من طرف توتة الجمعة 12 أبريل - 8:37
بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الرحلة الزكية للأراضى الحجازية
صوامع المسجد الحرام وما دار به من المشاهد
● [ صوامع المسجد الحرام ] ●
وصوامع المسجد الحرام خمس: إحداهن على ركن أبي قبيس عند باب الصفا، والأخرى على ركن باب بني شيبة، والثالثة على باب دار الندوة، والرابعة على ركن باب السدرة، والخامسة على ركن أجياد.
● [ ما دار بالمسجد الحرام من المشاهد ] ●
بمقربة من باب العمرة مدرسة عمرها السلطان المعظم يوسف بن رسول ملك اليمن المعروف بالملك المظفر التي تنسب إليه الدراهم المظفرية باليمن، وهو كان يكسو الكعبة، إلى أن غلبه على ذلك الملك المنصور قلاوون.
وبخارج باب إبراهيم زاوية كبيرة فيها دار إمام المالكية الصالح أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن المدعو بخليل.
وعلى باب إبراهيم قبة عظيمة مفرطة السمو، قد صنع في داخلها من غرائب صنع الجص ما يعجز عنه الوصف. وبإزاء هذا الباب عن يمين الداخل إليه كان يقعد الشيخ العابد جلال الدين محمد بن أحمد الأفشهري، وخارج باب إبراهيم بئر تنسب كنسبته، وعنده أيضاً دار الشيخ الصالح دانيال العجمي الذي كانت صدقات العراق في أيام السلطان أبي سعيد تأتي على يديه. وبمقربة منه رباط الموفق، وهو من أحسن الرباطات، سكنته أيام مجاورتي بمكة المعظمة. وكان به في ذلك العهد الشيخ الصالح الطيار سعادة الجراني، ودخل يوماً إلى بيته بعد صلاة العصر فوجد ساجداً مستقبل الكعبة الشريفة ميتاً من غير مرض كان به رضي الله عنه وسكن به الشيخ الصالح شمس الدين محمد الشامي نحواً من أربعين سنة. وسكن به الشيخ الصالح شعيب المغربي من كبار الصالحين دخلت عليه يوماً فلم يقع بصري في بيته على شيء سوى حصير فقلت له في ذلك فقال لي: أستر على ما رأيت.
وحول الحرم الشريف دور كثيرة لها مناظر وسطوح يخرج منها إلى سطح الحرم، وأهلها في مشاهدة البيت الشريف على الدوام، ودور لها أبواب تفضي إلى الحرم، منها دار زبيدة زوجة الرشيد أمير المؤمنين، ومنها دار العجلة، ودار الشرابي وسواها. ومن المشاهد المقدسة بمقربة من المسجد الحرام قبة الوحي وهي في دار خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بمقربة من باب الرسول صلى الله عليه وسلم وفي البيت قبة صغيرة حيث ولدت فاطمة عليها السلام، وبمقربة منها دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويقابلها جدار مبارك فيه حجر مبارك بارز، طرفه من الحائط يستلمه الناس ويقال: إنه كان يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم سأل عن رجل فنطق ذلك الحجر، وقال: يا رسول الله إنه ليس بحاضر.
● [ الصفا والمروة ] ●
من باب الصفا الذي هو من أبواب المسجد الحرام إلى الصفا ست وسبعون خطوة، وسعة الصفا سبع عشرة خطوة، وله اربع عشرة درجة علياهن كأنها مسطبة، وبين الصفا والمروة أربعمائة وثلاث وتسعون خطوة، منها من الصفا إلى الميل الأخضر ثلاث وتسعون خطوة، ومن الميل الأخضر إلى الميلين الأخضرين خمس وسبعون خطوة، ومن الميلين الأخضرين إلى المروة ثلاثمائة وخمس وعشرون خطوة. وللمروة خمس درجات، وهي ذات قوس واحد كبير وسعة المروة سبع عشرة خطوة. والميل الأخضر هو سارية خضراء مثبتة مع ركن الصومعة التي على الركن الشرقي من الحرم عن يسار الساعي إلى المروة، والميلان الأخضران هما ساريتان خضراوان إزاء باب علي من أبواب الحرم، أحدهما في جدار الحرم عن يسار الخارج من الباب، والأخرى تقابلها، وبين الميل الأخضر والميلين الأخضرين يكون الرمل ذاهباً وعائداً،
وبين الصفا والمروة مسيل فيه سوق عظيمة، يباع فيها الحبوب واللحم والتمر والسمن وسواها من الفواكه. والساعون بين الصفا والمروة لا يكادون يخلصون لازدحام الناس على حوانيت الباعة، وليس بمكة سوق منتظمة سوى هذه إلا البزازون والعطارون عند باب شيبة
وبين الصفا والمروة دار العباس رضي الله عنه. وهي الآن رباط يقطنه المجاورون عمره الملك الناصر رحمه الله، وبنى أيضاً دار وضوء فيما بين الصفا والمروة سنة ثمان وعشرين، وجعل لها بابين أحدهما في السوق المذكور والآخر في العطارين. وعليها ربع يسكنه خدامها، وتولى بناء ذلك الأمير علاء الدين بن هلال، وعن يمين المروة دار أمير مكة سيف الدين عطيفة بن أبي نمي وسنذكره.
● [ الجبانة ] ●
وجبانة مكة خارج باب المعلى، ويعرف ذلك الموضع بالحجون ، وبهذه الجبانة مدفن الجم الغفير من الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين والأولياء، إلا أن مشاهدهم دثرت، وذهب عن أهل مكة علمها فلا يعرف منها إلا القليل، فمن المعروف منها قبر أم المرمنين، ووزير سيد المرسلين خديجة بنت خويلد أم أولاد النبي صلى الله عليه وسلم، كلهم ما عدا إبراهيم، وجدة السبطين الكريمين صلوات الله وسلامه على النبي صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين. وبمقربة منه قبر الخليفة أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس رضي الله عنه ، وفيها الموضع الذي صلب فيه عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما. وكان به بنية هدمها أهل الطائف غيرة منهم لما كان يلحق حجاجهم المبير ، من اللعن وعن يمين مستقبل الجبانة مسجد خراب، يقال إنه المسجد الذي بايعت الجن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى هذه الجبانة طريق الصاعد إلى عرفات وطريق الذاهب إلى الطائف وإلى العراق.
مقتبسة من كتاب رحلة أبن بطوطة
منتديات الرسالة الخاتمة - البوابة