنزل الله تعالى (نَحنُ نَقُصُّ عَلَيكَ أَحسَنَ القَصَصِ) فتلاه عليهم زماناً، فقالوا: يا رسول الله لو حدثتنا، فأنزل الله تعالى (اللهُ نَزَّلَ أَحسَنَ الحَديثِ) قال: كل ذلك يؤمرون بالقرآن، قال خلاد: وزاد فيه آخر قالوا: يا رسول الله لو ذكرتنا، فأنزل الله تعالى (أَلَم يَأنِ لِلَّذينَ آَمَنوا أَن تَخشَعَ قُلوبُهُم لِذِكرِ اللهِ).
أسباب نزول القرآن . تأليف : الواحدي منتديات الرسالة الخاتمة