منتدى الف توتة و حدوتة

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

    الفصل الثانى من الباب الأول

    avatar
    توتة
    Admin


    عدد المساهمات : 2017
    تاريخ التسجيل : 13/02/2014

    الفصل الثانى من الباب الأول Empty الفصل الثانى من الباب الأول

    مُساهمة من طرف توتة الثلاثاء 9 سبتمبر - 12:11

    الفصل الثانى من الباب الأول Akeda_10

    بّسم اللّه الرّحمن الرّحيم
    مكتبة العقيدة
    أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة
    الفصل الثانى من الباب الأول
    الفصل الثانى من الباب الأول 1410
    ● [ الفصل الثانى : توحيد الألوهية ] ●

    يشتمل الفصل الثانى : توحيد الألوهية على خمس مباحث :
    المبحث الأول : أدلته ، وبيان أهميته
    المبحث الثاني : وجوب إفراد الله بالعبادة
    المبحث الثالث : حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد
    المبحث الرابع : الشرك والكفر وأنواعهما
    المبحث الخامس : ادعاء علم الغيب وما يلحق به
    ● [ المبحث الأول : أدلته ، وبيان أهميته ] ●
    [ المطلب الأول : أدلّتُه ]

    لقد تضافرت النصوص وتظاهرت الأدلة على وجوب إفراد الله بالألوهية ، وتنوعت في دلالتها على ذلك :
    1 - تارة بالأمر به ، كما في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } (البقرة : 21) ، وقوله : { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا } (النساء : 36) ، وقوله : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ } (الإسراء : 23) ، ونحوها من الآيات.
    2 - وتارة ببيان أنه الأساس لوجود الخليقة والمقصود من إيجاد الثقلين ، كما قال تعالى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } (الذاريات : 56).
    3 - وتارة ببيان أنه المقصود من بعثة الرسل كما في قوله تعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (النحل : 36) ، وقوله : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (الأنبياء : 25).
    4 - وتارة ببيان أنه المقصود من إنزال الكتب الإلهية ، كما في قوله تعالى : { يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ } (النحل : 2) .
    5 - وتارة ببيان عظيم ثواب أهله وما أعد لهم من أجور عظيمة ونعم كريمة في الدنيا والآخرة ، كما قال الله تعالى : { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ }{ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ } (الأنعام : 82).
    6 - وتارة بالتحذير من ضده ، وبيان خطورة مناقضته ، وذكر ما أعد سبحانه من عقاب أليم لمن تركه ، كقوله تعالى : { إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ } (المائدة : 72) ، وقوله تعالى : { وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا } (الإسراء : 39) .
    إلى غير ذلك من أنواع الأدلة المشتملة على تقرير التوحيد والدعوة إليه والتنويه بفضله وبيان ثواب أهله وعظم خطورة مخالفته.
    والسنة النبوية كذلك مليئة بالأدلة على هذا التوحيد وأهميته ، من ذلك :
    1 - ما رواه البخاري في صحيحه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : « يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، أتدري ما حقهم عليه ؟ قال : الله ورسوله أعلم . قال : أن لا يعذبهم » (1) .
    2 - وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا نحو اليمن قال له : « إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات » . . . . ، الحديث ، رواه البخاري (2) .
    3 - وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من مات وهو يدعو من دون الله ندًّا دخل النار » ، رواه البخاري (3) .
    4 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة ، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار » ، رواه مسلم (4) .
    والأحاديث في هذا الباب كثيرة .
    _________
    (1) صحيح البخاري (7373).
    (2) صحيح البخاري (7372) .
    (3) صحيح البخاري (4497) .
    (4) صحيح مسلم (93) .
    [ المطلب الثاني ]
    بيان أهميته وأنه أساس دعوة الرسل

    لا ريب أن توحيد الألوهية هو أعظم الأصول على الإطلاق وأكملها وأفضلها وألزمها لصلاح الإنسانية ، وهو الذي خلق الله الجن والإنس لأجله ، وخلق المخلوقات وشرع الشرائع لقيامه ، وبوجوده يكون الصلاح ، وبفقده يكون الشر والفساد ، ولذا كان هذا التوحيد زبدة دعوة الرسل وغاية رسالتهم وأساس دعوتهم ، يقول الله تبارك وتعالى : { وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ } (النحل : 36) ، وقال : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ } (الأنبياء : 25).
    وقد دل القرآن الكريم في مواطن عديدة أن توحيد الألوهية هو مفتاح دعوة الرسل ، وأن كل رسول يبعثه الله يكون أول ما يدعو قومه إليه توحيد الله وإخلاص العبادة له ، قال الله تعالى : { وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا }{ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } (الأعراف : 65) ، وقال تعالى : { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } (الأعراف : 73) ، وقال تعالى : { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } (الأعراف : 85) .
    [ المطلب الثالث ]
    بيان أنه محور الخصومة بين الرسل وأممهم

    تقدم أن توحيد العبادة هو مفتتح دعوات الرسل جميعهم ، فما من رسول بعثه الله إلا وكان أول ما يدعو قومه إليه هو توحيد الله ، ولذا كانت الخصومة بين الأنبياء وأقوامهم في ذلك ، فالأنبياء يدعونهم إلى توحيد الله وإخلاص العبادة له ، والأقوام يصرون على البقاء على الشرك وعبادة الأوثان إلا من هداه الله منهم .
    قال الله تعالى عن قوم نوح عليه السلام : { وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا }{ وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا } (نوح : 23-24) ، وقال عن قوم هود عليه السلام : { قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ } (الأحقاف : 22) ، { قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } (هود : 53) .
    وقال عن قوم صالح عليه السلام : { قَالُوا يَا صَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ } (هود : 62) .
    وقال عن قوم شعيب عليه السلام : { قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ } (هود : 87) .
    وقال عن كفار قريش : { وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ }{ أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ }{ وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ }{ مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلَّا اخْتِلَاقٌ } (ص : 4-7) .
    وقال : { وَإِذَا رَأَوْكَ إِنْ يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا }{ إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا وَسَوْفَ يَعْلَمُونَ حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا }{ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا }{ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا } (الفرقان : 41- 44) .
    فهذه النصوص وما جاء في معناها تدل أوضح دلالة أن المعترك والخصومة بين الأنبياء وأقوامهم إنما كان حول توحيد العبادة والدعوة إلى إخلاص الدين لله .
    وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله » (1) .
    وثبت في الصحيح أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرُم ماله ودمه وحسابه على الله » (2) .
    _________
    (1) صحيح البخاري برقم (52) ، وصحيح مسلم برقم (22).
    (2) صحيح مسلم برقم (23) .
    ● [ المبحث الثاني ] ●
    وجوب إفراد الله بالعبادة ، وتحته مطالب
    [ المطلب الأول ]
    معنى العبادة والأصول التي تُبنى عليها

    العبادة في اللغة : الذل والخضوع ، يقال : بعير معبد ، أي : مذلل ، وطريق معبد : إذا كان مذللا قد وطئته الأقدام .
    وشرعا : هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة .
    وسيأتي ما يوضح ذلك عند ذكر بعض أنواع العبادة .
    وهي تبنى على ثلاثة أركان :
    الأول : كمال الحب للمعبود سبحانه ، كما قال تعالى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } (البقرة : 165) .
    الثاني : كمال الرجاء ، كما قال تعالى : { وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ } (الإسراء : 57) .
    الثالث : كمال الخوف من الله سبحانه ، كما قال تعالى : { وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ } (الإسراء : 57) .
    وقد جمع الله سبحانه بين هذه الأركان الثلاثة العظيمة في فاتحة الكتاب في قوله سبحانه : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } ، فالآية الأولى فيها المحبة ؛ فإن الله منعم ، والمنعم يُحبُّ على قدر إنعامه ، والآية الثانية فيها الرجاء ، فالمتصف بالرحمة ترجى رحمته ، والآية الثالثة فيها الخوف ، فمالك الجزاء والحساب يخاف عذابه .
    ولهذا قال تعالى عقب ذلك : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } ، أي : أعبدك يا رب هذه الثلاث : بمحبتك التي دل عليها : { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } ، ورجائك الذي دل عليه : { الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ، وخوفك الذي دل عليه : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } .
    والعبادة لا تقبل إلا بشرطين :
    1 - الإخلاص فيها للمعبود ؛ فإن الله لا يقبل من العمل إلا الخالص لوجهه سبحانه ، قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (البينة : 5) ، وقَال تعالى : { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ } (الزمر : 3) ، وقال تعالى : { قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي } (الزمر : 14) .
    2 - المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم ؛ فإن الله لا يقبل من العمل إلا الموافق لهدي الرسول صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى : { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } (الحشر : 7) ، وقَال تعالى : { فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } (النساء : 65) .
    وقوله صلى الله عليه وسلم : « من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد » (1) (أي مردود عليه) .
    فلا عبرة بالعمل ما لم يكن خالصا لله صوابا على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله تعالى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا } (هود : 7 ، الملك : 2) : " أخلصه وأصوبه " ، قيل : يا أبا علي ، وما أخلصه وأصوبه ؟ قال : " إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا ، والخالص ما كان لله ، والصواب ما كان على السنة " (2).
    ومن الآيات الجامعة لهذين الشرطين قوله تعالى في آخر سورة الكهف : { قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا } (الكهف : 110) .
    _________
    (1) صحيح البخاري برقم (2697) .
    (2) حلية الأولياء : (8 / 95) .
    [ المطلب الثَاني ]
    ذكر بعض أنواع العبادة

    العبادة أنواعها كثيرة ، فكل عمل صالح يحبه الله ويرضاه قولي أو فعلي ظاهر أو باطن فهو نوع من أنواعها وفرد من أفرادها ، وفيما يلي ذكر بعض الأمثلة على ذلك :
    1 - فمن أنواع العبادة : الدعاء ، بنوعيه دعاء المسألة ، ودعاء العبادة .
    قال الله تعالى : { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (غافر : 14) ، وقال تعالى : { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } (الجن : 18) ، وقال تعالى : { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ }{ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ } (الأحقاف : 5- 6) .
    فمن دعا غير الله عز وجل بشيء لا يقدر عليه إلا الله فهو مشرك كافر سواء كان المدعو حيا أو ميتا ، ومن دعا حيا . بما يقدر عليه مثل أن يقول : يا فلان أطعمني ، أو يا فلان اسقني ، ونحو ذلك فلا شيء عليه ، ومن دعا ميتا أو غائبا . بمثل هذا فإنه مشرك ؛ لأن الميت والغائب لا يمكن أن يقوم . بمثل هذا.
    والدعاء نوعان : دعاء المسألة ودعاء العبادة .
    فدعاء المسألة ، هو سؤال الله من خيري الدنيا والآخرة ، ودعاء العبادة يدخل فيه كل القربات الظاهرة والباطنة ؛ لأن المتعبد لله طالب بلسان مقاله ولسان حاله من ربه قبول تلك العبادة والإثابة عليها .
    وكل ما ورد في القرآن من الأمر بالدعاء والنهي عن دعاء غير الله والثناء على الداعين يتناول دعاء المسألة ودعاء العبادة .
    2 ، 3 ، 4 - ومن أنواع العبادة : المحبة والخوف والرجاء ، وقد تقدم الكلام عليها وبيان أنها أركان للعبادة .
    5 - ومن أنواعها : التوكل ، وهو الاعتماد على الشيء .
    والتوكل على الله : هو صدق تفويض الأمر إلى الله تعالى اعتمادا عليه وثقة به مع مباشرة ما شرع وأباح من الأسباب لتحصيل المنافع ودفع المضار ، قال الله تعالى : { وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } (المائدة : 23) ، وقال تعالى : { وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } (الطلاق : 3) .
    6 ، 7 ، 8- ومن أنواع العبادة : الرغبة والرهبة والخشوع.
    فأما الرغبة : فمحبة الوصول إلى الشيء المحبوب ، والرهبة : الخوف المثمر للهرب من المخوف ، والخشوع : الذل والخضوع لعظمة الله بحيث يستسلم لقضائه الكوني والشرعي ، قال الله تعالى في ذكر هذه الأنواع الثلاثة من العبادة : { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } (الأنبياء : 90) .
    9 - ومن أنواعها : الخشية ، وهي الخوف المبني على العلم بعظمة من يخشاه وكمال سلطانه ، قال الله تعالى : { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي } (البقرة : 150) .
    { فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ } (المائدة : 3) . 10- ومنها الإنابة ، وهي الرجوع إلى الله تعالى بالقيام بطاعته واجتناب معصيته ، قال الله تعالى : { وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ } (الزمر : 54) .
    11 - ومنها : الاستعانة ، وهي طلب العون من الله في تحقيق أمور الدين والدنيا ، قال الله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، وقال صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس : « إذا استعنت فاستعن بالله » (1).
    12 - ومنها : الاستعاذة ، وهي طلب الإعاذة والحماية من المكروه ، قال الله تعالى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ }{ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ } وقال تعالى { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ }{ مَلِكِ النَّاسِ }{ إِلَهِ النَّاسِ }{ مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ } .
    13 - ومنها الاستغاثة ، وهو طلب الغوث ، وهو الإنقاذ من الشدة والهلاك ، قال الله تعالى : { إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } (الأنفال : 9) .
    14 - ومنها الذبح ، وهو إزهاق الروح بإراقة الدم على وجه الخصوص تقربا إلى الله ، قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } (الأنعام : 162) ، وقال تعالى : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } (الكوثر : 2) .
    15 - ومنها النذر ، وهو إلزام المرء نفسه بشيء ما ، أو طاعة لله غير واجبة ، قال الله تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } (الإنسان : 7) .
    فهذه بعض الأمثلة على أنواع العبادة ، وجميع ذلك حق لله وحده لا يجوز صرف شيء منه لغير الله.
    والعبادة بحسب ما تقوم به من الأعضاء على ثلاثة أقسام :
    القسم الأول : عبادات القلب ، كالمحبة والخوف والرجاء والإنابة والخشية والرهبة والتوكل ونحو ذلك .
    القسم الثاني : عبادات اللسان ، كالحمد والتهليل والتسبيح والاستغفار وتلاوة القرآن والدعاء ونحو ذلك .
    القسم الثالث : عبادات الجوارح ، كالصلاة والصيام والزكاة والحج والصدقة والجهاد ، ونحو ذلك .
    _________
    (1) سنن الترمذي (2516) ، ومسند أحمد (1 / 307) ، وقد حسن الحديث الترمذي وصححه الحاكم.
    ● [ للفصل الثانى بقية، فتابعها ] ●

    الفصل الثانى من الباب الأول Fasel10

    كتاب أصول الإيمان في ضوء الكتاب والسنة
    المؤلف : نخبة من العلماء
    منتدى توتة و حدوتة ـ البوابة
    الفصل الثانى من الباب الأول E110


      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة 29 مارس - 0:32